لص الكسل!
تركي بن عبدالله الميمان
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حِيْثُمَا كُنْتُم، وأَتْبِعُوا السيَّئةَ الحَسَنَةَتَمْحُهَا، وخَالِقُوا الناسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ، ﴿وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ مَرَضٌ قَلْبِي، وَشَلَلٌ نَفْسِي، وقَيْدٌ مَعْنَوِي، وَهُوَقَرِيْنُ الفَشَلِ، وَمُثَبِّطُ العَزِيْمَةِ والعَمَلِ؛ إِنَّهُ دَاءُ الكَسَل!
والعَجْزُ وَالكَسَلُ قَرِينَان؛ فَإِنْ تَخَلَّفَ العَبدُ عَنِ الخَيرِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ؛ فَهُوَ (العَجزُ)، وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ إِرَادَتِهِ؛ فَهُوَ (الكَسَلُ)؛ وَمِنْ دُعَاءِ النبيِّ ﷺ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ).
ولِكُلِّ شَيءٍ آفَة، وَآفَةُ العِبَادَةِ الكَسَل. وحُبُّ الكَسَلِ والرَّاحَةِ، يُوْرِثُ الحَسْرَةَ وَالنَّدَامَة، والكَسْلَانُ مُعَرَّضٌ للحِرْمَان! فَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ ﷺ قَوْمًا يَتَأَخَّرُونَ في المسجد؛ فقال: (لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ؛ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ الله). قال ابنُ عثيمين: (يُخْشَى على الإِنسَانِ، إذا عَوَّدَ نَفْسَهُ التَأَخُّرَ في العِبَادَةِ؛ أَنْ يُؤَخِّرَهُاللهُ في جَمِيعِ مَوَاطِنِ الخَير!).
ومِنْ آفَاتِ الكَسَل: ضَيَاعُ الأَوقَاتِ، وإِهدَارُ الطَّاقَاتِ، والاِشْتِغَالُبِالتَّفَاهَات!
قال ابنُ الجوزي: (وَاحْذَرْ مِنْ لِصِّ الكَسَلِ؛ فَإِنَّهُ مُحتَالٌ على سَرِقَةِ الزَّمَان، وَاعْلَمْ أَنَّكَ في مَيدَانِ سِبَاق، والأوقاتُتُنْتَهَب؛ فَمَا فَاتَ مَنْ فاتَ إِلَّا بِالكَسَل، ولا نَال مَنْ نَالَإِلَّا بِالجِدِّ وَالعَزْم).
وأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الشَّيْطَان، مِنَ الإنسانِ الكَسْلَانِ؛ حِينَ يَغْفَلُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَن! قال ﷺ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ، عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ؛فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ: انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ: انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى: انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ؛ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ،وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ!). قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (في هذا الحدِيثِ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يُنَوِّمُ المَرْءَ، وَيَزِيدُهُ ثِقَلًا وَكَسَلًا).يقول ابنُ عثيمين: (لَوْ قَارَنْتَ بَينَ الصَّلَوَاتِ النَّهَارِيَّةِ،وَصَلَاةِ الفَجْرِ؛ لَرَأَيْتَ فَرْقًا بيِّنًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَلْحَقُهُمُالكَسَلُ في صَلَاةِ الفَجْر).
ولَو لَمْ يَكُنْ لِلْكَسَلِ مِنْ مَذَمَّة؛ إِلَّا أَنَّهُ تَشَبُّهٌ بالمُنَافِقِيْنَ؛لَكَفَى بِذَلِكَ زَاجِرًا؛ قال U: ﴿إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَوَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾.
والكَسَلُ عن أَدَاءِ الفَرِيْضَة، عَاقِبَتُهُ وَخِيْمَة! فَقَدْ أَخْبَرَ نَبِيُّنَا ﷺ عن أَحْوَالِ البَرْزَخِ، وَرَأَى مِنَ المَشَاهِدِ المُرْعِبَةِ، ما تَقْشَعِرُّ مِنْهُالأَبْدَان! وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَكْسِرُ رَأْسَهُ بِالحَجَر، ثَمَّيَتَدَحْرَجُ الحَجَرُ، فَيَأْخُذهُ مَرَّةً أُخْرَى، ثُمَّ يَعُودُ رَأْسُهُ كَمَا كان، فَيَفْعَلُ بِه كما فَعَلَ المرَّةَ الأُولَى! فَسَألَ النَبِيُّ ﷺ جِبْرِيلَ u عن ذلك؛فقال: (إِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ!). قال العلماء: (جُعِلَتِ العُقُوْبَةُ في رَأْسِهِ؛ لِنَوْمِهِعَنِ الصَّلَاةِ، والنَّوْمُ مَوْضِعُهُ الرَّأْس).
