(6) لمحات من سيرة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... يقول الحق تبارك وتعالى ]لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[. وفي حياة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام عبر عظيمة، فقد أصبح شيخًا كبيرًا قد تجاوز من العمر عتِيًّا، بعد أن انتهى من أمر دعوته لأبيه وقومه بعدم قبولِـهِم لدعوته، وإصرارهم على كفرهم وعبادة الأوثان. ولم يكتفوا بذلك؛ بل أرادوا أن يقتلوه بأشنع قِتلة، بإحراقه بالنار، فأراد الله سبحانه أن يكونوا هم الأسفلين، ونجّاه من كيدهم أجمعين، ورد اللّه كيدهم في نحورهم، وجعل النار على إبراهيم بردًا وسلامًا. بعد ذلك استدبر إبراهيمُ عليه السلام مرحلةً من حياته ليستقبل مرحلةً أخرى، وطوى صفحةً لينشر صفحةً أخرى ]وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ[ إني مهاجرٌ إلى الأرض المباركة أرض الشام ]رَبِّي سَيَهْدِينِ[ إلى ما فيه الخير من أمر ديني ودنياي. فقد أصبح مقطوع من الأهل والقرابة، أنهم أصروا على كفرهم؛ بل أرادوا الكيد به، مقطوع من ذريةٍ فلا عَقِبَ له، ومهاجر من أرض وطنه، فهو طريد غريب كبير مقطوع من الأهل والذرية. لكنه قوي بإيمانه الراسخ، غني بربه العليم القدير الهادي ]رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ[ ارزقني غلامًا صالحًا ينفعني اللّه به في حياتي، وبعد مماتي، فاستجاب الله له وقال ]فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ[ وهو إسماعيل -عليه السلام بلا شك، رزقه الله إياه في كبره وهرمه، فطالما تطلع إليه وانتظره. يشهد الله لهذا الغلام بأنه حليم، والحلم يتضمن الصبر، وحسن الخلق، وسعة الصدر، والعفو. أيها الإخوة ... فما كاد إبراهيم يأنس بهذا الغلام الوحيد الذي أحَبَّهُ حُبًّا شديدًا، وأصبح إسماعيل الصبي يتفتَّح ويبلغ سنًا يكون أحبَّ ما يكون فيها لوالديه، فقد ذهبت مشقته، وأقبلت منفعته، وصار إسماعيل يرافق أباه إبراهيم في الحياة، وهو الابن الوحيد الذي جاء على كِبَر، حتى جاء أمر الله وحُكْمه، ولا معقب لحكمه -سبحانه-، فرأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه! ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية؛ ذلك أن رؤيا الأنبياء حق. ماذا ترون أن يفعل إبراهيم؟! هل يراجع ربه؟! هل ينتظر أمرًا صريحًا؟! هل ينتظر معرفة الحكمة والسبب؟! لا؛ لم يكن من ذلك شيء! إنه لم يتردد ولم يخالجه إلا شعور الطاعة، ولم يخطر في باله إلا التسليم والانقياد لأمر الله، بلا انزعاج ولا جزع، استقبل أمر الله بتمام القبول والرضا والطمأنينة والهدوء ]فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى[ يعرض على ابنه الأمر بكلمات المالك لأعصابه، الواثق بأنه يؤدي واجبه، مع أنه أمر شاق غاية المشقة؛ فكيف لأب في تلك الحال التي عرفنا أن يذبح ابنه بيده، ويعرض على ابنه هذا العرض، ويطلب إليه أن يتروى في أمره، وأن يرى فيه رأيه؟! فالأمر في حسِّه هكذا، ربُّه يريد؛ فليكن ما يريد! على العين والرأس! وابنه ينبغي أن يأخذ الأمر طاعة وإسلامًا، لا قهرًا واضطرارًا؛ لينال أجر الطاعة، فيتلقى الابن الأمر بكل رضًا وتسليم ويقين ]قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ[ فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقد رشده؛ بل لا يفقد أدبه ومودته. يا للأدب مع الله! ويا لروعة الإيمان! ويا لنبل الطاعة! ويا لعظمة التسليم. ويستمر مشهد التنفيذ ]فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ[ ويستمر مشهد التنفيذ، فها هو إبراهيم يمضي فيكب ابنه على جبينه استعدادًا لذبحه، والغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعًا، لقد أسلما كلٌّ منهما، ثقة وطاعة وطمأنينة ورضًا وتسليم، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلق إسماعيل. نعم! لم يكن باقيًا إلا أن يُذبَح إسماعيلُ ويسيل دمه وتزهق روحه، لقد تم الابتلاء، ووقع الامتحان، وظهرت نتائجه وتحققت غاياته، ولم يعد إلا الألم البدني، والدم المسفوح، والجسد الذبيح، هنا يأتي النداء الرباني ]وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا[ قد فعلت ما أُمِرْتَ به ]إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[ الذي تبين به صفاء إبراهيم، وكمال محبته لربه وخلته، فقد قدّم حب الله، وآثره على هواه، وعزم على ذبحه، فلهذا قال ]إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ[ صار بدَلَه ذبحٌ مِن الغنم عظيمٌ، ذبحه إبراهيم، فكان عظيمًا من جهة أنه كان فداءً لإسماعيل، ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة، ومن جهة أنه كان قربانًا وسُنَّةً إلى يوم القيامة ]وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ[ تحية عليه ]كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[ نفرج عنهم الشدائد، ونجعل لهم العاقبة، والثناء الحسن ]إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ[ ولم يُذبَح إسماعيل، ونزل الأمين بالفداء بالذبح العظيم، والبشارة بولد آخر لإبراهيم هو إسحاق من زوجته العاقر العجوز ساره؛ ليعلموا جميعًا أن الله على كل شيء قدير، وأنه إذا أراد أمرًا فإنما يقول له كن فيكون. وهنا تأتي المحطة الأخير من لمحات حياة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام.. ,سائلاً المولى أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يرزقنا العمل بكتابه واتباع سنة نبيه ﷺ. أقول ما تسمعون ....     الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... نعيش هذه الأيام في أجواء حارة، والعبد مأمورو بـأن يحميَ نفسه من الأضرار العظيمة الناتجة عن حرارة الشمس، وحماية غيره ممن له عليهم سلطة وولاية، عليه أن يتقي الله في العاملين في مؤسسته وشركته، وعدم تكليفهم بالعمل الشاق تحت حرارة الشمس. قَالَ ﷺ (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ) فهذا الحر الذي يعيشه الناس من فيح جهنم، وقانا الله وإياكم منها. والمنظمات الصحية توصي بعدم المشي في الشمس، لئلا يتعرض الشخص لضربة شمس تخل بدماغه، حفاظًا على صحة الإنسان وعقله من حرارة الشمس الشديدة الملتهبة صيفًا. وأنظمة بلادنا – وفقها الله – تقوم على منع تشغيل العمال ميدانيًا إذا تجاوزت الحرارة درجات معينة، حفاظًا عليهم، وما تقوم به بلادنا خدمة للحجيج بوضع ملطفات للأجواء في المشاعر حفاظًا على صحتهم وسلامتهم. فعلي المسلم اتباع التعليمات الصادرة من وزارة الصحة بشأن التعليمات الخاصة بالوقاية من ضربات الشمس، لأن حفظ النفس من الضروريات الخمس التي جاءت بها شريعة الإسلام.  اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ.  
المرفقات

1656661140_قصة الذبيح.docx

1656661150_قصة الذبيح.pdf

المشاهدات 333 | التعليقات 0