فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ

د عبدالعزيز التويجري
1442/12/19 - 2021/07/29 10:47AM
الخطبة الأولى : فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ       20/12/1442ه               
الحمد لله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر  إنه غفور شكور،  وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إليه تصير الأمور ، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم وبرك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا..
 أما بعد ..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }.
هذه الحياة، مُدْبِرٌ مُقْبِلُها، ومائلٌ مُعْتَدِلُها، كثيرةٌ عللها، إن أضحكت بزخرفها قليلاً، فلقد أبكت بأكدارها طويلاً.. غلاء بأسعارها ، مخاوف بأخطارها ، مصائب بأمراضها .. {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}
 جلس فئةٌ تتسول ما في أيدي الآخرين،  وتلاوم قومٌ ينتظرون دوامًا مريحًا أو عملًا مرموقًا .. ولهؤلاء يقال لهم {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}
 قال نبي الله صلى الله عليه وسلم « كُنْتُ أرَعَى الغَنَمَ عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ» لم تكن دنانير أو ملايين بل قراريط بسيطه .و«مَا من نَبِيٍّ إِلَّا رَعَى الغَنَمَ» و«كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّارًا» أخرجه مسلم .
 ولما آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ، فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، ثم تزوج، حتى صار بعد ذلك من أثرياء المدينة ..
 وفي مسند الإمام حمد وغيره، قَالَ عَلِيٌّ t: " خَرَجْتُ أبتغي فَأَتَيْتُ حَائِطًا، فَقَالَ لي صاحبه: دَلْوٌ بِتَمْرَةٍ. قَالَ: فَدَلَّيْتُ حَتَّى مَلَأَتُ كَفِّي، ثُمَّ أَتَيْتُ الْمَاءَ فَاسْتَعْذَبْتُ - يَعْنِي: شَرِبْتُ - ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ r، فَأَطْعَمْتُهُ بَعْضَهُ، وَأَكَلْتُ أَنَا بَعْضَهُ "
وفي صحيح البخاري قَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ».
وكل عمل أو كسب إذا احتسبته فأنت مأجور «إنْك إن تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ» «وأفضل َدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ»
{ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ } هذا هو المعول السعي في ابتغاء الرزق ، وشكر الله، والاستعانة به على طاعته {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
وإذا فتح الله أبوابه فلا رادَّ لفضله، يصيب برحمته ما يشاء ، وهو الولي الحميد . يعطي لحكمة ، ويمنع لحكمة " يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر إنه بكل شي عليم .
    كَـــــمْ مِنْ قَوِيٍّ قَوِيٌّ فِي تَقَلُّبِـــــــــــهِ    **   مُهَذَّبِ الرَّأْيِ عَنْهُ الرِّزْقُ يَنْحَرِفُ
   وَمِنْ ضَعِيفٍ ضَعِيفِ الْعَقْلِ مُخْتَلِطٌ   **    كَأَنَّمَا مِنْ خَلِيجِ الْبَحْرِ يَغْتَــــــرِفُ
الفضاء مفتوح لكل طالب، والرزق مبسوط لكل عامل ..
نعمةُ من الله وفضل أنه هو الرزاق ذو القوة المتين ، وأن العطاء والتقدير ليس بيد العبد الفقير {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا}
"يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمينه" متفق عليه
 يَا مَنْ يَرَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسْمَعُ   **    أَنْتَ الْمُعَدُّ لِكُلِّ مَا يُتَوَقَّــــــــــــعُ
 يَا مَنْ يُرَجَّى لِلشَّدَائِدِ كُلِّهَـــــــــــــــــــــــا   **    يَا مَنْ إِلَيْهِ الْمُشْتَكَى وَالْمَفْزَعُ
 يَا مَنْ خَزَائِنُ رِزْقِــــــهِ فِي قَوْلِ كُـــنْ    **     امْنُنْ فَإِنَّ الْخَيْرَ عِنْدَكَ أَجْمَعُ
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إن ربي رحيم ودود .
 
الخطبة الثانية .. الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وصلى الله على عبده ورسوله الداعي على رضوانه وعلى اله وأصحابه وأعوانه ، أما بعد
{ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون}
أخرج ابن حبان والحاكم والبيهقي عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ حَتَّى يَبْلُغَهَ آخِرُ رِزْقٍ هُوَ لَهُ، فَأجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ: أَخْذِ الْحَلالِ، وَتَرْكِ الْحَرَامِ" صححه الألباني .
والقناعة غنا «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ» أخرجه مسلم
و«لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» متفق عليه.
 والمعول على البركةِ والبركةُ من الله ، فلعمري ما حلت البركة في المال القليل إلا وسع فئاما، ولا نزعة من وفير إلا أصبح شحيحا ، وفي آخر الزمان عند نزول عيسى بن مريم« يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ» أخرجه مسلم
والبركة بمفهومها الواسع هو حديث الجمعة القادمة بإذن الله ..
اللهم ارزقنا غنا لا يطغينا وصحة لا تلهينا وفضلا منك ورحمة
المرفقات

1627555628_فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ.pdf

1627555644_فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ.docx

المشاهدات 1203 | التعليقات 0