"صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" 3 / 1 / 14445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/01/02 - 2023/07/20 14:10PM

الخطبة الأولى "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"                 3/ 1/1445ه

الحمد لله الولي الحميد يفعل مايشاء ويحكم مايريد ، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين أما بعد

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته.. .

قال الحافظ ابن الأثير : وبيانه r ونطقه عليه الصلاة والسلام تأييداً إلهياً، ولطفاً سماوياً، وعناية ربانية، ورعاية روحانية"

    مِنْ كُلِّ لَفْظٍ بَلِيغٍ راقَ جَوْهَرُهُ    **    كأنُهُ السَّيْفُ ماضِ وَهْوَ مَصْقُولُ

     لم تبقِ ذكراً لذي نُطقٍ فصاحتهُ    **   وهل تضيءُ مع الشمسِ القناديلُ ؟

وأعظمُ بيانٍ وأجلُ عملٍ عمله عليه الصلاة والسلام بيانه وأعماله في الصلاة.. وأعظمُ تفريطٍ إضاعةُ سنته، ومجانبةُ هديهِ في الصلاة .. في صحيح البخاري قال الإمام الزُّهْرِيَّ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ:«لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلاَةَ وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ».

اضاعت الصلاة شامل لكل ما يخل بها.. قَالَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t: «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ r» أخرجه البخاري.

تخفيف الصلاة ليس نقرها، أوتتبع رغبات الكسالى من الناس، التخفيف هو إتمامها  كما كان النبيr يصليها..

 قال ابن القيم رحمه الله: وَفِعْلُهُ الَّذِي سَنَّهُ لِأُمَّتِهِ هُوَ مِنَ التَّخْفِيفِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الْأَئِمَّةَ، فَالْمَرْجِعُ فِي مِقْدَارِهِ إِلَى السُّنَّةِ، وقَوْلُهُ r" «أَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ» " فَالتَّخْفِيفُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ يَرْجِعُ إِلَى مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ r وَوَاظَبَ عَلَيْهِ، لَا إِلَى شَهْوَةِ الْمَأْمُومِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَأْمُرُهُمْ بِأَمْرٍ ثُمَّ يُخَالِفُهُ.

قال مَالِكٌ بن الحويرث t، أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ r وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، قَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» متفق عليه.

فما هي كيفية صلاته وقراءته r ينبئكم عنها أبو برزة الأسلمي t كَانَ النبي t يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ أي الفجر مِنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. متفق عليه. قال شيخ الإسلام وَهَذَا بِالتَّقْرِيبِ نَحْوُ ثُلُثِ جُزْءٍ إلَى نِصْفِ جُزْءٍ.

وفي صحيح مسلم قال جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ كَانَ النبي r يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ونحوها ..

وكتب عُمَرُ بن الخطاب إِلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ.

قال الترمذي وَعَلَيه العَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ.

ومن قلة الفقه أن تجد من يتمسك بحديث أُختلف في صحته فروي من طرق مرسلا، وهو أن النبي r قرأ صَلَاةِ الصُّبْحِ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا". ويُترك ما في  الصحيحين من حديث أبي هريرة وابن عباس y أن النبي r كان يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ".

ولم يستثنى من ذلك رمضان أو غيره بل كان هذا هديُه على الدوام.

أما في الظهر والعصر فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: كَانَ النَّبِيَّ r يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ " وفي هذا الحديث بيان أن من السنة أحيانا القراءة بعد الفاتحة في الركعتين الأخريين في الظهر والعصر .

وليس من السنة المداومة على قراءة قصار المفصل في المغرب، فقد عَتَب فقيه الصحابة زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ على مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ، مداومته على ذلك، فقال له: «مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِقِصَارِ السُّوَرِ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ» أخرجه البخاري.

وفي البخاري أن النبي r قرأ فِي المَغْرِبِ {وَالمُرْسَلاَتِ عُرْفًا}.

وقال جبير بن مُطْعِم: " سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ} " قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. أخرجه البخاري .

وفي العشاء أرشد النبي r معاذ أن يقرأ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى " متفق عليه .. وفي الصحيحين.. قال الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ t: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بِـ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ".

