لا يزال عليك من الله حافظ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله عدد خلقه، ورِضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، وأُصلي وأُسلم على الرحمة المهداة نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين./

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فهي سبب عظيم لتنفيس الكَرْب، وتفريج الهمّ، وبسط الأرزاق، وحلول الأمن ]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا[.

إخوة الإيمان والعقيدة .. يقول ربنا عز وجل ]لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[ فهذا الجبل مع غلظته وقساوته لو فَهِم هذا القرآن وتدبَّر معانيه لخشع وتصدَّع من خشية الله تعالى؛ لعظمة هذا القرآن الحكيم، وعلوِّ قدره ومنزلته وبيانه، فينبغي علينا أن تخشع له قلوبنا، وأن نتأثَّر عند سماعه، ونتدبر آياته وعبره ودلالاته ]كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ[.

إخوة الإيمان .. نقف وقفات يسيرة مع تدبر آية من كتاب الله، هي أعظم آية في القرآن العظيم، وكل القرآن عظيم، فما أعظم آية في القرآن؟ سأل النبي ﷺ هذا السؤال أُبَيَّ بنَ كعب t فقال (يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟) قال: قلت ]اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ[ فضرب صدري وقال (ليهنك العلم أبا المنذر).

فآية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله عز وجل، وقد اشتملت هذه الآية العظيمة على عشر جُمَل مستقلة، فقوله تعالى ]اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ[ هذا إخبار بأنه سبحانه المستحق وحده لفظ الإله، فله جميع معاني الألوهية، فلا تُصرف العبادة بأنواعها كلها إلا لله وحده؛ لأنه لا معبود بحقٍّ إلا الله تعالى.

وقوله ]الْحَيُّ الْقَيُّومُ[ هذان الاسمان لله جل وعلا، إنهما اسمُ الله الأعظم اللذين إذا دُعي الله بهما أجاب، وإذا سُئل بهما أعطى؛ لأنهما جامعان لكمال الأوصاف، ولكمال الأفعال، فالحي: هو الذي له جميع معاني الحياة الكاملة أزلًا وأبدًا، حياةٌ لم تُسبق بعدم، ولا يلحقها زوال. والقيوم: هو القائم بنفسه، لا يحتاج إلى أحد من خلقه، يُطعِم ولا يُطعَم، يَسقي ولا يُسقى، يَرزق ولا يُرزَق فلا يحتاج إلى معين، فجميع الموجودات مفتقرةٌ إليه، ولا قوام لها بدونه. ومن كمال حياته وقيُّوميته أنه تعالى ]لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ[ والسِّنَة: هي النعاس؛ مقدمة النوم؛ قال ﷺ (إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، ولكن يخفض القسط ويرفعه).

ثم قال عز وجل ]لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ[ فجميع ما في السماوات وما في الأرض عبيد لله تعالى، وملك له، وتحت قهره وسلطانه، فالله سبحانه له صفات الملك والتصرُّف والسلطان والكبرياء المطلق لا يُنازع فيها. ثم قال تعالى ]مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ[ وهذا من تمام ملكه وعظمته وجلاله وكبريائه، فلا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه جل وعلا، فكل الشُّفعاء والوجهاء عبيد لله تعالى، مماليك له، لا يُقدمون على شفاعة حتى يأذن لهم، حتى أعظم الناس جاهًا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام لا يشفع إلا بإذن الله، ولابد من رضاه جل وعلا عن الشافع والمشفوع له ]وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى[.

ثم أخبر سبحانه عن علمه الواسع المحيط بكل شيء فقال ]يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ[ فقوله ]مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ[ من الأمور المستقبلة ]وَمَا خَلْفَهُمْ[ أي: من الأمور الماضية، فهو سبحانه يعلم جميع الكائنات، ماضيها وحاضرها، ومستقبلها. يعلم ما كان، وما يكون، وما هو كائن كيف يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، فلا يحجزه زمانٌ ولا مكانٌ، فعلمه محيط بكل شيء.

ثم قال جل شأنه ]وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ[ أي: لا يطَّلِع أحد على شيء من علم الله تعالى إلا بما أعلمه الله عز وجل، وأطلعه عليه، فنحن لا نعلم شيئًا مما يعلمه الله تعالى، حتى فيما يتعلق بأنفسنا إلا بما شاء الله تعالى أن يُعْلِمنا إيَّاه.

ثم قال ]وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ[ وسع؛ أي: شمل وأحاط، والكرسي: هو موضع قدمي الرب عز وجل، وهو بين يدي العرش، كالمقدمة له،  قال ﷺ (ما السماوات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة في فلاة من الأرض، وإن فضل الكرسي على العرش كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة).

ثم قال ربُّنا ]وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا[ أي: لا يثقله ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما، وذلك لكمال عظمته وقدرته وقوته.

ثم قال في ختام الآية ]وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ[ فهو سبحانه العليُّ، ذو العلو المطلق، علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، وهو العظيم الذي لا شيء أعظم منه، فهو ذو العظمة في ذاته وسلطانه وصفاته.

لا إله إلا أنت سبحانك، إنا كنا ظالمين.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

معاشر المؤمنين .. من فضائل هذه الآية المباركة أن قراءتها قبل النوم من أسباب حفظ النائم؛ قال ﷺ (إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح) فينبغي أن تُقرأ قبل النوم، حتى يكون المسلم في نومه عليه من الله حافظ يحفظه ويحرسه حتى يصبح، ولا يقربه شيطان؛ ولذلك ينام نومًا بعيدًا عن الإزعاجات والمنغصات بسبب حفظ الله تعالى له بقراءة هذه الآية العظيمة، كما يُستحب قراءة هذه الآية أدبار الصلوات المكتوبة، قال ﷺ (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت).

وهذا يدل على أن السنة قراءة هذه الآية العظيمة، دبر كل صلاة، وقراءتها مع أذكار الصباح والمساء فهي حافظة بإذن الله من الشرور.

عباد الله .. ما أجمل أن نتدبر ونفهم معاني ما نقرأ من كتاب الله تعالى، خاصةً تلك السور والآيات التي نكررها؛ وقد نجهل بعض معانيها وحكمهما وأحكامها؛ فإن من تدبَّر هذه الآية العظيمة استقر في نفسه عظمة من خلقه تعالى وصوره، وأمره أن يعبده ويدعوه وحده جل وعلا، ولا يشرك به أحدًا، واستحى أن يعصي هذا الخالق العظيم ويخالف أمره ولو كان خاليًا، وطمع في فضله وإحسانه، فأكثر دعاءه لعلمه أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

وصلى الله على نبينا محمد ..

المرفقات

1730408933_وقفات مع آية الكرسي.pdf

1730408942_وقفات مع آية الكرسي.docx

المشاهدات 854 | التعليقات 0