وما يعلم جنود ربك إلا هو (ومنها الزلازل والأعاصير وغيرها

عايد القزلان التميمي
1445/02/30 - 2023/09/15 07:28AM
  الحمد لله اللطيف بعباده فلا يكون أمر يقضيه عليهم إلا دائر بين عدله و حكمته. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ (وَهُوَ الْقَتْلُ))) صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله،
واعلموا أن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم فيما يقضيه ويقدره، كما أنه حكيم عليم فيما شرعه وأمر به، وهو سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء من الآيات، ويقدرها تخويفا لعباده كما قال الله سبحانه وتعالى: (( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا )) وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الخسوف والكسوف (( ولكن الله يخوف بهما عباده))
عباد الله ولا شك أن  الآيات والحوادِث والكوارثِ والنّذُر والأعاصير والأمراض أنها جنودٌ من جنود الله في البرّ والبحر والجو،  وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ  
وهي كذلك من جملة الآيات التي يخوف الله بها  سبحانه وتعالى عباده. أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ   أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ   أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ  [
عباد الله وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل والأعاصير والفيضانات والبراكين وغيرها مما يضر العباد ويسبب لهم أنواعاً من الأذى، كله بأسباب الشرك والمعاصي، كما قال الله تعالى عن الأمم الماضية: (( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ))
عباد الله كل ما يصيب الإنسان من نقمة الله وعذابه هو بما كسبت يداه، وهذا أمر مقرّر في كتاب الله وسنة نبيه  صلى الله عليه وسلم ، ولكننا نغفل عن هذه الحقيقة المهمة، فمن الناس من ينظر إلى هذه الكوارث على أنها مظاهر طبيعية لا يربطها بالخالق وتدبيره وتصريفه للأمور، ولا يربطها بأعمال الناس وكسبهم، وهذا أمر خطير لأنه بهذا القول ينظر إلى الطبيعة كأنها فاعل مستقل عن الله سبحانه، وهذا غير صحيح،
فالله هو الذي يقلب الليل والنهار، وهو الذي يرسل الرياح، وهو الذي ينزل المطر، وهو الذي يصرف الأمور كيف شاء سبحانه،
عباد الله  وقد جاء في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألُك خيرَها وخيرَ ما فِيها وخيْرَ ما أُرْسِلَتْ به، وأعوذُ بك من شرِّها وشرِّ ما فِيها وشرِّ ما أُرسِلَتْ به" .. وإذا تخيلت السماء تغيَّر لونُه  صلى الله عليه وسلم وخرجَ ودخل وأقْبلَ وأدْبر، فإذا مُطرَت سُرِّي عنْه، فسألته عائشة -رضي الله عنها- فقال: "لعله ياعائشة كما قال قوم عاد: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) .. الآيات. واقرأوا إن شئتم: (... وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [
عباد الله وليس الخوف والحذر قاصراً على أهل الموبقات والمجاهرين وأهل الكبائر . فقد حدثت نوازل في عهد السلف وحلَّت كوارث في خير القرون .. فكان عام المجاعة ووقع الطاعون في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم- وفيهم المهاجرون والأنصار وأصحاب بدر وصفوة الأمة ..
واعلموا ـ يا عباد الله ـ أن عذاب الله إذا حلّ بقوم عمّهم، وما أصاب إخواننا المسلمين من الزلزال والأعاصير والفياضانات فمن كان منهم مؤمناً يصلي ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ويأتي بما أوجب الله عليه فهو شهيد بإذن الله كما قال صلى الله عليه وسلم  (( الشهداء خمسة، المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله))
عباد الله
وإن من السنن الكونية وقوع البلاء على المخلوقين اختباراً لهم, وتمحيصاً لذنوبهم , وتمييزاً بين الصادق والكاذب منهم قال الله تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
.وقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم (( إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرِضا، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ )). رواه الترمذي وحسّنه الألباني
عباد الله  وامتدادا للدور الإنساني للمملكة  أمر ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده  بنَجدةِ المنكوبِين في المغرب وليبيا وَذلك بتسْيِيرِ جِسْرٍ جَوِّيٍ لِتَقْدِيمِ مُسَاعَدَات صحية وغيرها لِتَخْفِيفِ آثَارِ ما أصابهم .
اللهم اجعل
إخواننا المسلمين في المغرب وليبيا وما حولها في ضمانِك وأمانِك وإحسانك يا أرحم الراحمين،
بارك الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه على قدرته القاهرة وحكمته الباهرة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرحم الصابرين عند الابتلاء، ويزيد الشاكرين للنعماء، ويلطف بالمؤمنين في القضاء، ولا يكون في ملكه إلا ما يشاء. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
 أما بعد: فيا أيها المسلمون، فإنّ نظرةَ المؤمن للكوارثِ والأحداثِ ومتغيِّرات الكون نظرته نظرةُ إيمان وتوحيدٍ وعبادة، تجمع بين التسليم بالأقدار والرضَا بالمقادير والأخذ بالأسباب، فكلُّ ما يجري بقدر الله وإرادته، ولا يخرُج شيء عن تقديره وتدبيره ومشيئته سبحانه وتعالى ، فالإيمان بالقضاء والقَدَر ركنٌ من أركانِ الإيمان، قال الله عزّ وجلّ: (( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا )) 
وفي صحيحِ مسلمٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم  قال: ((وإن أصابَك شيءٌ فلا تقُل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ الله وما شاء فعل)).
عباد الله  إنّ الله تعالى خالقُ كل شيءٍ وربُّه ومليكُه، وأنّه سبحانه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون في الوجودِ شيءٌ إلا بعِلمِه ومشيئته وقُدرته، لا يمتنِع عليه شيء، بل هو قادرٌ على كل شيء، ويعلَم سبحانه ما كان وما يكون، وقد قدَّر مقاديرَ الخلائق قبلَ أن يخلقهم، قدَّر آجالَهم وأرزاقهم وأعمالهم، وكتب ذلك، وكتَب ما يصيرون إليه من سعادةٍ وشَقاوة، والعِبادُ مأمورون بما أمرَهم الله به، منهيُّون عما نهاهم عنه. ونؤمن بوعدِ الله ووعيده، ولن يُصيبَ الإنسانَ إلاَّ ما كُتِب له، ((واعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليُخطِئك، وأنّ ما أخطأك لم يكن ليُصيبك)).  
عباد الله، تمسكوا بدينكم، وتعرّفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة .
ثم صلوا وسلموا على رسول الله ....
المرفقات

1694752072_وما يعلم جنود ربك إلا هو (ومنها الزلازل والأعاصير وغيرها ).docx

المشاهدات 1207 | التعليقات 0