ما أشدَّ حاجَتَنَا للدُّعَــــاءِ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/02/18 - 2024/08/22 13:11PM

الحَمْدُ للهِ كَمَا خَلَقْتَنَا وَرَزَقْتَنَا وَهَدَيْتَنَا، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُوْلُكَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِوَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، أمَّا بَعْدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوااللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اَلسِّلَاحَ هُوَ عَتَادُ اَلْأُمَمِ اَلَّذِي تُقَاتِلُ بِهِ أَعْدَاءَهَا. وَلَكِنْ ثَمَّةَ سِلَاحٌ قَوِيٌّ فَتَّاكٌ، لَا تَصْنَعُهُ مَصَانِعُ اَلْغَرْبِ ولَا اَلشَّرْقِ، إِنَّهُ سِلَاحٌ نَجَّى اَللَّهُ بِهِ نُوحًا -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- وَأَغْرَقَ قَوْمَهُ، وَنَجَّى اَللَّهُ بِهِ مُوسَى -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ-وَأَغْرَقَ بِهِ فِرْعَوْنَ. ذَلِكُمُ اَلسِّلَاحُ هُوَ اَلدُّعَاءُ. قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اَللَّهُ اَلَّذِي إِذَا أَصَابَكَ ضُرٌّ، فَدَعْوَتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ، وَإِنْ أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعْوَتَهُ أَنْبَتَهَا لَكَ، وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرَاءَ أَوْ فَلَاةٍ فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ فَدَعْوَتَهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ().

فَمَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا إِلَى اَلدُّعَاءِ، بَلْ مَا أَعْظَمَ ضَرُورَتَنَا إِلَيْهِ. وَلِهَذَا يَجْدُرُ بِكَ إِذَا وَجَدَتْ مِنْ نَفْسِكَ اِنْشِـرَاحًا لِلدُّعَاءِ فَاسْتَكْثَرَ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ -بِإِذْنِ اَللَّهِ- مُجَاب، لأَنَّ فَتْحَ أَبْوَابِ اَلرَّحْمَةِ دَلِيلٌ عَلَى إِجَابَةِ اَلدُّعَاءِ.

وَأَنْتَ تَطْرُقُ بَابَ كَرِيْمٍ لَا يُوَازِيْهِ أَحَدٌ بِالكَرَمِ، فَإِنَّ رَسُوْلَنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَ عَنْ رَبِهِ -سُبْحَانَهُ- فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا().

ثمَّ إنَّ الدَّاعِيَ رَابِحٌ في كُلَّ أَحْوَالِهِ، وثَمَرَةُ اَلدُّعَاءِ مَضْمُونَةٌ -بِإِذْنِ اَللَّهِ-: فَقَدْ قَالَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ ‌يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْيَصْـرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ().

فَلْتَدْعُ دَوْماً وَلْتُكثِرْ، ولا تَعْتَمِدْ عَلَى غَيْرِكَ فِي الدُّعَاءِ: فَبَعْضُنَا تَجِدُهُ كُلَّمَا لَقِيَ عَالِمًا أَوْ عَابِدَاً قَالَ لَهُ: اُدْعُ لِي!. فهذا -وَإِنْ كَانَ جَائِزًا- إِلَّا أَنَّهُ مَدْعَاةٌ لِلزُّهْدِ بِالدُّعَاءِ، كَمَا أَنَّهُ مَظِنَّةُ الْعُجْبِ فِي نَفْسِ الدَّاعِي، ومَهْمَا كُنْتَمُتَمَادِيًا بِالْمَعْصِيَةِ فَإِنَّ رَحْمَةَ اللهِ تَسَعُكَ.

وَلمَّا قَالَ رَجُلٌ لِلتَّابِعِيِّ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ أَنْ تَدْعُوَ لِيَ؛ فَأنَا مُضْطَرٌّ. قَالَ: إذَاً فَاسْأَلْهُ؛ فَإِنَّهُ يُجِيْبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ.

وبَعْضُنا عِنْدَهُ قِلَّةُ يَقِينٍ مِنْ إجَابَةِ الدُّعَاءِ: فَإِذَا أُصِيبَ بِمَرَضٍ عُضَالٍفَتَجِدُهُ يَضْعُفُ عَنِ الدُّعَاءِ والرُّقْيَةِ!.

فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ! أَمَا عِلْمَ أُولَئِكَ إنْ الَّذِي كَتَبَ الضُّـرَّ قَادِرٌ عَلَى كَشْفِهِ أوْ تَخْفِيْفِهِ؟! أَوْ يَرْزُقُهُ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ وَالرِّضَا مَا لَا يَجِدُهُ لَوْ كَانَ سَلِيمًا مُعَافًى؟

وَكَذَلِكَ الْحَالُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُبْتَلَى بتَأَخُّرِ الْإنْجَابِ، فَقَدْ يَرْغَبُ عَنْ سُؤَالِهِ رَبَّهُ؛ بِحُجَّةِ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ كُتِبَ وَقُدِّرَ!

فَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ مِنْ مُسْلِمٍ؛ فَكَيْفَ تَيْأَسُ وَهَذَا زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يَيْأَسْ بَلْ دَعَا ودَعَا، فَجَاءَتْه الْبُشْرَى: [أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى].

وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي شَأْنِ بَعْضِ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ الَّذِينَ قَدْ يَقُولُ قائِلُهُمْ: أَنَا يَئِسَتُ مِنْ صَلَاحِ وَلَدِي! سُبْحَانَ اللَّه! أَتَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ؟ أَمْ تُحَجِّرُرَحْمَةَ اللَّهِ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ دُعَاءَ الْوَالِدِ مُسْتَجَابٌ، وَأنَّ الدَّعْوَةَ الصَّالِحَةَ قَدْ تُدْرِكُهُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، إمَّا فِي حَيَاتِك، أَوْ بَعْدَ مَمَاتِكَ.

ومِمَّا يَغْفَلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَّا: أَنَّهُمْ لَا يَلْجَؤُوْنَ إِلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ إِلَّا إِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ عَظَائِمُ الْأُمُورِ. أَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا يَسْأَلُونَهُ؛ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ أَمْرٌ حَقِيْرٌلَا دَاعِيَ لِسُؤَالِ اللهِ مِنْ أَجَلِهِ. وَهَذَا خَطَأٌ؛ وَقَدْ صحَّ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيْءٍ ‌حَتَّى ‌الشِّسْعَ، فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِنْ لَمْ يُيَسّـِرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ().

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وسَمِعَ اللَّهُ ‌لِمَنْ ‌دَعَا، ولَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مَرْمَى، أمَّا بَعْدُ:

فَمِنْ أَرَادَ اَلِاسْتِكْثَارُ منَ اَلْحَسَنَاتِ فَلْيَقُلْ: اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ مِنْ اَلْحَسَنَاتِ مَا لَا يُحِيطُ بِهِ حَصْـرٌ، وَلَا يَتَصَوَّرُهُ فِكْرٌ. قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِنْ اِسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، كَتَبَ اَللَّهُ لَهُ بِكُلٍّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةِ حَسَنَةٍ().

لَكِنْ مَنْ دَعَا فَلَيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ ثُمَّ يُثَنِّيْ بِغَيْرِهِ. فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ‌بَدَأَ ‌بِنَفْسِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ومِنْ مَوَاضِع الدُّعَاءِ المُسْتَجَابَةِ التِيْ يَجْهَلُهَا الأَكْثَرُوْنَ: الدُّعَاءُ عِنْدَ الْمَرِيضِ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِذَا حَضَـرْتُمُ الْمَرِيضَ فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ.

وَمِنَ الأَدْعِيَةِ الخَاطِئَةِ قَولُ: اللَّهُمَّ إنِّي لَا أَسْأَلُكَ رَدَّ الْقَضَاءِ، وَلَكِنْ أَسْأَلُكَ اللُّطْفَ فِيهِ: فَهَذَا الدُّعَاءُ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَنَا أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ رَدَّ الْقَضَاءِ، وَكَمَا فِي الدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ: وَقِنِيْ شَرَّ مَا قَضَيْتَ..

فاللَّهُمَّ أَنْتَ أَحَقُّ مَنْ ذُكِرَ، وَأَحَقُّ مَنْ دُعِيَ، وأجودُ من سُئلَ، وأوسعُ مَنْ أَعْطَى. اللهم إنَا نَسْأَلُكَ رَدَّ شَرِّ مَا قَضَيْتَ.

اللهم طهّرْ سرائرَنا، وأحسِنْ مَصائرَنا، وطيبْ أقواتَنا، ووفقْوُلاتَنا، واحفظْ حُمَاتَنَا، وارحمْ أمواتَنا، واجمعْ على الهُدَى شؤونَنا، واقضِ اللهم ديونَنا.

اللهم وفقْنا للصالحاتِ قبلَ المماتِ، وأرشدنا إلى استدراكِالهفواتِ، من قبلِ الفواتِ، وهبْ لنا في الدنيا لذةَ المناجاةِ، وفي الآخرةِ سرورَ المَنْجَاةِ.

اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

 

المرفقات

1724321467_‎⁨ما أشد حاجتنا للدعاء⁩.pdf

1724321467_‎⁨ما أشد حاجتنا للدعاء⁩.doc

المشاهدات 767 | التعليقات 0