«لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي»

د عبدالعزيز التويجري
1443/01/18 - 2021/08/26 10:28AM
الخطبة الاولى : «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي»             18/1/1443
الحمد لله العلي الأعلى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهديه اهتدى وسلم تسليما أما بعد :
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي مُوسَى t قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ r، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَالَ فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ، قَالَ «أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ» قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ».
الصحابة أمان للأمة ، وبقائهم صلاح للبشرية، فإذا ذهب الصحابة أتى على الناس مَا يوعدون .. ظُهُوراً للبدع، وَغَلَبَة للأهواء، وَاخْتِلَافًا في العقائد .
الصحابة حبهم والذب عنهم ديانة « لاَ يُحِبُّ الأَنْصَارَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» متفق عليه.
الصحابة بلغوا أعلى مراتب الرضى، الرضى الشامل الغامر، المتبادل الوافر، الوارد الصادر{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) رضا لم يبلغه جيل بشر، علامته (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
الصحابة خير من وطئ الثرى بعد الأنبياء « فَلَوْ أَنَّ أَحَدَاً أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ»
 لغبـارُ أقدام الصحابة في الـردى   **   أغلى وأعلى من جبـين الأبعــدِ
 من غيرهم شـهد المشاهد كلهــا    **   بـل من يشابهـهم بحُـسن تعبــــدِ
الصحابةُ الكرام .. وردوا الماء عذبًا زلالاً، أيدوا قواعد الإسلام فلم يدعوا لأحدٍ مقالاً، زكوا القلوب بالقرآن، وفتحوا القرى والمدائن بالسنان، هم أنصار الدين في مبتدئِه، وفرسان الجهاد في ذروة سنامه،  بذلوا المُهج والنفوس، وحصدوا من الكفار الرؤوس، رجال المغارم، وحماة المحارم .
لم يجعلوا همَّهم حشو البطونِ ولا   **    لبسُ الحريرِ ولا الإغراقِ في النعمِ
شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، حملوا الوحْيَين، وحضروا البيعتين.
بيضُ الوجوهِ ترى بطون أَكُفِّهِم  **  تندى إذا اعتذر الزمانُ الممحلُ
دَخَلَ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ r عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r، يَقُولُ: «إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ»، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ r، فَقَالَ: «وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ» أخرجه مسلم
هذه النخالة ظهرت مع شنشنة عمياء، أقزامُ زندقةٍ شمطاء، نعقت تسخرُ من الرموز الشماء، العمالقة الناصعة البيضاء ..
     وجدير إذا الليوث تولت    **    أن تلي ساحها جموع الثعالب
لا يضير السماء العواء، ولا أن تمتد لها يد شلاء..
صفاقة في وجوههم، رداءةٌ في اسلوبهم، بلاهةٌ في ردوهم، شناعة في منطقهم..
  صم ولو سمعوا، بكم ولو نطقوا   **    عميٌ ولو نظروا، بهتٌ ولو شهدوا
  كأنهم إذ ترى خشبٌ مسنــدةٌ    **     وتحسب الركب أيقاظاً وما رقدوا
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}.
 لزاماً مصادرةُ بضاعة التافهين، ووجوباً اخمادُ أصوات الزائغين ، كي لا يتوهم الاجيالُ أن الرفعة باتباعِهِم، والحضوةُ بمعرفتِهِم ، والمكانةُ حينما يتبوءُ شهرتَهم.
لاتهبط الأمم إلا حين يكون قواد مسيرتها الجهلاء ، ولا تنتكس فطر أجيالها إلا حين يتظاهر شواذها ..
 فتن دهماء تأخذ بتفكير الرعاع  ،  وتُحَيرُ عقول أولي الألباب ..
       فتن أشد من الظلام سوادها   **    تدع الحليم بأمره متحيرا
نعوذ بالله من الفتن ماظهر منها وما بطن
ونستغفر الله ونتوب إليه إنه كان للأوابين غفورا
الخطبة الثانية :الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد
الصحابة حملة الشريعة، ورواة السنة ، إجلالهم إجلال لميراث النبوة ..
عن أبي الزناد ، قال : كان العباس t إذا مر بعمر أو بعثمان ، وهما راكبان ، نزلا حتى يجاوزهما إجلالا له .
      أهابك إجلالاً وما بي رهبةُ   **   إليك ولكن في عُلاك تُسَجلُ
ترسيخ مبدأ اجلال الصحابة ومحبتهم والترضي عنهم عقيدة وايمان ، والتنقص منهم ولمزهم زندقة ونفاق {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .
يُنتقص من حملة الشريعة وورثة الانبياء عندما تكون الشهرةُ غايةً لكل همازٍ لمازٍ، فلا يبالى أن يرتقي لها ولو باع دينه وخلقه ومروءته ..
تَتَزعزعُ العقيدةُ عندما تغيب قامات الأمة عن الأذهان من لدن صحابة رسول الله r ورجالات الإسلام الكبار ..
  لزاما على مربي الأجيال والمعلمين والمعلمات والآباء والأمهات غرس مبدأ تعظيم الشريعة وحملة الشريعة وأنه قوام الدين وبه تحفظ بيضة الإسلام.
اللهم اهد قلوبنا واعمالنا، وطهر سرائرنا ، واستعملنا في طاعتك ، وجنبنا وذرياتنا الفتن ، واكفنا ياربنا شر الأشرار وشر طوارق الليل والنهار،
المرفقات

1629973688_«لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي».pdf

1629973692_«لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي».docx

المشاهدات 723 | التعليقات 0