نِعمة الإخوة والأخوات

عايد القزلان التميمي
1445/07/12 - 2024/01/24 11:35AM
الحمد لله خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، وأوجب صلة الأرحام وأعظم في ذلك أجراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قاموا بالحق وكانوا به أحرى وعلى التابعين له بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } أما بعد فيا أيها المسلمون:
إنّ من نِعم الله علينا في الحياة الدنيا أن يكون للمرء إخوة أو أخوات أشقاء، أو غير أشقاء أو من أحد أبويه يُحبهم ويحبونه ، ويُسعدهم ويُسعِدونه، ويَصِلُهم ويَصِلُونَه.
عباد الله والأخُ أو الأختِ رَحِمٌ وصِلَة ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم (( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ (( رواه البخاري ومسلم،
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم )) الرَّحِمُ معلَّقةٌ بالعرشِ تقولُ : مَن وَصَلني وصلَه اللهُ ومَن قطعني قطعه اللهُ ((رواه البخاري ومسلم
عباد الله يحتاج الأخ إلى أخيه في أصعب المواقف ، فهذا موسى -عليه السلام- يحتاج للمعاون بعد الله -تعالى-، يعينه على تبليغ رسالة ربه، فيسأل ربه -عز وجل- أن يجعل له ومعه أخاه هارون وزيرا، قال الله سبحانه يُخبرنا عن موسى (( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى )) 
وفي آيات  أخرى قال الله عن موسى عليه السلام (( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُون ِ)  ((رِدْءًا) أي معيناً، فأجابه الله -تعالى ))-: (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا (( نقويك به ونؤيدك. فالأخ عضيد وسنيد بعد الله -تعالى-
والأخ هُوَ الْحِصْنُ لِأَخِيهِ وَالْـمَنَعَةُ، وَمَصْدَرُ الْعَوْنِ وَالْقُوَّةِ؛ قال الله عن يوسف عليه السلام (( وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ))
أيها المسلمون: الإخوان والأخوات نعمة كبيرة، ومنة جليلة من الله -عز وجل-، فتحتاج من يقدرها ويحوطها، ويحافظ عليها، وإذا أراد المرء أن يعرف قيمة هذه النعمة وقدرها، فلينظر إلى من كان له أخوة وأخوات ومن لا أخوة له، أو ينظر إلى أحوال من كان معه إخوة وأخوات ثم انصرفوا عنه بموت أو بسبب مشاكل الدنيا وتركوه وحيداً لا يقدر على شيء.
عِبَادَ اللَّـهِ: لَقَدْ بَيَّنَ لَنَا رَسُولُ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ الْأَخَ سَوَاءٌ كَانَ شَقِيقًا أَمْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، أَوْ كَانَ أَخًا مِنَ الرَّضَاعَةِ؛ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِالْإِحْسَانِ، وَالْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ، بَعْدَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ؛ قَالَ -صلى الله عليه وسلم )) وابدأ بمن تعولُ : أمَّكَ وأباكَ، فأختَكَ وأخاكَ، ثمَّ أدناكَ أدناكَ ، )) أخرجه النسائي وصححه الألباني.
إن أعظم قطيعة في الرحم بعد الوالدين قطيعة الإخوة والأخوات ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه  أنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: (( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ ))  بل جاء في الصحيحين الوعيد الشديد كما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ حتَّى إذا فَرَغَ منهمْ قامَتِ الرَّحِمُ، فقالَتْ: هذا مَقامُ العائِذِ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى، قالَ: فَذاكِ لَكِ. ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: (( فَهلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فأصَمَّهُمْ وأَعْمَى أبْصارَهُمْ، أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أمْ علَى قُلُوبٍ أقْفالُها))
عباد الله إن أغلب مشكلات القطيعة بين الإخوة والأخوات تكمن في تدخّل الزوجات أو الأزواج أو الأبناء والبنات، وإيغار صدور الإخوة على بعضهم البعض .  
  لذلك فاحذر أن تسمح لهم أو لغيرهم بالتدخُّل في تشكيل إطار علاقتك بإخوتك وأخواتك، فقد يدفعون بك نحو طريق القطيعة والبُعد، وهم يُشعِرونك أنهم أكثر إخلاصاً ومحبة لك، وخوفاً عليك. وإذا وافقتهم على ذلك فسترى المشهد نفسه يتكرر بين أبنائك، والقطيعة تدبُّ بينهم وأنت تتحسر عليهم، لأنه كما تَدِينُ تُدانُ، وكما تَزْرَعُ تَحْصُدُ. 
احفظ أخاك وسارع في مسرَّته ** حتى يرى منك في أعدائِه خبرُ
عباد الله وما أجمَلَ الأُخُوَّةَ في أَسْمَى معانيها، خلافٌ، ثم هدوءٌ، ثم سكونٌ، ثم اعتذارٌ، فتسامُحٌ فدعاءٌ فاستغفارٌ؛ (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله, خاتم الأنبياء وإمام المرسلين, اللهم صل وسلم وبارك على إمامنا وقدوتنا وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيا عباد الله  إنّ هذه الدنيا قصيرة فانية، وصفها الله بقوله: ﴿‌وَيَوْمَ ‌يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾.
فاستمتع بدنياك مع أهلك وإخوانك وأخواتك ورَحِمك، ودعك من نزغات الشياطين، فالدنيا  والله لا تستاهل ساعة هجر أو قطيعة مع إخوانك وأخواتك وأقاربك، وابتسامةً واحدة أو مكالمة أو رسالة تُلقِي فيها السَّلام على أخيك تَنْسِفُ جِبالاً من القطيعة بينكما، فَبَادِر أنت بالخطوة الأولى، واصفح واعفُ عن المخطئ منهم،
واعلموا أن الصلةَ بينَ الإخوان والأخوات مِنْ أعظمِ مراتبِ بِرِّ الوالدينَ، وقطيعتُهم مِنْ أشدِّ أنواعِ العقوقِ، لا تَدَعُوا للشيطانِ مَدخلًا للفُرقة والفتنة، ولا تسمعوا إلى الوُشاة والنمَّامِينَ، مَنْ وصَلَ رَحِمَهُ وأكرَم إخوانَه وأخواتِه سَعِدَ في دنياه، وبُورِكَ له في رِزقه، وعَظُمَ في الآخرةِ أَجرَهُ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة،
المرفقات

1706085350_نِعمة الإخوة والأخوات.docx

المشاهدات 1141 | التعليقات 0