ومَنْ لم يَعْرِفْ ثَوَابَ الأَعْمَال؛ ثَقُلَتْ عَلَيهِ في جَمِيعِ الأَحوَالِ، ومَنْ تَخَيَّلَ الأَجْر؛ خَفَّ علَيه العَمَل، وزالَ عنه الكَسَل. قال ﷺ: (لَيْسَ صَلاَةٌ أَثقَلَ على المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجرِ والعِشَاءِ، ولَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا؛ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبْوًا!).
ومِنْ أَدْوِيَةِ الكَسَل: تَرْكُ التَّسْوِيف؛ فَإِنَّهُ أَكْبَرُ جُنُوْدِ إِبليس! قال ﷺ: (العَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الأَمَانِي).
وَمِنْ عِلاجِ الكَسَل: أَنْ تَصْحَبَ مَنْ هُوَ أَنْشَطُ مِنْكَ، فَإِنَّ الكَسُولَيُعْدِي صَاحِبَه!
قال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾. والمَعْنَى: أَنَّهُ يَتَبَاطَأُ في نَفْسِه، ويُبَطِّئُ غيرَه، ويُثَبِّطُهُ عن الخَير. قال ابنُ الجَوْزِي: (ما رَأَيْتُ أَكْثَرَ أَذَىً لِلْمُؤْمِنِ مِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ لا يَصْلُح، فَإِنَّالطَّبْعَ يَسْرِقُ؛ فَإِنْ لم يَتَشَبَّهْ بِهِم؛ فَتَرَ عن عَمَلِهِ، وإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ المُخَالَطَةُ لِلْأَرفَعِ في العِلمِوالعَمَل؛ لِيُسْتَفَادَ مِنْه) .
لا تَصْحَبِ الكَسْلانَ فِي حَالاتِهِ
كَمْ صَالِحٍ بِفَسَادِ آخَرَ يَفْسُدُ
عَدْوَى البَلِيدِ إلَى الجَلِيدِ سَرِيعَةٌ
كَالجَمْرِ يُوضَعُ فِي الرَّمَادِ فَيَخْمُدُ
والنَّفْسُ جَاهِلَةٌ ظَالِمَة، طَبْعُهَا الكَسَلُ والمَهَانَة، وَإِيثَارُ البَطَالَة؛ فلا تستقيم إِلَّا بالجِدِّ والصَّرَامَة! قال ﷺ: (اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ،وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجِز).
ومِمَّا يَدْفَعُ الكَسَل: القِرَاءَةُ في سِيَرِ الصَّالِحِيْن. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَهْدِي: (لَوْ قِيْلَ لِحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: إِنَّكَ تَمُوْتُ غَدًا؛ مَا قَدِرَ أَنْيَزِيْدَ فِي العَمَلِ شَيْئًا!). قال الذَّهَبِيُّ: (كَانَتْ أَوْقَاتُهُ مَعْمُوْرَةً بِالتَّعَبُّدِ والأَورَاد).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لاإِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اسْتِحْضَارَ الأَجَلِ، يَنْفُضُ غُبَارَ الكَسَل، ويَبْعَثُ على النَّشَاطِ والعَمَل! وَلِذَا حَثَّ النَبِيُّ ﷺ على اسْتِحْضَارِ الموتِ؛ لِئَلَّا نَكْسَل! فَفِي الحديث: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادمِ اللَّذَّاتِ) . قال الحَسَن: (مَا أَكْثَرَ عَبْدٌ ذِكْرَ المَوْتِ؛ إِلَّا رَأَى ذَلِكَ فِي عَمَلِه).
والمُؤْمِنُ العَاقِلُ: جَادٌّ مُتَفَائِل؛ فَهُوَ يُحَدِّدُ هَدَفَه، وَيُخَطِّطُ لِوَقْتِه، ويَعْمَلُ لِدُنْيَاه، ويَسْتَعِدُّ لِآخِرَتِه؛ ليسَ عِندَهُ فرَاغٌ أو مَلَل، ولَا إِحبَاطٌ أو كَسَل، وشِعَارُهُ في الحَيَاة: ﴿إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا* فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾.
*******
* اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ وَالبُخْلِ، وغَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَال.
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ (وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
المرفقات
1716975455_!لِصُّ الكَسَل.pdf
1716975455_لص الكسل! (نسخة للطباعة).pdf
1716975456_!لِصُّ الكَسَل.docx
1716975456_لص الكسل! (نسخة للطباعة).docx
1716975456_لص الكسل! (نسخة مختصرة).docx