عينُ البصيرةِ-24-2-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ

محمد بن سامر
1443/02/23 - 2021/09/30 17:52PM

عينُ البصيرةِ-24-2-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

يقولُ-تعالى-: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى، أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).

تأملوا هذهِ الآيةَ وأخبروني هلْ منْ يمشي وقد انحنى ظهرُه وطأطأَ رأسَهَ حتى أصبحتْ عيناهُ مُلاصقةً للأرضِ على طريقٍ مُتعرِّجٍ، كمن هو مُنتصبُ القامةِ قد رفعَ رأسَه وأبصرتْ عيناهُ ما حولَه وهو على طريقٍ مُستقيمٍ؟ مَثَلٌ عجيبٌ لصِنفينِ من النَّاسِ، في اليقينِ والشَّكِ والثَّباتِ والانتكاسِ.

هذا المثلُ وإن كانَ في بصرِ العينِ، ولكن يُقصدُ به بصيرةُ القلبِ، فصاحبُ الإيمانِ الخالصِ باللهِ له نورٌ يُبصرُ به حقائقَ الأشياءِ، ويرى بقلبِه جمالَ كلامِ الأنبياءِ، وقُبحَ فلسفةِ الأدعياءِ، ووضوحَ الطريقِ بلا خفاءٍ، ونورَ الحقِ في الفِتنِ والبَلاءِ.

ويَكادُ من نُورِ البَصيرةِ أنْ يَرى*

في يومِه فِعلَ العواقبِ في غَدِ

لقد أخبرنا حبيبُنا-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-بقِطعِ ظلامٍ على الطريقِ، فهي آتيةٌ لا محالةَ، لكن لا تراهَا العيونُ القويَّةُ، بل تراهَا القلوبُ التَّقيةُ، قالَ النبيُ-عليه وآله الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا".

نحنُ في زمانٍ قد اختلطتْ فيه عند الكثيرِ الأوراقُ، وأصبحَ لا يُميِّزُ فيه بينَ إيمانٍ وكُفرٍ ونِفاقٍ، لأنَّ الجميعَ يتكلمونَ بلسانٍ واحدٍ مرموقٍ، في السَّلامِ والحُبِّ والعَدلِ والحقوقِ، وأصبحَ الأقوى ومن له الحُضورُ، من يستطيعُ أن يُثيرَ عاطفةَ الجُمهورِ، وأما من جعلَ اللهُ-تعالى-له نورًا من أهلِ الإيمانِ، فإنَّه يرى ببصيرةِ قلبِه الحقَّ من الباطلِ، ويعلمُ من هم الذينَ (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، ويعلمُ من (جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ)، وصدقَ اللهُ: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ).

عينُكَ ترى في كلِّ يومٍ أحداثًا كثيرةً، ولكن أخبرني عن قلبِكَ: كيفَ يَرى هذهِ الأحداثَ ويقرؤُها؟ وماذا يحكمُ عليها؟ وما الذي يستفيده منها؟ فالمدارُ في هذه الحياةِ ليسَ على كميَّةِ المرئياتِ، ولكن على ما ينتجُ في العقلِ والقلبِ من تحليلاتٍ، فأهلُ الإيمانِ يلتقطونَ الصُّورةَ البَصريةَ ثُمَّ يُحلِّلونَها بالثَّوابتِ الإسلاميةِ، فتصبحُ الصُّورةُ واضحةً جليةً، لأنَّهم عندَهم كتابُ الله-تعالى-الذي فيه كلُّ شيءٍ، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).

إذا أبصرَ المرءُ المروءةَ والتُّقى*

فإنَّ عَمى العينينِ ليسَ يَضيرُ

إذا رأتْ عينُ المسلمِ أحوالَ المُسلمينَ في كلِّ مكانٍ، يذوقونَ ألوانًا من الظُّلمِ والعذابِ والقَتلِ والهوانِ، فمسلمٌ يُقتلُ في الهندِ وبورما على يدِ عُبَّادِ الأوثانِ، ومسلمٌ في الغربِ يُضطهدُ ويُهانُ، ومسلمٌ في الصينِ يحبِسُهُ السَّجانُ، والمسجدُ الأقصى يُدنَّسُ بيدِ أذلِّ إنسانٍ، فماذا يقولُ قلبُ المسلمِ الذي قطَّعتهُ الأحزانُ، قالَ الرسولُ-عليه وآلهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".