وقد يقصر النبيُ r الصلاة لعارض حدّث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ:«إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ عليه»

 قال شيخ الإسلام رحمه الله:"فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ فِي الْغَالِبِ مَا كَانَ النَّبِيُّ r يَفْعَلُهُ فِي الْغَالِبِ، وَإِذَا اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ أَنْ يُطِيلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يُقْصِرُ عَنْ ذَلِكَ فَعَلَ ذَلِكَ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ r أَحْيَانًا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَحْيَانًا يُنْقِصُ عَنْ ذَلِكَ.

واما ركوعه r وسجوده فهو التأني والطمئنينة، وقد وصفه أنس بن مالك t بقوله: ما صلَيتُ وراء أحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبَهَ صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى- يعني عمر بنَ عبدالعزيز-قال: فحَزَرنا في ركوعه عشرَ تسبيحاتٍ، وفي سُجوده عشرَ تسبيحاتٍ. أخرجه أبوداود.

ومجمل صفته ما روته عَائِشَةُ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ  r«يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ. وَالْقِرَاءَةِ، بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ. وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ» أخرجه مسلم.

 وكان ينهَى عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَقَامَ لِلصَّلَاةِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ " أخرجه النسائي.

هذه مجمل السنة في الصلاة قراءة وعملا وسننًا.. اتباعها هدى ونور ، وقرائتها والعمل بها تعليم للناس معنى «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»

أستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات إن ربنا لغفور شكور

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله المصطفى أما بعد ..

والطمئنينة ركن لا تصح الصلاة إلا بإتمامها لحديث المسيء صلاته: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»

وإن ترك المصلي ركنا من الصلاة وجب عليه أن يرجع فيأتي به وما بعده، ويسجد للسهو بعد السلام ، فإن ترك واجبا فلا يرجع إليه  ويسجد للسهو قبل السلام، لأن النبي r لما ترك التشهد الأول مضى في صلاته ولم يرجع وسجد للسهو قبل السلام.

وإن شك بين الزيادة والنقص، فإن ترجح عنده أحد الطرفين الزيادة، أو النقص، فيبني على ما ترجح عنده ويتم عليه ويسجد للسهو بعد السلام، وإن لم يترجح عنده أحد الأمرين فيبنى على اليقين وهو الأقل ويتم عليه، ويسجد للسهو قبل السلام.

إذا كان سجود الإمام بعد السلام، فإن كان المأموم المسبوق فإن كان مدركاً للسهو سجد المأموم بعد إتمامه ما فاته، وإن كان لم يدرك هذا السهو فلا سجود عليه.

 ومن أعظمِ ما يُتساهلُ به ترك صلاةِ الجماعة وتأخيرِها عمداً أو التساهل في جمع الصلوات ..

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ غَيْرِ وَقْتِهَا الَّذِي يَجِبُ فِعْلُهَا فِيهِ عَمْدًا مِنْ الْكَبَائِرِ العظام، بَلْ قَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t: الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا: «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» .قال التِّرْمِذِيَّ : الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وسئل العلامةُ ابنُ عثيمين : إذا كان المسافر في البلد، فهل تسقط عنه صلاة الجماعة مع قرب المسجد وسماع الأذان؟ .. فأجاب رحمه الله : يظن كثير من العامة أن المسافر لا تلزمه صلاة الجماعة وهذا ليس بصحيح، فالمسافر تلزمه صلاة الجماعة، لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة من غير استثناء، ولأن الله سبحانه وتعالى أوجب على المؤمنين المقاتلين أن يصلوا جماعة، فقال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} فإذا أوجب الله على المقاتلين في السفر صلاة الجماعة فالمسافرون الذين لا يقاتلون من باب أولى.

الصلاة أعظم معالم الدين ، وأعظم شعائره "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ" أحرجه الإمام احمد والدرمي بسند صحيح.

من حفِظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ؛

ونذكر إلى أنه يستحب صيام اليوم العاشر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم" وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»و يستحب صيام يوم التاسع معه

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد

اللهم اهنا صراطك المستقيم وحسن اتباع سيد المرسلين .. اللهم آمنا في دورنا..

المرفقات

1689851525_صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي.pdf

1689851652_صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي.docx

المشاهدات 519 | التعليقات 0