من فضائل شهر الله المحرم

جابر السيد الحناوي
1431/01/03 - 2009/12/20 20:19PM
بسم الله الرحمن الرحيم


[motr]من فضـائل شهـر الله المحـرم[/motr]

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" ( آل عمران : 102 )
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " ( النساء : 1 )
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " ( الأحزاب : 70 )
جعل الله سبحانه وتعاليلنا مواسم للخيرات يزداد فيها المؤمن إيمانا ، ويتوبُ فيها العاصي إلىالله ، فالسعيد من اغتنم هذهالمواسم المباركة فيملؤها بالطاعات ، والشقي من حرم نفسه خيرها، ومن هذه المواسم المباركة شهر الممرم ، الذى يظلنا فى هذه الأيام .
شهر المحرم هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله عز وجلعنها في كتابه العزيز: " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ..."( [1] )
وقد فصلت السنة النبوية المشرفة هذه الأشهر الحرم ، فعن أبي بكرة رضي الله عنهعن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"( [2] )
وذهب بعض أهل العلم إلى أن أفضل الأشهر الحرم هو شهر المحرم . قال الحسن البصري : إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهرحرام ، فليس شهر في السنة ، بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم . ( [3] )وكان اسم المحرم في الجاهلية صفر الأول ، ثم لما جاء الإسلام سماه رسول الله صلي الله عليه وسلم شهرَ الله المحرم ، كما جاء فى الحديث الذى رواه أبو هريرة رضي الله عنه : " أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ... " ( [4] )
فلم خُصَّ المحرم بهذا الاسم : " شهر الله " دون سائر الشهور، مع أن فيها ما يساويه في الفضل أو يزيد عليه كرمضان ؟ فى الديباج على مسلم وجدت ما يجاب به : أن هذا الاسم إسلامي دون سائر الشهور؛ فإن أسماءها كلَّها على ما كانت عليه في الجاهلية ، وكان اسم المحرم في الجاهلية صفر الأول ، والذي بعده صفر الثاني فلما جاء الإسلام سماه الله المحرم فأضيف إلى الله بهذا الاعتبار ( [5] )
وإضافته إلى الله عز وجل تدل على شرفهوفضله، فإن الله سبحانه وتعالي لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته ؛ كما نسب محمدا و ابراهيم و إسحاق ويعقوب وغيرَهم من الأنبياء إلى عبوديته ، ونسب إليه بيته وناقته. ( [6] ) كما في قوله عز وجل : "هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً" ( [7] ) وكما في قول رسول الله صلي الله عليه وسلم :" لقد مر بالروحاء سبعون نبيا ... يؤمون بيت الله العتيق"([8] )
ومن فضائل شهر المحرم أن الله نجى فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وقومه ، عن ابن عباس رضي الله عنهقال : قدم النبي صلي الله عليه وسلمالمدينة فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ : " مَا هَذَا ؟ " قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى شكرا لله قَالَ صلي الله عليه وسلم : " فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ." ( [9] )
وليس صيامه صلي الله عليه وسلم له تصديقا لليهود بمجرد قولهم ، بل كان يصومه مع قريش قبل البعثة ، لما فى الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنهاقالت : " كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَصُومُهُ فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ "( [10] )
وفى فضل الصيام فى شهر المحرم :
قال رسول صلي الله عليه وسلم : " أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ " ( [11] )
فهذا الحديث فيه تصريح بأن المحرم هو أفضل الشهور لصوم التطوع ، وقال القرطبي: إنما كان صوم المحرم أفضل الصيام من أجل أنه أول السنة المستأنفة فكان استفتاحها بالصوم الذي هو أفضل الأعمال . ( [12] )
وانطلاقا من هذا الحديث فإن أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم في شهر المحرم هو الصيام ، فينبغي لكل مسلم أن يكثر من صيامالتطوع فيه ، ولنتذكر أن الصوم له فضله وثوابه العظيم عنــد الله عز وجل :
1- فعن سهل رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ "( [13] )
2- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا "( [14] )
3- وعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ قَالَ : "عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ " ( [15] )
أما عن فضل صوم عاشوراء :
فعن أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَصلي الله عليه وسلم : " يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ " ( [16] )
لقد كان نبينا صلي الله عليه وسلم حريصا على صوم يوم عاشوراء وإرشاد أمته إلى صيام ذلك اليوم المبارك لتنال المغفرة الربانية الكريمة وذلك من خلال أحاديثٍ كثيرة منها :
1- عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ :أَرْسَلَ النَّبِيُّصلي الله عليه وسلمغَدَاةَ عَاشُـورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَار ِ: " مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ" ( [17] )
ونحن أيضا ينبغي أن نعود أطفالنا الصغار فعل الخيرات ، ونعلمهم اتباع سنة نبينا صلي الله عليه وسلم منذ نعومة أظفارهم ، ولذا علينا أن نعرفهم فضل صوم رمضان والمحرم وغير ذلك من مواسم الخيرات ، ونشجعهم على الصيام ، وذلك بأن نعطيهم بعض الهدايا أو القليل من المال ، ولنتذكر الحكمة المعروفة : أن التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر ، فالتربية الصحيحة في سن الطفولة لها أثر كبير في حياة الإنسان.
2- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهقَالَ : " مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ " ( [18] )
3- عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنه يقول في عاشــوراء :" خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر" ( [19] )
فانظر أخي الكريم إلى هذا الفضل الجزيل من رب كريم ، واغتنم هذه الفرصة المباركة ، التي قد لا تعود أبدا فالأعمار بيد الله ، فاعقد النية من الآن على الإكثار من الصيام في شهر الله المحرم ، وخاصة يوم عاشوراء ، ولا تجعل هذا اليوم يمر عليك دون أن تصومه ، إلا إذا كنت صاحب عذر شرعي كمرض أو كبر سن أو غير ذلك ؛ فصوم يوم عاشوراء كما رأينا له فضل عظيم عند الله ، فعلى كل مسلم أن يغتنم صوم هذا اليوم خالصا لله وحده رجاء أن يغفر الله له ذنوب السنة الماضية .
*** *** ***


