قولوا سمعنا وأطعنا

عايد القزلان التميمي
1444/05/01 - 2022/11/25 08:00AM
الحمد لله الذي شرَّف المؤمنين بطاعته ورفع رؤوسهم بحمل دينه والاستجابة لأمره ونهيه، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله .
أيها المؤمنون : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال (( لَمَّا نَزَلَتْ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ {لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284]، قالَ: فاشْتَدَّ ذلكَ علَى أصْحابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأتَوْا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا علَى الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رَسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِنَ الأعْمالِ ما نُطِيقُ، الصَّلاةَ والصِّيامَ والْجِهادَ والصَّدَقَةَ، وقدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِه الآيَةُ ولا نُطِيقُها، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولوا كما قالَ أهْلُ الكِتابَيْنِ مِن قَبْلِكُمْ سَمِعْنا وعَصَيْنا؟ بَلْ قُولوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ، قالوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَها القَوْمُ، ذَلَّتْ بها ألْسِنَتُهُمْ، فأنْزَلَ اللَّهُ في إثْرِها: {آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ وقالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ} [البقرة: 285]، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلكَ نَسَخَها اللَّهُ تَعالَى، فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} [البقرة: 286] قالَ: نَعَمْ {رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عليْنا إصْرًا كما حَمَلْتَهُ علَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا} قالَ: نَعَمْ {رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لنا بهِ} قالَ: نَعَمْ {واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لنا وارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فانْصُرْنا علَى القَوْمِ الكافِرِينَ} قالَ: نَعَمْ )). أخرجه مسلم وفي رواية أخرى قَدْ فَعَلْتُ " بدلاً من: " نَعَمْ " 
في هذا الحديث دليل على أن الصَّحابَةُ رَضيَ اللهُ عَنهم كانوا يُسارِعونَ في الاستِجابةِ لأوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ وأوامرِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ .
وقد أكرمَ اللهُ هذه الأمَّةَ بما لم يُكرِم به مَن قبلَها، وثَبَّتَ إيمانَ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم، وأحسَنَ إليهم، وأثنَى عليهم بقولِه: {آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إلَيْهِ من رَبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بيْنَ أحَدٍ من رُسُلِهِ وقالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ
رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ} [البقرة: 285].
وفي الحديثِ: أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى لا يُحمِّلُنا ما لا طاقةَ لنا به، ولا يُكلِّفُنا إلَّا ما نستطيع، وأنَّ الوَساوسَ الَّتي تَجُولُ في صُدورِنا إذا لم
 
نلتفت إليها، ولم نَطمئنَّ إليها، ولم نَأخُذْ بها -فإنَّها لا تَضُرُّ.
وفي الحديث : أنَّ اللهَ تَجاوَزَ عنِ الأمَّةِ ما حدَّثَت به أنفُسَها ما لم تتكلَّم أو تعمَل به
.
عباد الله  وهناك أمثلة أخرى رائعة تدل على امتثال الصحابة لمنهج السمع والطاعة: فعن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ "قَالَ فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ﴾
 وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا.
عباد الله ولَمَّا نَزَلَتْ قول الله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾  قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ فَقَالَ بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا وَأَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ قَالَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ)) متفق عليه
عباد الله واحذروا أن تكونوا مثل اليهود الذين ذمّهم الله في كتابه لمخالفتهم لمنهج السمع والطاعة حيث قالوا سمعنا وعصينا وكونوا ممن استجابوا لله ورسوله قال الله تعالى ((  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ))
و قال جل وعلا: (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) ويقول جل وعلا: (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ))
 ويقول جل وعلا: (( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) وقال صلى الله عليه وسلم (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى، قيل: يا رسول الله، مَن يأبى؟ قال: مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى،))
 فالمفلح مَن سمع وأطاع واستقام على الحق، هو الفائز بالسعادة في الدنيا والآخرة .
بارك الله لي ولكم ......
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فيا أيها المؤمنون : نريد أن نقف وقفة مع أنفسنا، وأن نعاهد الله سبحانه وتعالى على السمع والطاعة؛ على الانقياد والاستسلام، حتى نكون ممن بشرهم الله سبحانه وتعالى فقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} وقال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} جعلنا الله وإياكم من الفائزين السعداء، رفقاء الأنبياء والصديقين والشهداء.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....  
المرفقات

1669352410_قولوا سمعنا وأطعنا.docx

المشاهدات 1011 | التعليقات 0