{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}

د عبدالعزيز التويجري
1444/03/24 - 2022/10/20 14:42PM
الخطبة الأولى : {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}         25/3/1444هـ
الحمد لله العلي الأعلى ، خلق الأرض والسماوات العلى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أزكى البرية قلبا وأطهرهم نفسا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهديه اهتدى وسلم تسليما أما بعد : فالوصية لنا جميعا التمسك بتقوى الله جل جلاله  فتقوى الله ماجاورت قلب امرئ إلا وصل ..
قال جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لما توفي عبد الله بن أُبيّ بن سلول، أتى ابنه إلى رسول الله، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ «فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، قال جابر  وَكَانَ النَّبِيُّ r قد كَسَا العَبَّاس يَوْمَ بَدْرٍ قَمِيصَ عبدالله بن أبي، فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ r قَمِيصَهُ وألبسه عبدالله مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ» أخرجه البخاري.
فما ولدتْ أنثى ولا اشتملتْ على ** أجلَّ وأعلى منهُ قدراً وأجملِ
ولا ضمتِ الأقطارِ مثلَ ابنِ هاشمٍ  **  بحسنٍ وإحسانٍ ومجدٍ مؤثلِ
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}
يربينا الإسلام على المكافئة بالإحسان لمن أحسن ، وجازى الله من أحسن عمله أعلى مقامات الإحسان.. في الصحيحين قَالَ عليه الصلاة والسلام: " إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلاَمَهُ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا "
القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، ولا يسترق قلوب الأحرار بأعظم من المعروف والاحسان ..
أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلَوْبَهُمُ ... فَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إحْسَانُ
وَكُنَّ عَلَى الدَّهْرِ مِعْوَانًا لِذِي أَمَلٍ ... يَرْجُو ندَاكَ فَإِنَّ الحرَّ مِعْوَانُ
 الشهم يحفظ اليد والاحسان، فهما تبدلت الأيام وتغيرت السنون، والأنفس الأبية تعرف معنى الإحسان، ولا يمكن أن يكون الوفاء إلا في أقوام شرفاء عظماء أجلاء.. في صحيح البخاري عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ»
ليد كانت لـ مطعم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت وفاءً له ، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل مكة بجوار مطعم بن عدي بعد عودته من الطائف.
ولم يُسدِ أحدٌ من الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم  معروفًا إلا ويُكافِئُه عليه، قال  عليه الصلاة والسلام : «ما لأحدٍ عندنا يدٌ إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكرٍ فإن له عندنا يدًا يُكافِئُه الله بها يوم القيامة»؛ رواه الترمذي.
 ومجازاة الاحسان والوفاء يعظُم مع الوالدَيْن؛ فقد تعِبا لراحتك، وكدَحَ الوالدُ لعيشك، وحمَلَتك أمك كرهًا ووضعَتْك كرهًا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، والاحسان لهما بكل فعل جميل يريحما أو يدخل السرور عليهما من طيب الأفعال ومحاسن الأقوال ، ومراعاة شعورهما : {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
ومن جميل الوفاء وكريم الاحسان : الوفاءُ بين الزوجين؛ فقد جمعهما عقدٌ عظيم، قال سبحانه : {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}
