مَخاوِف الإخلاصِ وخفايا الرياءِ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/02/03 - 2024/08/07 21:37PM

الحمدُ للهِ الذي اهتدَى برحمتهِ المهتدونَ، وضَلَّ بحكمتهِ الضالونَ، لا يُسألُ عما يفعلُ وهم يُسألونَ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَله، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ، وسلّمَ تسليماً كثيراً، أما بعدُ:

فإن عدوَ اللهِ الشيطانُ –أعاذنا اللهُ منه– قد نصبَ لنا العداوةَ بكلِطريقٍ، فقَدِرَ على أكثرِ الخلقِ، إلا طائفةً عجِزَ عنهم -جعلنا اللهُ منهم-، وقد اعترفَ الشيطانُ بعجزهِ عن تلكَ الطائفةِ القاهرةِ، حينما قالَ: فَبِعِزَّتِكَ لأغوينهم أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلِصِينَ. بالكسرِعلى القراءةِ الأخرَى.

إنهم المخْلِصونَ المخَلَّصونَ -بفضلِ اللهِ ورحمتهِ- من فتنةِ الشهواتِوالشبهاتِ: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ. على القراءةِ الأخرَى.

فللهِ ما أروعَ الإخلاصَ وأهلَه الذينَ شِعارُهم: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لا شَرِيكَ لَهُ}.

ألا إنما الإخلاصُ رافعٌ والرياءُ خافضٌ! ولذا نحتاجُ إلى مجاهدةٍكبيرةٍ ومستمرةٍ على تثبيتِ الإخلاصِ وطردِ الشركِ قبلَ العملِ وأثناءَه وبعدَه: [فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا].

ولتسمعُوا الآنَ شيئاً من حالِ التابعين رحمهمُ اللهُ في مجاهدتهِم وإخلاصهِم:

• دَخَلَ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ السوقَ ليَشْتَرِيَ ثَوْبًا، فَقَالَ رَجُلٌ لِصَاحِبِ الدكانِ: هَذَا ابْنُ مُحَيْرِيزٍ، فَأَحْسِنْ بَيْعَهُ، فَغَضِبَ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ وَخَرَجَ وَقَالَ: إِنَّا نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا، وَلَسْنَا نَشْتَرِي بِدِينِنَا().
• وكَانَ ‌أَيُّوبُ السُخْتِيانيُّ بمَجْلِسٍ، فَجَاءَتْهُ عَبْرَةٌ، فَجَعَلَ يَمْتَخِطُ ويَقُولُ: مَا أَشَدَّ ‌الزُّكَامَ!().
• وكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ، فَإِذَا دَخَلَ إِنْسَانٌ سَتَرَالْمُصْحَفَ().
• وقَالَ أَبُو التَّيَّاحِ: إِنْ كَانَ‌‌ الرَّجُلُ يَتَعَبَّدُ عِشْرِينَ سَنَةً وَمَا يَعْلَمُ بِهِ جَارُهُ().
أرأيتَ كيفَ أنهم يُخْفونَ حسناتِهم مثلَما يُخْفونَ سيئاتِهم، فلماذا كلُ هذا؟! والجوابُ: يُخْفونَ لأنهم يخافونَ أن تحبَطَ أعمالُهُم، فيكونونَمن الخاسرينَ: {قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي*فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.

إنهم يخافونَ أن يَقُولَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً().

أيُها المسلمونَ: ولأجلِ أن نوقنَ أن الإخلاصَ أعظمُ الأعمالِ شأنًا عندَ اللهِ، فلننظرْ كيفَ أن الشيطانَ يودُّ أن يُفسدَ إخلاصَ ابنِ آدمَ بكلِسبيلٍ، ولقد سلكَ عدوُّ اللهِ طُرقًا خفيةً ومخيفةً جدًا، وصفَها نبيُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنَّها أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ(). وبأنها عِنْدَهُ:أَخْوَفُ مِنَ المَسِيْحِ الدَّجَّالِ(). فطرُقُ إغواءِ الشيطانِ فيها صفتانِخطيرتانِ: أنها خفيةٌ وأنها مخيفةٌ.