التحذير من الابتداع فى الدين :

رغم وضوح فضلِ المحرم شهرِ الله الحرام ، وموقعِه بين شهور العام ، على ضوء الكتاب والسنة ، وأنه لم يصح فى فضل شهر المحرم عامة ، ويوم عاشوراء خاصة من الصالحات إلا الصيام ، فإنه يقع من الناس فى هذا الشهر وفى هذا اليوم بالذات ــ يوم عاشوراء ــ كثير من البدع ، منها مالا أصل له ومنها ما يبنى على أحاديثٍ موضوعة أو ضعيفة ؛ فإن بعض الكذابين والجاهلين وضعوا أحاديث في فضل هذا الشهر الحرام وصوم يوم عاشوراء ونسبوها كذبا إلى النبيصلي الله عليه وسلم ، إن جهل الكثيرين من الناس بسـنة النبي صلي الله عليه وسلم جعلهم يبتدعـون في دين الله ما ليس منه ، ومن المعلوم أن الله قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ، قال عز وجل : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً "([20] ) وقال سبحانه وتعالي : " ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" ( [21] ) فلا يجوز لنا أن نبتدع شيئا في دين الله ليس من الشرع في شىء .
وقد حذرنا نبينا محمدصلي الله عليه وسلممن الابتداع في الدين ،فعَنْ أُمِّنا عَائِشَةَ رضي الله عنهاقَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِصلي الله عليه وسلم : " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ " ( [22] )
لقد أحدث الشيطان الرجيم بسبب مقتل الحسين رضي الله عنه بدعتين :
الأولى يقترفها الشيعة : ممثلة في الحزن والنوح واللطم والصراخ والبكاء ، وإنشاد المراثى وما إلى ذلك من سب السلف الصالح ، وقراءة أخبار مثيرة للعواطف ، مهيجة للفتن وكثير منها مكذوب ، وكان قصد من سـن هذه السنة السيئة فى ذلك اليوم هو فتح باب الفتنة والتفريق بين الأمة.
وهذا لاشك فى أنه غير جائز بإجماع المسلمين ، فإحداث الجزع والنياحة وتجديد ذلك للمصائب القديمة من أفحش الذنوب وأكبر المحرمات.
الثانية عند بعض أهل السنة :وهي بدعة السرور والفرح ، واتخاذ هذا اليوم عيدا بمعنى العيد ويوسع فيه علي العيال ، والتوسعة وإن كانت مشروعة فى الجملة ، لكن الاحتفاء بها بما يقرب من اعتقادها دينا ، فهذا هو الخلل والخرق بعينه ، لدرجة أنهم رووا كذبا : " من وسع على عياله في النفقة يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته " ( [23] ) وغيره من الأحاديث الموضوعة فى فضل يوم عاشوراء ، فأحدث أولئك الحزن وهؤلاء السرور ، وكل هذا من البدع المكروهة .
قال العلامة ابن أبي العز الحنفى : إنه لم يصح عن النبى صلي الله عليه وسلم فى يوم عاشوراء غير الصوم ، إنما الروافض لما ابتدعوا المآتم ، وإظهار الحزن يوم عاشوراء لكون الحسين رضي الله عنه قتل فيه ، ابتدع جهلة أهل السنة إظهارَ السرور واتخاذ الأطعمة والاكتحال ، ورووا أحاديث موضوعة في الاكتحال والتوسعة علي العيال .
وجملة القول : أنه لم يستحب أحد من الأئمة الأربعة ، ولا غيرُهم شيئا من ذلك ؛ لعدم الدليل الشرعي ، بل المستحب يوم عاشوراء عند جميع العلماء هو صومه مع صوم يوم قبله كما عرفنا .
*** *** ***

