كيف تكون عظيماً؟

شايع بن محمد الغبيشي
1445/06/15 - 2023/12/28 14:33PM

كيف تكون عظيماً؟

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ))

إخوة الإيمان نقف اليوم مع خبر عن رجل عظيم نلتمس منه الدرس والعبرة ذلكم هو عتبة بن غزوان رضي الله عنه أسلم سابع سبعة في الإسلام ، هاجر إلى الحبشة ، ثم شهد بدراً والمشاهد، وكان أحد الرماة المذكورين ، ومن أمراء الغزاة فتـح الأبُـلّـة بالشام، وهو الذي اختط البصرة وأنشأها، استخلف عتبة على البصرة أحد إخوانه وخرج حاجّاً، ولمّا قضى حجّه توجه الى المدينة، وحاول أن يعتذر عن الإمارة، ولكن لم يرضى عمر أن يعفيه عن الإمارة، أطاع عتبة أمير المؤمنين واستقبل راحلته ليركبها راجعاً الى البصرة، ولكن قبل ركوبها دعا ربه ضارعاً ألا يرُدَّه الى البصرة ولا إلى الإمارة، واستجيب دعاؤه فبينما هو في طريق عودته أدركه الموت، وفاضت روحه الى بارئها. عتبة بن غزوان رضي الله عنه له خطبة بليغة وصف فيها حاله مع النبي صلى الله عليه و سلم وحاله بعد فقال: ( قد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار ) ثم دعا بدعوة عجيبة فقال : ( وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا ) رواه مسلم

ولنا مع هذا الدعاء وقفات:

الوقفة الأولى: قاعدة عظيمة ينبغي أن يدركه السائر إلى ربه عز وجل وهي: متى كان العبد عظيماً عند الله كان عظيماً في السماوات وفي الأرض والدنيا والآخرة ومتى كان العبد صغيراً عند الله، كان صغيراً في السماوات وفي الأرض وفي الدنيا والآخرة. نعوذ بالله أن يكون الواحد منا عظيماً في نفسه صغيراً عند الله

الوقفة الثانية: متى يكون العبد عظيماً عند الله؟

يكون العبد عظيماً عند الله إذا كان من أهل الإيمان والطاعة ومن أبرز الطاعات التي تجعل العبد عظيماً عند الله:

أولاً: الإقبال على القرآن تلاوة وحفظاً وسماعاً وتدبراً، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ) رواه مسلم

والقرآن كلام الله، من عظّمه عظّمه الله قال حبان بن الأرت لرجل : تقرب إلى الله تعالى ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه قال ابن رجب :يعني القرآن لا شيء عند المحبين أحلي من كلام محبوبهم فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم قال عثمان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم ...[1] فينبغي لك يا عبد الله أن يكون لك ورد يومي من كتاب الله كلما زدت منه زادت منزلتك عند الله 

ثانياً: يكون العبد عظيماً عند الله ببر الوالدين وصلة الأرحام فقد قرن الله حقهما بحقه { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}

والواصل للرحم يصله الله ومن وصله الله كان عظيماً في الدنيا والآخرة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته " رواه البخاري .

ثالثاً: يكون العبد عظيماً عند الله بالمواظبة على الصلوات والإكثار من النوافل: عن ثوبان قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط بها عنك خطيئة ( رواه مسلم ومن أشرف الصلوات بعد الفريضة صلاة الليل و قال تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } وقال صلى الله عليه و سلم: ( واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل, وعزه استغناؤه عن الناس) رواه الحاكم وصححه الألباني

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمد عبده ورسوله أما بعد: إخوة الإيمان كيف يكون العبد عظيماً عند الله:

رابعاً: يكون العبد عظيماً عند الله بالحرص على الذكر والمداومة عليه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ...) رواه البخاري

فالذاكر لله يذكره الله ويثني عليه فيعظم عند الله عز وجل وعند خلقه ويسبق إلى أعالي الدرجات وأشرف المقامات، تأمل قول الإمام ابن القيم رحمه الله: الذكر يسير العبد وهو في فراشه وفي سوقه وفي حال صحته وسقمه وفي حال نعيمه ولذته وليس شيء يعم الأوقات والأحوال مثله حتى يسير العبد وهو نائم على فراشه فيسبق القائم مع الغفلة فيصبح هذا وقد قطع الركب وهو مستلق على فراشه ...وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. [2]

خامساً: يكون العبد عظيماً عند الله بطلب العلم والدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

يقول الإمام ابن القيم: فمن طلب العلم ليحيي به الإسلام فهو من الصديقين ودرجته بعد درجة النبوة[1] وقال سفيان بن عيينة: ارفع الناس منزلة عند الله من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء. [2] وهذا الفضيل بن عياض رحـمه الله يكشـف جـانب العظمة للعالم المعلم فيقول :( عالم عامل معلم يدعى كبيراً في ملكوت السموات ) رواه الترمذي

سادساً: يكون العبد عظيماً عند الله بالتواضع قال صلى الله عليه وسلم: (وما تواضع أحد لله إلَّا رفعه الله ) رواه مسلم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  ( ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملكٍ فإذا تواضع قيل للملك : ارفع حكمته وإذا تكبر قيل للملك: دع حكمته) رواه الطبراني وحسنه الألباني  .

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر  ***  على صفحات الماء وهو رفيع 
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه  ***  على طبقـــات الجو وهو وضيــع.

سابعاً: يكون العبد عظيماً عند الله بالافتقار إلى الله عز وجل هو أقرب طريق إلى الرفعة في الدنيا و الآخرة فما زاد العبد فقراً إلى الله و حاجة إلى الله و خشية و تقوى له إلا رفع الله و عظمه في الدنيا و الآخرة { يا أيها لناس أنت القراء إلى الله ...} قال ابن القيم رحمه الله: الفقر إِلى الله عز وجل هو عين الغنى به- فأَفقر الناس إِلى الله أَغناهم به، وأَذلهم له أَعزهم، وأَضعفهم بين يديه أَقواهم، وأَجهلهم عند نفسه أَعلمهم بالله وأَمقتهم لنفسه أَقربهم إِلى مرضاة الله ...[3]



 
 


[1] ـ جامع العلوم صـ 364
[2] ـ الوابل الصيب 72
[3] ـ طريق الهجرتين وباب السعادتين ص: 33

المرفقات

1703795180_كيف تكون عظيماً؟.docx

1703795216_كيف تكون عظيماً؟.docx

1703795220_كيف تكون عظيماً؟.pdf

المشاهدات 1276 | التعليقات 0