"فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ" 20/ 11/ 1444ه
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى: "فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ" 20/ 11/1444ه
الحمدلله الولي الحميد يفعل مايشاء ويحكم مايريد ، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين أما بعد.
قال رينا عز وجل: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} هذه هي الأشهر عند الله بأسمائها وترتيبها وتفاضلها .. وخص الله منها أربعة أشهر بمزيد من التعظيم ، وبينها النبي r في حديث أبي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال خطب النَّبِيِّ r فقَالَ: " إن الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ " متفق عليه.
هذه الأشهر الحرم التي نحن في أول شهرٍ منها، يعظم تحريم الاعتداء فيها، وظلم النفس والناس، أو عمل المعاصي بها، وكلما كانت المجاهرة بها أظهر كان الخطر أشد، والخطب أدهى وأمر، وكلُّ أمة محمد صلى الله عليه وسلم معافى إلا المجاهرين.
المجاهرون قوم حرموا الستر في الدنيا والمعافاة في الآخرة .
عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقَيْنات} رواه: ابن ماجة والطبراني. والقينات هم المغنون والمغنيات.
الأمة التي تظهر فيها المنكرات وتفشو وتُعلن ، فلا تنكر أو تهجر تتعرض لهزات عظيمة لا يعلم مداها إلا الله، والمعصية إذا خفيت لا تضر إلا صاحبها، أما إذا أُعلن بها فإنها تضر العامة، وكل الأمة معافى إلا المجاهرين.
سألت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: {يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم، إذا كثر الخبث}
إذا تهاون الناس مع أهل المعاصي والمنكرات الفكرية والأخلاقية، ، وغشوها في مجامعهم أومتنزهاتهم وأسواقهم، فإن هذا سبب لفشوها ثم لا يزال الخَبَث ينتشر وتألفه النفوس، وتتربى عليه الأجيال، وحينئذ يحيق بالقوم أمر الله، صالحهم وطالحهم.
أنأمن أن يحل بنا انتقام ... وفينا يظهر الفسق والفجور
فشؤم المنكر إذا لم يجد إنكارا أو هجرا أو تحذيرا فإن عواقبه تعم، فإذا ما غلت الأسعار، فإنها لا تقتصر على الفاسقين، وإذا ما اضطرب الأمن فإنه لا يخص الطالحين، وإذا استباح العدو الحِمَى فإنه لا يستثني أحداً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ r يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ»
وفي حديث جرير: «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا، ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا، إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ» أخرجه أبو داود في سننه .
قال ابن العربي: والسكوت عن المنكر تتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من الظَّلَمَة على الخلق. فمن أنكر بلسانه فهو مؤمن، ومن أنكر بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل. (لايكلف الله نفسا إلا وسعها) (إن عليك إلا البلاغ)
وإن من أنجع وسائل محاربة الفساد وفشله هجران مواقعه وتجاهل دعاياته
هاجر إلى الله واحذر أن تخادعه فالله يرحم من يعصي ويدكر
لا تشهر الذنب لا تحضر نواديه فالله أغير والدنيا لها غير
قيل لـ ابن مسعود رضي الله عنه:[مَن ميت الأحياء؟ قال: الذي لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً].
ومن كان بذنبه عن الناس مستترا ، ولم يكن بالخطيئة مستخفا ، ولا هو لها محتقرا فحري أيُسلك في زمر المرحومين ، وأن يشمل بالعفوا من أرحم الراحمين . قال ابن عمر رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} أخرجه البخاري .
إن من أبشع صور المجاهرة أن تقام المعاصي على رؤس الأشهاد ، فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ .{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ}.
النُصح والنصيحةُ تبذلُ للولدِ والزوجةِ، والأخِ والقريبِ، والجارِ والصديق . «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».
"المؤمِنُ مرآةُ المؤمِنِ، والمؤمِنُ أخو المؤمن: يكُفُّ عليه ضَيْعَتَه، ويَحُوطُه مِن وَرائه" فمن لحظ على قريبٍ أو صديق تقصيرا في طاعة أو ضعفا في همة عمل طيب نافع للنفس والمجتمع فاليشد من أزره وليكن عونا له لا عليه . قال الخطابي: أن المؤمن يحكي لأخيه المؤمن جميع ما يراه منه، فإن كان حسنا، زيَّنه له ليزداد منه، وإن كان قبيحاً نبهه عليه لينتهي عنه، كما روي عن عمر رضي الله عنه: "رحم الله من أهدى الي عيوبي".
والمسلم الحصيف من يكن إيجابيا في محيطه بالمشاركة بعمل ينفع النفس أو المجتمع تذكيرا وتحفيزا للقاعدين وتشجيعا وتعزيزا للعاملين وتقويما وتوجيها للمتعثرين .«الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» متفق عليه.
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين ...
الخطبة الثانية ..الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعى وصلى الله وسلم على الرسول المجتبى وعلى أله وصحبه ومن اقتفى وسلم تسليما كثيرا أمّا بعد:.
من أراد الخير والتوفيق والحفظ والسداد فاليعظم حرمات الله {ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} وتعظيم حرمات الله وحدوده يكون بالقلوب والأعمال والابتعاد من حماها ، ومن أرتع قلبه وعينه فيها قادته للوقوع فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ )
إن تعظيم شعائر الله وحدوده سمة المتقين {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}
فعظموا شعائر ربكم واحفظوا بأنفسكم وانصحوا لمن حولكم واستوصوا برعاياكم ومن تحت أيديكم خيرا، (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)
فإن من حفظ الأمانة متابعة الأبناء والبنات بعد فراغهم من الامتحانات .. ومن النصح لهم وحفظهم والشفقة عليهم صحبتهم للمدرسة ذهابا وإيابا ، وتبدأ تخلخ الأخلاق وتساقط القيم عندما يتركون للأصدقاء والصاحبات، فاليوم ذهابُ للإفطار، وغدا دوران وملأ فراغ، وسوق قتل العفة يروج بين الجلسات المختلطه ، وسراق العقول يجوسون خلال المدارس والطرقات ، فلبوا احتياجهم ولا تحيجوهم لأحد و{اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }
اللهم استرنا بسترك واعفوا عنا بعفوك ولا تؤاخنا بما فعل السفهاء منا
الهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا ...........
المرفقات
1686222167_فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ.docx
1686222219_فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ.pdf