ويأتي شهر المحرم بعد انقضاء عام بكل مافيه من آمال وآلام ، ليذكرنا بقول المصطفي صلي الله عليه وسلم : " لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ " ( [24] )هذا الخبر من أعلام النبوة لإخباره صلي الله عليه وسلم بفساد الأحوال ، ويقول عبد الله بن مسعود راوي الحديث مصرحا بالمراد : " لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالا يفيده ولكن لا يأتي عليكم يوم وإلا وهو أقل علما من اليوم الذي مضى قبله ، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون " ( [25] )
والمقصود بالعلم هنا : العلم الشرعي ، وابتعاد الناس عن معين الشريعة وانغماسهم في المعاصي وما يترتب علي ذلك من كثرة الفتن والبلايا والرزايا ، كما هو حال الأمة في هذه الأيام ــ والعياذ بالله ــ فيوم يجد الناس من يحكمهم بشرع الله نجد الأمن والعزة والسلام . مصداق ذلك في تاريخنا القديم والحديث ، لكننا لا نقرأ.
تذكر كتب التاريخ أن يوسف بن تاشفين كان أحد ملوك دولة الموحدين بمراكش ، وفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة 478 هـ وردت عليه كتب الأندلس ، يبثونه حالهم ، وما منيت به من استدعاء الروم ، وما جنوه عليها ، وفاوضه الحكام المسلمون واستدعوه لنصرتهم علي الروم .
وعلم بذلك الحاكم النصراني صاحب طليطلة المسمي الأذفونش ، وكان أحد الطغاة الذين تغلبوا علي المسلمين في الأندلس ، فأرسل إليه رسالة يتهدده فيها ويتوعده ، جاء بها :
من أمير الملتين أذفونش بن فردلند إلى الأمير يوسف بن تاشفين.
أما بعد فلا خفاء على ذي عينين أنك أمير الملة المسلمة ، كما أنا أمير الملة النصرانية ، ولم يخف عليكم ما عليه رؤساؤكم بالأندلس من التخاذل ، والتواكل ، وإهمال الرعية ، والإخلاد إلى الراحة ، وأنا أسومهم سوء الخسف ، وأضرب الديار، وأهتك الأستار( أي يأسر النساء ) وأقتل الشبان ، وأسبي الولدان ، ولا عذر لك في التخلف عن نصرتهم ، إن أمكنتك قدرة.
هذا وأنتم تعتقدون أن الله تبارك وتعالى ، فرض على كل واحد منكم ، قتال عشرة منا ، ثم خفف عنكم فجعل على كل واحد منكم ، قتال اثنين منا ، وأن قتلاكم في الجنة ، وقتلانا في النار، ونحن نعتقد أن الله أظهرنا بكم ، وأعاننا عليكم ، ونحن الآن نقاتل عشرة منكم بواحد منا ، إذ لا تقدرون دفاعاً ، ولا تستطيعون امتناعاً.
وبلغنا عنك أنكفي الاحتفال على نية الإقبال ، تماطل نفسك وتقدم رجلا وتؤخر أخري ، فلا أدري أن كان الجبن يبطىء بك أم التكذيب لما أنزل عليك ...
فلما وصل الكتاب إلي يوسف بن تاشفين مزقه وكتب في ظهر قطعة منه جوابك يا أذفونش ما تراه ، لا ما تسمعه إن شاء الله ( [26] )
فلما عاد الكتاب إلى الأذفونش ارتاع لذلك ( [27] ) وعلم أنه بلي برجل له عزم وحزم ، فازداد استعداداً.
