فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً
عايد القزلان التميمي
1444/10/07 - 2023/04/27 14:53PM
اَلْحَمْد لِلَّهِ اَلْقَائِلِ: { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ }
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَالَمَ اَلسِّرِّ وَأَخْفَى وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَحِم اَلْعِبَاد وَالْبَهَائِم وَأَوْلَانَا نِعَمَهُ اَلْعَظِيمَةَ وَنَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْد اَللَّهْ وَرَسُوله اَلرَّحْمَة اَلْمُهْدَاة عَلَيْهِ صَلَاةُ اَللَّهِ وَسَلَامه مَا اتَّبَعَ أَحَدٌ هُدَاه .
عِبَاد اَللَّهِ : تُزَوِّدُوا بِالتَّقْوَى ، فَإِنَّهَا زَاد أُولِي الْأَلْبَابِ وَالنُّهَى، ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)) ((وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ))
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ : يعْتَبِرُ فَصْلُ اَلرَّبِيعِ مِنْ أَجْمَل وَأَمْتَعِ فُصُولِ اَلسَّنَةِ حَيْثُ يَعْتَدِلُ فِيهِ اَلْجَوُّ ، وَتَهْطِلَ فيه اَلْأَمْطَارُ ، وَتُخْرِجُ اَلْأَرْضُ نَبَاتَهَا حَيْثُ تَخْضَرُّ اَلْأَرْضُ وَتُنْبِتُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ،
وَإِنَّنَا فِي هَذِهِ اَلْأَيَّام نَتَقَلَّبُ فِي نَعِمَ مِنْ اَللَّهِ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى سَمَاؤُنَا تُمْطِرُ ، وَأَرْضُنَا خضراء بالعشب والنبات، وفَتْحَ اَللَّهْ لَنَا أَبْوَابُ اَلسَّمَاءِ ، فَامْتَلَأَتْ اَلسُّدُودُ وَالْوُدْيَانُ وَالْآبَارُ وَارْتَوَتْ اَلْأَرْضُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
أَيُّهَا اَلنَّاسُ ، لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مَا حَصَلَ مِنْ اَلضَّرَرِ بِتَأَخُّرِ نُزُولِ اَلْأَمْطَارِ وَالْغَيْثِ فِي اَلْأَعْوَامِ اَلْمَاضِيَةِ ، فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا بِهَا تَهْتَزُّ وَيُنْبِتُ اَللَّهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اَلْمَوْلَى - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -
: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) ويقول سبحانه : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) ،
وقال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وقال تعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ).
وقال تعالى: (( وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ))
وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
وقال تعالى: (( وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ))
وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
عِبادَ الله
وقال سُبحانه ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ قَالَ اِبْن سِعْدِي رَحِمَهُ اَللَّهُ : هَذَا حَثٌّ مِنْهُ تَعَالَى ، وَتَرْغِيب فِي اَلنَّظَرِ بِآيَاتِهِ اَلدَّالَّاتِ عَلَى وِحْدَانِيِّتِهِ ، وَكَمَالِه فَقَالَ: (( أَلَمْ تَرَ }-(( أي: ألم تُشَاهِد بِبَصَرِك وَبَصِيرَتِك (( أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً )) وَهُوَ : اَلْمَطَرُ ، فَيَنْزِلُ عَلَى أَرْضٍ خَاشِعَةٍ مُجْدِبَةٍ ، قَدْ اِغْبَرَّتْ أَرْجَاؤُهَا ، وَيَبِسَ مَا فِيهَا ، مِنْ شَجَرٍ وَنَبَاتٍ ، فَتُصْبِحُ مُخْضَرَّةً قَدْ اِكْتَسَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ، وَصَارَ لَهَا بِذَلِكَ مَنْظَرٌ بَهِيج ، إِنَّ اَلَّذِي أَحْيَاهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَهُمُودِهَا لِمُحْيِي اَلْمَوْتَى بَعْدَ أَنْ كَانُوا رَمِيمًا
(( إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) ) اَللَّطِيف اَلَّذِي يُدْرِكُ بَوَاطِنَ اَلْأَشْيَاءِ ، وَخَفِيَّاتِهَا ، وَسَرَائِرِهَا ، وَمِنْ لُطْفِهِ سبحانه ، أَنَّهُ يَعْلَمُ مَوَاقِعَ اَلْقَطْرِ مِنْ اَلْأَرْضِ ، وَبُذُورَ اَلْأَرْضِ فِي بَاطِنِهَا ، فَيَسُوقُ ذَلِكَ اَلْمَاءِ إِلَى ذَلِكَ اَلْبَذْرِ ، اَلَّذِي خَفِيَ عَلَى عِلْمِ اَلْخَلَائِقِ فَيَنْبُتُ مِنْهُ أَنْوَاعَ اَلنَّبَاتِ ، { خَبِيرٌ } بسرائر الأمور، وخبايا الصدور، وخفايا الأمور. اتنهى كلامه رحمه الله .