والأيام دول، وحودث الزمان والاقدار تحول الغنيَ فقيراً، والعزيزَ ذليلاً، والقويَ ضعيفاً.. فقد تنزل بالزوج المحن والمصائب، فتتحول صحته إلى مرض، وغناه إلى فقر، وقوته إلى ضعف، وهنا يظهر معدن الزوجة الطيبة الوفية التي تقف إلى جوار زوجها في كل ضيق ومصيبة، ممتثلة قول ربها {وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} فتخفي عيوبه، وتستر ذنوبه، ولا تنسى أيام الغنى، وأيام القوة والصحة والسعة، مرددةً {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} عندها ينقلب الضيق إلى سعة والأزمات والمشكلات إلى لحظات طيبة ندية.
وفي المقابل فإن الكريم من الرجال يحفظ الود ولا ينسى المعروف .. لما نزلت بالنبي r الأحداث والمصائب وضيق الحال واسَته زوجته خديجة بنت خويلدٍ رضي الله عنها بمالها، وثبَّتَت فؤادَه، وصبرته في أحزانه وشدائده وكانت خيرَ زوجةٍ لزوجها في حياتها، فقابَل النبيُ صلى الله عليه وسلم  وفاءَها واحسانها بوفاءٍ أعظم منه، فكان في إحسانها يشكُرُها، وظلَّ بعد موتها يُكثِر ذكرها ويقول عنها: «إني رُزِقتُ حبَّها»؛ رواه مسلم.
وربما ذبح الشاة ثم يُقطِّعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، ويقول: «إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد».
بِكُلِّ قَولٍ كَريمٍ أَنتَ قائِلُهُ  **  تُحييِ القُلوبَ وَتُحيِ مَيِّتَ الهِمَمِ
 قال النووي  رحمه الله: "في هذا كله دليلٌ لحُسن العهد وحفظ الوُدّ، ورعاية حُرمة الصاحب والعشير في حياته وبعد وفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب".
وللصحاب وفاءٌ يتحقَّقُ بشكر أفعاله وحفظ سرِّه ووُدِّه، والثناء الحسن عليه، ومنع وصول الأذى إليه، وبذل الندى له ولأولاده، ومن صنع إليك معروفًا فكافِئْه عليه، فإن لم تجد ما تُكافِئُه فادعُ له فإنه من الوفاء.
      ما أحْسَن الوُدَّ إذا كانَ مَنْ     **   تَهواهُ يَجزي الوُدَّ بالـــــــوُدِّ
      وأقبحَ الوصْلَ إذا لَمْ يَكـــــــــنْ    **    يُوفي الذي يَهواه بالوَعدِ
 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية :الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد
أمَرُّ شيءٍ على الإنسان أن تُسْدِي الصنيعةَ ثم تتهم بأنك أسأت.. لما شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر أنه لا يحسن أن يصلي ،قال سعد: يزعمون اني لا أحسن الصلاة ولقد أدخلتهم الإسلام بسيفي، وعلمتهم الإسلام، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَيرني عَلَى الإِسْلاَمِ، خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ سَعْيِي .
نَيْلُ العُلاَ بسوى الإِحسانِ مُمْتَنِعُ  **  واللؤْمُ طَبْعٌ لمن في عِرْضِهِ طَبَعُ
وكم من ناصحٍ اتهم زوراً ، ورمي بالتصنيف لؤماً، ومنح حقاً ،.. لأنّ اللّؤم كلّه أصل واحد وإن تفرّقت فروعه، وجنس واحد وإن اختلفت صوره، فهو يظلم الضّعيف، ويظلم نفسه للقوىّ.
والبريء المظلوم: هو أشد الناس تجرعاً للمرارة. وانظر إلى موقف الصديقة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك، لتعلم مدى المرارة التي يتجرعها البريء المظلوم ..
يا ظالماً جار فيمن لا نصير له  **  إلا المهيمنُ لا تغترّ بالمهـــــلِ
غداً تموت ويقضي الله بينكما  **  بحكمه الحقّ لا بالزّيغ والميلِ
وأعظم اللؤم واقبحه نكران فضائل الخالق سبحانه وبحمده في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والصلام
 «مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ»
{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} لا يكون جزاء الإحسان إلا من جنسه، لا يرد الصنيعة إلا لئيم، وكثير من العباد لئام، كما قال ربنا سبحانه: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}  والاعتراف بالنعمة أول بوابة الشكر. 
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد
المرفقات

1666266125_{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}.pdf

1666266129_{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}.docx

المشاهدات 1640 | التعليقات 0