وأمر الأمير يوسف باستنفار الجيوش من الأمصار ، ثم أجاز البحر إلى الأندلس ، من مضيق سبته ، وكان اللقاء يوم الجمعة منتصف رجب من عام 479 هـ ووقعت حرب مرة ، تجلت عن هزيمة العدو الطاغية ، هزيمة كبري ، واستئصال شأفته. وأفلت أذفونش في نفر قليل ، وأعز الله المسلمين ونصرهم نصراً لا كفاء له... وتقديرا منهم ليوسف بن تاشفين أطلقوا عليه لقب أمير المسلمين ( [28] ) وهو أهل لهذا الشرف وأكثر ، أما أذفونش الصليبي المغرور فقد صار كما يقول المثل : أذل من الحذاء .
والشاهد من القصة أن الأمير يوسف بن تاشفين سارع إلي نجدة اخوانه المسلمين في الأندلس من ظلم الروم الصليبيين ، لقد كان رجلا وصفه المؤرخون بأنه اشتهر بخوفه من الله ، كتوماً لسره ، كثير الدعاء والاستخارة ، مقبلاً على الصلاة ، مديماً للاستغفار، يواصل الفقهاء ، ويعظم العلماء ، ويصرف الأمور إليهم ، ويأخذ فيها بآرائهم ، ولو كانت علي نفسه ، ويحض على العدل ، ويصدع بالحق ، ويعضد الشرع ، إلى أن لقي ربه ( [29] )
فهل عدم المسلمون مثل هذا الرجل الذى يستطيع أن يقف في وجه رئيس الوزراء الصهيونى " نتنياهو" الذي يتصرف في غزة وكأن أهلها قطيع من الأغنام ، لا صاحب له ... النساء الفلسطينيات تصرخ وتستنجد : وينكم ياعرب ؟ أين العرب ؟
العرب لن يفعلوا لكم شيئا ، وكل المصائب التي تتجرعونها هي بسبب العروبة ، وأمجاد يا عرب أمجاد ، الكل يتاجر بالقضية الفلسطينية ، حتي زعماؤكم الذين هم من جلدتكم ، والذين فرضوا عليكم ، يتعيشون علي القضية الفلسطسنية ، أنظروا إليهم ... لقد سمنوا وربربوا بملايين الدولارات التي يقدمها لهم أسيادهم باسم دعم السلطة ، هل هذه وجوه زعماء يشاركون شعبهم الجائع ، هؤلاء لا فائدة من ورائهم ، إنهم يبيعونكم الوهم ، يبيعونكم الشعارات ، ويرمون لكم الفتات.
أما اليهود فلن تجدي معهم التهدئة ، ولا المفاوضات ، ولن ترهبهم الصواريخ التي تلعب الفصائل بها معهم .
والعرب لن يساندوكم .
فليس أمامكم سوي مصير واحد ، هو أن تموتوا إما من الحصار والجوع ، أوالقتل في الغارات التي يشنها عليكم اليهود .
ولكن أمامكم المستوطنات اليهودية ... مكدسة بالغذاء والدواء والسلاح ، أكوام الطعام والعتاد أمام أعينكم ، إنها أرضُـكم وأموالكم التي يتمتع بها اليهود ، وما عليكم إلا أن تتوكلوا علي الله ، وتزحفوا إليها ، وتنتزعوها من أيديهم ، وخذوهم واحصروهم واتخذوهم دروعا بشرية ، إن كنتم تريدون الحياة .
وظني أنكم لن تفقدوا في هذا الزحف أكثر مما فقدتم من القتلي والجرحى في غارة من الغارات الماضية ، ومهما يكن عددهم فيومها سيكون قتلاكم حقا من الشهداء ، وأحياؤكم أبطال يعمل لهم ألف حساب ، إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا .
ليس أمامكم سوي ذلك إن كنتم تريدون الحياة الحرة الكريمة ، ولكم الأسوة في تجربة المجاهدين الأفغان مع القوات الروسية الغاشمة ، والأمر ليس منا ببعيد.
اللهم هل بلغت ؟؟ اللهم فاشهد .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )


[1] التوبة 36

[2] صحيح البخاري ج 14 / ص 223

[3] لطائف المعارف لابن رجب الحنبلى ص 79

[4] صحيح مسلم بشرح النووى ج 6 / ص 63


[5] الديباج على مسلم ج 3 / ص 251

[6] لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص 81

[7] الأعراف 73

[8] صحيح الترغيب والترهيب 2 / 9

[9] صحيح البخاري ج 7 / ص 127

[10] صحيح مسلم ج 5 / ص 459

[11] صحيح مسلم بشرح النووى ج 6 / ص 63

[12] الديباج على مسلم ج 3 / ص 251

[13] صحيح البخاري ج 6 / ص 461

[14] صحيح مسلم ج 6 / ص 22

[15] سنن النسائي ج 7 / ص 406

[16] صحيح مسلم ج 6 / ص 56

[17] صحيح البخاري ج 7 / ص 64

[18] صحيح البخاري ج 7 / ص 129

[19] صحيح مصف عبد الرزاق ج 4 / ص 287

[20] المائدة من الآية3

[21] الحشر: من الآية7

[22] صحيح البخاري ج 9 / ص 201

[23] مشكاة المصابيح ج 1 / ص 434

[24]صحيح البخاري 21 / 457

[25] فتح الباري لابن حجر ج 20 / ص 71


[26] الإحاطة في أخبار غرناطة -ج 2 / ص 183

[27] ورأى في منامه كأنه راكب فيل، وبين يديه طبل صغير، وهو ينقر فيه، فقص رؤياه على القسيسين، فلم يعرفوا تأويلها، فأحضر رجلاً مسلماً، عالماً بتعبير الرؤيا، فقصها عليه، فاستعفاه من تعبيرها، فلم يعفه، فقال: تأويل هذه الرؤيا من كتاب الله العزيز، وهو قوله تعالى: " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " السورة، وقوله تعالى: " فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير " ، ويقتضي هلاك هذا الجيش الذي تجمعه ، فلما اجتمع جيشه رأى كثرته فأعجبته، فأحضر ذلك المعبر، وقال له: بهذا الجيش ألقى إله محمد، صاحب كتابكم ، فانصرف المعبر، وقال لبعض المسلمين: هذا الملك هالك وكل من معه ، وذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاث مهلكات " الحديث ، وفيه : " وإعجاب المرء بنفسه " . الإحاطة في أخبار غرناطة - (ج 2 / ص 182)