فَتَفَكَّروا عِبَادَ اَللَّهِ فِي اِخْضِرَارِ اَلْأَرْضِ بِالْعُشْبِ وَالنَّبَاتِ (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) تَأَمَّلُوا فِي تَنَوُّعِ اَلنَّبَاتَاتِ ، وَأَشْكَالِها ، وَأَلْوَانِها ، وَبَدِيع صُنْعِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءِ خَلَقَه ، وَأَكْثِرُوا مِنْ شُكْرِهِ ، وَاحْمَدُوهُ كَثِيرًا ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ اَلشَّاكِرِينَ ، وَوَعَدَ بِالْمَزِيدِ مِنْ اَلنِّعَمِ عِنْدَ شُكْرِهَا وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم...
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمُبْدِئِ اَلْمُعِيدِ ، اَلَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ اَلسَّاعَةِ وَيَنْزِلُ اَلْغَيْثُ وَيَعْلَمُ مَا فِي اَلْأَرْحَامِ ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ صَلَوَاتِ رَبِّي وَسَلَامِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ
. أَمَّا بَعْد
فَيَا عِبَاد اَللَّهِ إِنَّ مِنْ تَدَبَّرَ اَلْآيَاتِ اَلَّتِي تَتَحَدَّثُ عَنْ اَلْغَيْثِ يَجِدُ أَنَّهَا فِي نِهَايَتِهَا تُذَكِّرُ بِإِحْيَاءِ اَللَّهِ لِلْمَوْتَى ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَةَ اَلْمَطَر دَلِيلٌ وَاضِح عَلَى قُدْرَة اللهِ سبحانه على بَعَثِ اَلْمَوْتَى ، قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
وقال الله: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وغيرها كثير في القرآن.
وذلك أنه إذا نُفِخ في الصور النفخةَ الأولى صَعِق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ويبقى الناس موتى ما شاء الله. وكلُّ شيء يَبْلَى من ابن آدم إلا عَجْبُ الذَّنَب ـ ففي صحيح مسلم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: (( كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ، إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ، وَفِيهِ يُرَكَّبُ )) .وهو آخر فقرة من فقرات الظهر ـ يبقى تحت الأرض مدفونًا، حتى إذا أراد الله إحياء الموتى أرسل سحابًا يمطر على الأرض أربعين صباحًا كماء الرجال، فَيَنْبُت الإنسان كما يَنْبُت الزرع، حتى يكتمل نموّه، فينفخ النفخة الثانية فترجع كل روحٍ إلى جسدها، ويقومون من قبورهم . فيقول الكفار والمنافقون حينئذٍ: (( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا )) ويقول المؤمنون (( هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ))
فاتقوا الله عباد الله، واغتنموا ساعات العمر فيما يُرْضِي الله عز وجل ، وأعدوا العدة ليوم العرض والحساب وقراءة الكتاب، وجواز الصراط، وإثقال الميزان فالساعة آتية لا ريب فيها لا تأتيكم إلا بغتة، ولا يجليها لوقتها إلا الله جل جلاله.
عباد الله، صلّوا وسلّموا على أفضل خلق الله محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
المرفقات
1682609013_فتصبح الأرض مخضرة.docx
تركي العتيبي
اجمل خطبة ومناسبة لهذه الايام
تعديل التعليق