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلى اللهُ وسلمَ على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:

فإليكمُ الآنَ سبعَ طرقٍ مخيفةٍ ومخفيةٍ جداً من مداخلِ الشيطانِ على الإنسانِ تقدحُ في إخلاصهِ:

1. من دخائلِ الشيطانِ على بعضِهم أن الشيطانَ قد يُغريهِ في الوقيعةِبأهلِ العلمِ، وهو يريدُ بذلكَ أن يتسلقَ على أكتافِهم، وربما تصنّعَالدعاءَ لهم؛ ليُظهِرَ الحرصَ عليهم، كأن يقولَ: فلانٌ غفرَ اللهُ لنا ولهُ قالَكذا وكذا، أو قالَ: دعُونا من غيبتهِ، وإنما مُرادهُ غيبتُهُ.
2. ربما تكلمَ بما يدلُ أنه يفعلُ بعضَ الطاعاتِ، كمن يقولُ: العبدُ إذا أكثرَتلاوةَ القرآنِ أصبحَ سهلاً عليهِ قيامُ الليلِ، ومرادُه أن يقولَ: إني أقومُالليلَ.
3. طأطأةُ الرأسِ عندَ الناسِ لمرورِ امرأةٍ مثلاً، وكانَ بإمكانهِ أن يغضَ ولو لم يطأطئْ رأسَه.
4. ربما أغرَى الشيطانُ الإنسانَ بأن يكونَ متبذلَ الثيابِ، متظاهراً بالتزهدِ والتواضعِ.
5. قد يُخفِي العبادةَ ظاهراً، لكنهُ يسعى إلى أن يَعلَمَها الناسُبأسلوبٍ خفيٍ دسَّهُ عليهِ الشيطانُ، كمَنْ يُسبِّحُ سراً، لكنه يَصْفِرُبحرفِ السينِ؛ ليَسمعوهُ.
6. (من دَقائقِ أبوابِ الرِّياءِ: أن الإنسانَ قد يذُمُّ نفسَهُ يين الناسِ؛ ليُرِيَهُمأَنهُ مُتواضعٌ عندَ نفسهِ، فيمدحُونَهُ بذلكَ)() فيخيِّلُ إليه الشيطانُ أنْقد نجَى من الرياءِ، وإنما سحبَهُ إلى الرياءِ على وجههِ، فكما لا تمدحُنفسَك أمامَ الناسِ؛ فكذلكَ لا تَسُبَّها أمامَهم أيضاً.
7. أن يبدأَ العملَ لوجهِ اللهِ تعالى، فإذا علمَ أن الناسَ مطلعونَ عليه زادَ في عملهِ، فربما أطالَ صلاتَه أكثرَ مما نوَى، أو تصدقَ بأكثرَ مما نوَى.
وبعدُ؛ فلا تستغربُوا هذهِ الخفايا في الرياءِ، فإن الأمرَ خطيرٌ جداً، والشيطانُ الرجيمُ يقتنصُ إفسادَ النوايا، ولذا قالَ ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ-: وَأَمَّا الشَّرَكُ فِي الْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ، فَذَلِكَ الْبَحْرُ الَّذِي لَا سَاحِلَ لَهُ، وَقَلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْهُ(). فاللَّهُمَّ أنجِنا من هذا البحرِ الفاسدِ وشاطئهِ الوَبِيْءِ.

ولكنْ: لِنَحذرْ من اتهامِ الناسِ في نواياهُم، ولننشغلْ عنهم بإصلاحِنوايانا، فليسَ لنا إلا الظاهرُ، واللهُ يتولى السرائرَ.

• فاللهم طَهِّرْ أَعْمَالَنا ‌مِنَ ‌الرِّيَاءِ، وَقُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ، وَصُدُورَنا مِنَ الْغِلِّ.
• اللهم إنا نعوذُ بكَ من عملٍ يُخزِينا ومن أملٍ يُلهِينا.
• ربَنا لا تجعلْنا فتنةً للقومِ الظالمينَ، وأصلحْ أحوالَنا وأحوالَ المسلمينَ.
• اللهم واستر عوراتِهم، وآمِنْ رَوعاتِهم.
• اللهم واحفظْ بلادَنا وجنودَنا وحدودَنا، واخلفهُمْ في أهلِيهِم بخيرٍ.
• اللهم وفقْ وسددْ إمامَنا خادمَ الحرمينِ الشرفينِ ووليَ عهدِه الأمينِ.
• اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1723055823_‎⁨مخاوف الإخلاص وخفايا الرياء⁩.docx

1723055823_‎⁨مخاوف الإخلاص وخفايا الرياء⁩.pdf

المشاهدات 682 | التعليقات 0