وأي داء أدوى من البخل

مقبل المقبل
1443/11/04 - 2022/06/03 01:27AM

(وأيُّ داءٍ أدوى من البخل) 4/11/1443هـ

الحمدُ لله ربِّ العالمين، ذي الفضل العظيم، والخيرِ العميم، أحمدُه تعالى وأشكره، وأتوبُ إليه وأستغفره وهو الغفور الرحيم، وأشهدُ أن لا إلا اللهُ وحده لا شريك له الجوادُ الكريم، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدا عبدُالله ورسولُه الداعي إلى الصراط المستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما ..

أما بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، اتقوا الله ربَّكم تفوزوا بكل مطلوب وتنجوا من كل مرهوب:( واتقوا الله لعلكم تفلحون).

إخوةَ الإسلام:إن لله عطايا يُكرمُ بها من يشاءُ من عباده، ويحرمُها من يشاء، ومن حُرمَها فقد حُرمَ خيرا كثيرا، وأعظمُ هذه العطايا الأخلاقُ الكريمةُ النبيلةُ التي يحبُّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَها، ويقرّبهم إليه في مجلسِ الآخرة كما عند الترمذيِّ وغيرِه عن جابرٍ رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا).

عباد الله: ألا وإنَّ من المحرومين من هذا الفضلِ الواقعين في درك الأخلاق السيئةِ البخلاءَ، الذين يرضون بالدون، ويقعون في الهلكة وهم يعلمون، فالبخيلُ - الذي يَمنعُ ما يجبُ أو ينبغي عليه بذلُه - بعيدٌ عن الله تعالى، بعيدٌ عن خلقه، يستجلبُ بفعله عداوةَ أقربِ الناس إليه وهم أهلُه وولدُه وأقاربُه وجيرانُه وأصحابُه..فكم هدمَ البخلُ بالواجب من نفقةٍ وحقوقٍ بيوتاً وأسرا، وكم أورث من عداواتٍ، وخرَمَ من مروءات.. ويكفي البخلَ قبحا أنه أدوى الأدواء بوصف نبيِّنا صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري في الأدب المفردِ من حديث جابرٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (و أيُّ داءٍ أَدْوَى من البخلِ). وأن اللهَ تعالى لا يحبُّ صاحبَه؛ كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه عند الحاكم وغيره، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "فمَنْ الثلاثةُ الذين يُبغِضُهم اللهُ ؟". قال: ( المختالُ الفخورُ وأنتم تجدونه في كتابِ اللهِ المنَزِّلِ: ) إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور)، والبخيلُ المنَّانُ، والتاجرُ أو البائعُ الحلَّافُ) . وقد تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من البخل كما في حديث أنسِ بن مالك رضي الله عنه في الصحيحين، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ والبُخْلِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ(. وتجردَ النبي صلى الله عليه وسلم عن الاتصاف به لفرط قبحِه؛ فقال – بعدما أكثروا سؤالَه بعد حنين- كما في البخاري من حديث جبير بنِ مُطعمٍ رضي الله عنه:(لو كانَ لي عَدَدُ هذِه العِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بيْنَكُمْ، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلًا، ولَا كَذُوبًا، ولَا جَبَانًا). وكيف يكون بخيلا وهو أجودُ الناس بأبي هو وأمي صلواتُ ربي وسلامه عليه.

عباد الله: ويكفي البخلَ ذما وقبحا أن الملائكة تدعو على المتصف به؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا). ويكفيه ذما أن الفلاحَ مرهونٌ باجتنابه كما قال تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). والشحُّ هو البخلُ مع الحرص. وهو لا يجتمع مع الإيمان في قلب المسلم كما في حديث أبي أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يَـجْتَمِعُ شُحٌّ وإيمانٌ في قَلْبِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ). ومن قُبحِ البخلِ أنه صفةٌ من صفات اليهود كما قال جل في علاه: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا(.وصفةٌ من صفات المنافقين؛ كما قال جل وعلا (فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ(.

عباد الله: البخلُ عدوُّ الصلاح قَالَ حُبَيْشُ بْنُ مُبَشِّرٍ رحمه الله: "قعدت مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ رَجُلًا صَالِحًا بَخِيلًا" . ولما للبخلِ من أثرٍ في هدمِ الأسرة، وجلبِ التعاسة لها، قال بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَافِي رَحِمَهُ اللَّهُ: "لَا تُزَوِّجْ الْبَخِيلَ وَلَا تُعَامِلْه  ". انتهى.  بل هو سببٌ من أسباب الهلاك؛ كما في حديث جابر رضي الله عند مسلم، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (واتَّقُوا الشُّحَّ، فإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ علَى أنْ سَفَكُوا دِماءَهُمْ واسْتَحَلُّوا مَحارِمَهُمْ).