عندما تسمعُ الفتاوى الشَّاذةَ الغريبةَ، يُفتي بها أصحابُ الأحوالِ المُريبةِ، يستخرجُ من كُتبِ الفِقهِ كلَّ ما يُثيرُ الجَدلَ، ليكونَ محرِّرَ العُقولِ المُجدِّدَ البَطلَ، فتقولُ: صدقَ اللهُ-عزَّ وجلَّ-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، ولكن: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).

عندما تتأملَ حالَ المرأةِ في بلادِ المسلمينَ، وقد أحزنَ كلَّ الغيورين، وأفرحَ المنافقينَ والكافرينَ، زعموا أنَّهم أعطوها حُريَّتَها وحقوقَها، ودمَّروا كلَّ حاجزٍ عن التَّقدمِ والرُّقي قد يعوقُها، فخرجتْ من بيتِها تطلبُ المجدَ والنَّجاحَ، وهَدَمتْ أسرتَها أساسَ عِزِّ الأمَّةِ والفلاحٍ، فماذا يقولُ قلبُ المسلمِ الذي أنهكتُه الجِراحُ، صدقَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-حِينَ قَالَ: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ".

لِمِثْلِ هذا يذوبُ القلبُ من كَمَدٍ*

إنْ كانَ في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

 فعندما ترى عُرى التَّوحيدِ في البلادِ الإسلاميةِ تُنقضُّ عُروةً عُروةً، وترى تقليدَ الشبابِ والفتياتِ للكفَّارِ حذوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، وترى الغِشَّ شَطارةً، والرِّبا تِجارةً، والزِّنا صَداقةً، والرَّقصَ رَشاقةً، والخمرَ شرابًا روحيًا، وترى المعازفَ قد نعقَ بِها الفنَّانُ، والاختلاطَ المُحرمَ في كلِّ مكانٍ، فهناكَ تختلفُ نظرةُ القلوبِ، (أَوَمَن كَانَ مَيتًا فَأَحيَينَاهُ وَجَعَلنَا لَهُ نُورًا يَمشِي بِهِ فِي النَّاسِ، كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظٌّلُمَاتِ لَيسَ بِخَارِجٍ مِّنهَا).

وأعجبُ من ذلك عندما ترى اليهودَ أصبحَوا شعبَ سلامٍ، تُمدُّ له الأيدي بالتَّعاونِ والحبِّ والاحترامِ، فتقولُ متعجبًا: أليسَ هؤلاءِ الذينَ سبوا اللهَ فقالوا: (إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء)، أليسوا هم من قالَ اللهُ فيهم: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ)، أليسوا هم ألدُّ الأعداءِ: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ)، أليسوا همُ الذينَ حَرَّفُوا الكتابَ: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)، فكيفَ يثقُ العاقلُ بأمثالِ هؤلاءِ؟ وكيفَ يُرجى منهم العهدُ والوفاءُ؟

قِفْ أيُّها القَلمُ الجريحُ فإنني*

أَخشى على الأسرارِ أن تُفشيها

وقد يسألُ سائلٌ: كيفَ السبيلُ إلى بصيرةِ أهلِ الإيمانِ؟ وكيفَ النَّجاةُ من سُبلِ الشَّيطانِ؟ فنقولُ: عليكَ بالقرآنِ: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، وعليكَ بتقوى اللهِ بفعلِ أوامرِه واجتنابِ نواهيهِ: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) بصيرةً يُفرَّقُ بهِا بينَ الحقِّ والباطلِ، وعليكَ بالدُّعاءِ للهِدايةِ إلى الحقِ والثباتِ عليهِ، كانَ من دعاءِ رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلمَ-: "اللهم اهدني وسددني، يا وليَّ الإسلامِ وأهلهِ ثَبِتْنَا والمسلمينَ به حتى نلقاك".

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

 

 

المرفقات

1633024972_عينُ البصيرةِ-24-2-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ.docx

1633024972_عينُ البصيرةِ-24-2-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالٍ الهاجريِ.pdf

المشاهدات 1391 | التعليقات 0