[28] الكامل في التاريخ ج 4 / ص 324


[29] تسمى بأمير المسلمين لما احتل الأندلس وأوقع بالروم، وكان قبل يدعى الأمير يوسف، وقامت الخطبة فيها جميعاً باسمه ، وكان درهمه فضة، ودنيره تبرٌ محض، في إحدى صفحتي الدنير لا إله إلا الله، محمد رسول الله وتحت ذلك أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين، وفي الداير، ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. وفي الصفحة الأخرى، الإمام عبد الله أمير المسلمين، وفي الداير تاريخ ضربه وموضع سكته
المشاهدات 4138 | التعليقات 2

أحوال النبى صلي الله عليه وسلم فى صوم عاشوراء

كان للنبي صلي الله عليه وسلم في صيام عاشوراء أربعة أحوال وهي:
الحالة الأولى : كان النبي صلي الله عليه وسلم يصوم عاشوراء بمكة قبل هجرته إلى المدينة ، ولم يأمر أحدا من المسلمين بصيامه .
الحالة الثانية : لما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم إلى المدينة ورأى صيام أهل الكتاب لعاشوراء وتعظيمهم له ، صامه وأمر المسلمين بصيامه وأكد الأمر بصيامه .
الحالة الثالثة : لما فرض الله صوم رمضان على المسلمين ترك النبي صلي الله عليه وسلم أمر أصحابه بصيام يوم عاشوراء.
روى مسلم عن ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : " إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ " ( صحيح مسلم - (ج 5 / ص 463 حديث 1901)
الحالة الرابعة : أن النبي صلي الله عليه وسلم عزم في آخر حياته على أن لا يصوم يوم عاشوراء مفردا، بل يضم إليه يوم التاسع مخالفة لأهل الكتاب في صيامه .

( لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص 102 - 108 ) .


منشأ البدع المتعلقة بعاشوراء
والأحاديث الموضوعة التى تساندها
[align=justify]
... وذلك أنه كان بالكوفة قوم من الشيعة يغالون فى حب الحسين وينتصرون له ، رأسهم المختار بن عبيد الكذاب الرافضى الشيعى الذى ادعى النبوة ، وقوم من النواصب ، منهم الحجاج بن يوسف الثقفي ، يبغضون عليا وأولاده رضي الله عنهم وقد ثبت فى صحيح مسلم عن رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنَّه قال سيكون : " فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا " ( [1] )
والمُبير : هو المسرف في إهلاك الناس ، فكان ذلك الشيعى هو الكذاب ، وهذا الناصبى هو المبير ، فأحدث أولئك الحزن وهؤلاء السرور ، ورووا كذبا : " من وسع على عياله في النفقة يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته " ( [2] ) وغيره من الأحاديث الموضوعة فى فضل يوم عاشوراء .
فصار قوم يستحبون في هذا اليوم الاغتسال والاكتحال والتوسعة علي الأهل والعيال ، وهذه كلها بدع من خصوم الحسين رضي الله عنه كما أن بدعة الحزن وما إليه من أحبابه رضي الله عنه والكل باطل وبدعة وضلالة.


[/align]

[1] ثبت فى صحيح مسلم ج 12 / ص 380 أن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ y بعد مقتل ابنها عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ t قالت لقاتله الحجاج : أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ
[2] مشكاة المصابيح ج 1 / ص 434