متى نصر الله؟

تركي بن عبدالله الميمان
1445/04/17 - 2023/11/01 18:55PM

متى نصر الله؟

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

 

إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِـــلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُــــمْ وَنَفْســِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ جَالِبَةُ الخَــيْرِ والبَرَكَةِ، وَدَافِعَةُ البَــلَاءِ وَالهَلَكَةِ! ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ﴾.

عِبَادَ اللهِ: مِنْ تَحْتِ أَنْقَاضِ اليَأْسِ والخِذْلانِ،ورُكَامِ الخَوْفِ وَالأَحْزَانِ؛ يَنْبَعِثُ هَذَا السُّؤَالُ المَكْرُوبُ: مَتَى نَصْرُ اللهِ؟ قال U: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْأَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَــــــلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُوَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُـــــولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ﴾.

قَالَ عَطَاءٌ: (لمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ وَأَصْحَابُهُ المَدِينَةَ، اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الضُّرُّ، لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِلَا مَالٍ، وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَأَظْهَرَالْيَهُودُ الْعَدَاوَةَ، وَأَسَرَّ قَوْمٌ النِّفَاقَ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَة؛ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ)().  

﴿مَتَى نَصْرُ اللهِِ﴾: لَيْسَ هَذَا سُؤَالَ شَكٍّ، بَلِ سُؤَالَ اسْتِبْطَاءٍ لِلْنَّصْرِ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ()؛فَيُجِيْبُهُمُ اللهُ -تعالى- وَيُبَشِّرُهُمْ: ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾().

وَنَصْرُ اللهِ لِدِيْنِهِ، قَادِمٌ لا مَحَالَة!() ﴿وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُون﴾. وَهَــذَا وَعْدُ اللهِ، وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ؛ قال ﷻ: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُـــلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ﴾، وفي الحَدِيْثِ: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ، مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ!)().

وَالمُؤْمِنُ المُتَفَائِلُ؛ يَقْرَأُ الأَحْدَاثَ عَلَى أَحْسَنِالوُجُوهِ؛ لأَنَّهُ يَثِقُ بِوَعْدِ اللهِ وَرَسُوْلِه! فَفِي غَزْوَةِالأَحْزَابِ، وَحِينَ اجْتَمَعَ الكُفَّارُ على المسلمين، وَزَاغَتِ الأَبْصَارُ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ،وابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ، وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا؛ قالَ المُنَافِقُونَ المُرْتَابُون: ﴿ما وَعَدَنَا اللهُوَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾. وقالَ المُؤْمِنُونَ الوَاثِقُون: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُوَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾().قال ابنُ كَثِير: (أَيْ: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُوَرَسُولُهُ مِنَ الِابْتِلَاءِ الَّذِي يَعْقُبُهُ النَّصْرُ،وَما زادَهُمْ ذَلِكَ الحَالُ وَالشِدَّة، إِلَّا إِيمانًا بِاللهِ، وانْقِيَادًا لِأَوَامِرِهِ)().

وَأَهْلُ اليَقِين: يَتَطَلَّعُــونَ إلى نَصْرِ اللهِ وَحْدَهُ، ولا يَتَعَلَّقُونَ بِنَصْرٍ يَأْتِي مِــــنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُم أَيْقَنُوا أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ الخَـالِقِ، فَقَطَعُوا رَجَاءَهُمْ مِنَ المَخْلُوقِين! ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الحَكِيمِ﴾.

وَيَتَأَخَّرُ النَّصْرُ، حِيْنًا مِنَ الدَّهْرِ؛ لِيَتَطَهَّرَ المُجْتَمَعُ المُسْلِمُ مِنْ خَبَثِ المُنَافِقِينَ وَالمُنْدَسِّينَ؛ لِتُغْرَسَ شَجْرَةُ النَّصْرِ عَلى أَرْضٍ طَيِّبَةٍ! ﴿مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾.  

وَسُنَّةُ اللهِ (الَّتِي لا تَتَغَيَّرُ وَلا تَتَبَدَّلُ): أَنَّ الاِنْتِصَارَ لا يَأْتِي إِلَّا بَعْدَ الاِصْطِبَارِ وَالاِخْتِبَارِ! وأَنَّ كُلَّ مَنْ قَامَ بِالحَقِّ؛ فَإِنَّهُيُمْتَحَنُ()؛  فَإِذَا صَابَرَ وَثَابَرَ: اِنْقَلَبَت المِحْنَةُ مِنْحَةً، وَالمَشَقَّةُ رَاحَــةً، وَالهَــزِيْمَةُ نَصْرًا وَتَمْكِيْنًا!() ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.