عباد الله: البخلُ شقاءٌ وتعاسةٌ وسوءُ ظنٍّ بالله تعالى؛ لأن من أحسنَ الظنَّ بربه أيقنَ أنه سيخلِفُ عليه أضعافا.. وأشدُّ درجات البخل: أنْ يبخل الإنسانُ على نفسِه مع الحاجة –كما قال ابن قدامةَ رحمه الله-: "فكم من بخيلٍ يُمسكُ المالَ، ويَمرضُ فلا يتداوى، ويشتهي الشهوةَ فيمنعُه منها البُخل. فكم بَيْنَ مَنْ يبخلُ على نفسه مع الحاجة، وبين مَنْ يُؤثرُ على نفسه مع الحاجة، فالأخلاقُ عطايا يضعُها الله عز وجل حيثُ يشاء". انتهى. فانبذوا البخلَ أيها الأسخياءُ، وجودوا بأموالكم على أنفسكم وأهليكم وأولادكم وأقاربِكم بلا إسراف فتلك صفةُ عبادِ الرحمن (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا). أسالُ الله أن يوفقنا لصالح الأعمال والأخلاق، وأن يصرفَ عنا سيئَها إنه جواد كريم .. أقول ما تسمعون ....

 الثانية:

الحمد لله رب العالمين ..

إخوة الإسلام: وإذا كان البخلُ بالمال مذموماً فكذلك البخلُ بصالح الأعمال، كالنفقة في سبيل الله، وهي من الجودِ بالمال، قال جل وعلا: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ). والبخلِ بالسلامِ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي يعلى وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأبخلُ النَّاسِ من بَخِلَ بالسَّلامِ). والبخلِ بالصلاةِ على سيدِ الأنامِ صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال كما عند الترمذيِّ وغيرِه من حديثِ الحسينِ رضي الله عنه: (البخيلُ من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ).

عباد الله: لا تبخلوا بحق الله عليكم من زكاة وصدقات ونفقات، بل كونوا أسخياءَ كراما، فإن السخيَّ – كما قال ابن القيم رحمه الله-: "قريبٌ من الله تعالى, ومن خلقه، ومن أهله، وقريبٌ من الجنة، وبعيد من النار، والبخيلُ بعيدٌ من خلقه، بعيدٌ من الجنة، قريب من النار، فجودُ الرجلِ يحبِّبُه إلى أضدادِه، وبخلُه يبغِّضُه إلى أولاده". انتهى

أيها المبتلى بالبخل: جاهدْ نفسَك على التخلص من هذا الداء، قال طلحةُ بنُ عبيد الله رضي الله عنه: "إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاءُ؛ لكننا نتصبر". وادعُ الله أن ينقذَك من براثِنه، واحتسبْ الأجرَ في نفقتِك على نفسك وزوجك وولدك، وثقْ أن الله سيعطيك أضعافَ ما بذلت طاعةً له، واستجابة لأمره، وأن مالكَ سينفعُك إن بذلته لله في الدنيا وفي الآخرة، وأما مالُ البخيل فكما قال ابن المعتز:"إما لحادثٍ أو وارث".قال ابن مفلح رحمه الله: "عَجَبًا لِلْبَخِيلِ؛ الْمُتَعَجِّلِ لِلْفَقْرِ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَالْمُؤَخِّرِ لِلسَّعَةِ الَّتِي إيَّاهَا طَلَبَ، وَلَعَلَّهُ يَمُوتُ بَيْنَ هَرَبِهِ وَطَلَبِهِ، فَيَكُونُ عَيْشُهُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَحِسَابُهُ فِي الآخِرَةِ حِسَابَ الأغْنِيَاءِ، مَعَ أَنَّك لَمْ تَرَ بَخِيلاً إلاَّ غَيْرُهُ أَسْعَدُ بِمَالِهِ مِنْهُ؛ لأنَّهُ فِي الدُّنْيَا مُهْتَمٌّ بِجَمْعِهِ، وَفِي الآخِرَةِ آثِمٌ بِمَنْعِهِ، وَغَيْرُهُ آمِنٌ فِي الدُّنْيَا مِنْ هَمِّهِ، وَنَاجٍ فِي الآخِرَةِ مِنْ إثْمِهِ"(. انتهى.

أسأل الله أن يطهرنا من البخل وسيء الأخلاق .ز وأن يرزقنا السخاء والبذل والإنفاق إنه سميع مجيب .. هذا وصلوا ..  

 

المرفقات

1654219672_أدوى الأدواء البخل.docx

المشاهدات 1320 | التعليقات 1

بارك الله فيكم 

خطبة موفقة مباركة مسددة