والنَّصْرُ السَّرِيْعُ (الَّذِي يَأْتِي بِلَا تَمْحِيصٍ وَلا امْتِحَانٍ)؛ يَأْتِي هَـــزِيلاً رَخِيصًا، وَيَزُولُ سَرِيعًا! وأَمَّا النَّصْرُ الحَقِيْقِيُّ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا الثَّابِتُونَ عَلَى الحَقِّ، والرَّاسِخُونَ في الصِّدْقِ! ﴿والمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾.    

وَلا يَتِمُّ النَّصْرُ الإِلَهِي، إِلَّا بِالتَّعَافِي مِنْ جِرَاحَاتِ المَعَاصِي! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾.

وَمِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ: الصَّبْرُ عَلَى العَقَبَاتِ، وَالتَّأَسِّي بِالقُدُوَاتِ! فَعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ t، قَالَ: (شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فقُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا! أَلاَ تَدْعُو اللهَ لَنَا!) فقَالَ ﷺ: (كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ!)().

قال ابنُ عَبَّاسٍ t: (أَخْــــبَرَ اللهُ المُؤْمِنِينَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ، ثم أَخْـــبَرَهُمْ أَنَّهُ فَعَلَ هَكَذَا بِأَنْبِيَائِهِ وَصَفْوَتِهِ؛ لِتَطَيبَ أَنْفُسُــهُمْ، فَقَـالَ: ﴿مَسّــَتْهُمُ الْبَأْسَــــاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا﴾)().

وَلَوْ كانَ النَّصْرُ سَهْلاً يَسِيْرًا؛ لآمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا!

قالَ هِرَقْلُ لأَبَي سُــفْيَانَ t -قَبْلَ أَنْ يُسْلِم-: (وَسَأَلْتُكَ -أي عن رسولِ ﷺ-: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ، فَتَكُونُ الحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا: يَنَالُ مِنْكُمْ، وَتَنَالُونَ مِنْهُ؛وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ العَاقِبَةُ!)().

قال ابنُ بَطَّال: (يَبْتَلِى اللهُ الأَنْبِيَاءَ؛لِيَعْظُمَ لَهُمُ الأَجْرَ وَالمَثُوْبَة؛ وَلَوْ أَرَادَ اللهُخَرْقَ العَادَةِ؛ لَأَهْلَكَ الكُفَّارَ كُلَّهُمْ بِغَيرِحَرْبٍ، وَجَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ مُتَّبِعِين، وَقَذَفَ في قُلُوْبِهمُ الإِيْمَانَ، وَلَكِنْأَجْرَى الأُمُورَ على العَادَةِ، بِحِكْمَةٍبَالِغَة!)() (وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الدُّنْيَا: دَارُابْتِلَاءٌ، وَمَا دُمْتَ فِي هَذِهِ الدَّارِ؛ فلَا تَسْتَغْرِبْ وُقُوعَ الأَكْدَارِ!)().

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

 

الحَمْـدُ للهِ عَلَى إِحْسَــانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْـهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

عِبَادَ اللهِ: بِقَدْرِ الشِّدَّةُ: يُنْزِلُ اللهُ مِنَ النَّصْرِمِثْلَهَا! () ومِنْ رَحِمِ المِحَن، تُوْلَدُ المِنَح! وَإنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَإِنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا! () وَحِينَ يَشْتَدُّ الكَرْبُ،ويَنْقَطِعُ الأَمَلُ مِنَ أَسْبَابِ الأَرْضِ، وَتَتَعَلَّقُ القُلُوْبُ بِعَلَّامِ الغُيوبِ؛ حِيْنَئِذٍ يَنْزِلُ الفَـــرَجُ مِنَ السَّمَاءِ، وَ﴿يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله﴾ بَعْدَاليَأْسِ مِنْ كُلِّ أَسْبَابِهِ الظَّاهِرَةِ! ﴿حَتَّى إِذَا اسْـــتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواجَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّبَأْسُنَا عَن الْقَوْمِ المُجْرِمِيْن﴾.

* * * *

* ​اللَّهُـــمَّ أَعِزَّ الإِسْــــــلامَ والمُسْـلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* ​اللَّهُمَّ فَـــرِّجْ هَمَّ المَهْمُـــوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

* ​اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَـــانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُــوْرِنَا، وَوَفّـِقْ وَلِيَّ أَمْـــرِنَا وَوَلِيَّ عَهْــــدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُـــذْ بِنَاصِيَـــتِهِمَا لِلْـــبِرِّ والتَّقْــــــوَى.

* ​عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* ​فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

* * * *

المرفقات

1698854117_متى نصر الله؟ (وورد)⁩.doc

1698854117_متى نصر الله؟ (للطباعة)⁩.pdf

1698854118_متى نصر الله؟ (للهاتف)⁩.pdf

1698854333_‎⁨متى نصر الله؟⁩ 2.docx

1698854334_‎⁨متى نصر الله؟⁩ 2.pdf

المشاهدات 2289 | التعليقات 0