شهر البذر!
تركي بن عبدالله الميمان
شـَـهْرُالـبَذْر
(شهر رجب)
إعداد: قناة الخطب الوجيزة
https://t.me/alkhutab
(نسخة للطباعة)
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِله، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، وَاتِّبَاعِ هُدَاه؛ فَهِيَ أَعْظَمُ القُرُبَات، وبَابُ الرَّحَمَات! ﴿فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
عِبَادَ الله: لَقَدْ انْتَصَفَ العَامُ، وَدَخَلْنَا في الشَّهْرِ الحَرَامِ: إِنَّهُ شَهْرُ رَجَب! وكانَت العَرَبُ في الجَاهِلِيَّةِ، تُعَظِّمُ الأَشْهُرَ الحُرُمَ؛ فَلَا تَسْفِكُفِيْهَا دَمًا، ولا تَأْخُذُ فِيْهَا بِثَأْرٍ، وجَاءَ الإِسْلَامُ لِيُؤَكِّدَ حُرْمَتَهَا؛ فأَقَرَّ تَعْظِيمَهَا وَزَادَهَا إِجْلَالًا!
وَشَهْرُ رَجَب: هُوَ أَحَدُ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ، الَّتِي عَنَاهَا اللهُ U بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾. وقَالَ ﷺ: (السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ).
وَسُمِّيَتْ بِالأَشْهُرِ الحُرُمِ؛ لِتَحْرِيْمِ القِتَالِ فِيْهَا؛ وَلِأَنَّ المَعَاصِيَ فِيْهَا أَشَدُّ! قال U: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾. قَالَ قَتَادَةُ: (الظُّلْمُ فِي الْأَشْهُرِ الحُرُمِ: أَعْظَمُ خَطِيئَةً مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا).وَيَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ: (الشَّهْرُ الحَرَامُ: تُغَلَّظُ فِيهِ الآثَامُ).
وَشَهْرُ رَجَب: مِفْتَاحُ أَشْهُرِ الخَيْرِ! قالَ البَلْخِي: (شَهْرُ رَجَب: شَهْرُ البَذْرِ لِلزَّرْعِ! وَشَعْبَانُ: شَهْرُ السَّقْيِ لِلْزَّرْعِ. وَرَمَضَانُ: شَهْرُ حَصَادِ الزَّرْع!) .
وقالَ بَعْضُهُمْ: (مَثَلُ شَهْرِ رَجَب: مَثَلُ الرِّيْحِ، وَمَثَلُ شَعْبَان: مَثَلُ الغَيْمِ، وَمَثَلُ رَمَضَان: مَثَلُ القَطْرِ) .
وَمِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ I: أَنْ جَعَلَ رَجَبًا: شَهْرًا حَرَامًا، تُتَجَنَّبُ فِيهِ الذُّنُوبُ؛ لِيَكُوْنَ مَعَ (شَعْبَانَ): كَالتَّمْهِيدِ لِـ(رَمَضَانَ)؛ فَحَرِيٌّ بِمَنْ فِي (رَجَبٍ): أَنْ يُحْسِنَ فِي (شَعْبَانَ)، وَجَدِيرٌ بِمَنِ اغْتَنَمَهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنَ المُوَفَّقِينَ فِي رَمَضَانَ! قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (السَّنَةُ مَثَلُ الشَّجَرَةِ، وَشَهْرُ رَجَب: أَيَّامُ تَوْرِيْقِهَا! وَشَعْبَانُ: أَيَّامُ تَفْرِيْعِهَا، وَرَمَضَانُ: أَيَّامُ قَطْفِهَا!).
والمَعَاصِي في رَجَب؛ أَشَدُّ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنَ الأَشْهُرِ الحُرُمِالَّتِي قالَ اللهُ عَنْهَا: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾.
وَالظُّلْمُ على نَوْعَين: ظُلْمُ النَّفْسِ بِالمَعَاصِي، وَظُلْمُ الغَيْرِ بالاِعْتِدَاءِ!
فَمَنْ تَسَاهَلَ بالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ؛ فَلْيُمْسِكْ عَنْ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ!
وَمَنْ تَسَاهَلَ بِأَكْلِ الحَرَامِ: مِنْ رِبًا أَوْ رِشْوَةٍ، أَوْ غِشٍّ أو كَذِبٍ؛فَلْيُمْسِكْ عَنْ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ!
وَمَنْ تَسَاهَلَ بالنََّظَرِ إِلَى المُحَرَّمِ؛ فَلْيُمْسِكْ عَنْهَ فِي رَجَب!
وَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ، أو قَطَعَ رَحِمَهُ، أَوْ أَسَاءَ إِلَى جَارِهِ أوَ عَامِلِهِ؛ فَلْيَتُبْمِنْ ذَلِكَ؛ تَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ رَجَبٍ؛ وَامْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾.
وَالتَّقْصِيرُ فِي الفَرَائِضِ: ظُلْمٌ وَمَعْصِيَةٌ؛ فَمَنْ أَخَّرَهَا عَنْ وَقْتِهَا، أو تَخَلَّفَ عَنْ أَدَائِهَا مَعَ الجَمَاعَة؛ فَلْيُحَافِظْ عَلَيْهَا؛ تَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ هَذَا الشَّهْر!
وَبَعْضُهُمْ يَمُرُّ عَلَيْهِ رَجَب: كَغَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ! لَا يَسْتَشْعِرُ حُرْمَتَهُ، وَلَا يَسْتَحْضِرُ عَظَمَتَهُ، وَلَا يُرَاعِي حَقَّ اللهِ فِيه! ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوب﴾.
وَمَنْ سَوَّدَ صَحِيْفَتَهُ بِالذُّنُوْب: فَلْيُبَيِّضْهَا بِالتَّوْبَةِ في هَذَا الشَّهْرِ، وَلْيَغْتَنِمْ ما بَقِيَ مِنَ العُمر!
بَيِّضْ صَحِيْفَتَكَ السَّوْدَاءَ فِي رَجَبِ
بِصَالِحِ الْعَمَلِ الْمُنْجِي مِنَ اللَّهَبِ
طُوبَى لِعَبْدٍ زَكَى فِيهِ لَهُ عَمَلٌ
فَكَفَّ فِيهِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالرِّيَبِ
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لاإِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: مِنْ تَعْظِيْمِ رَجَب: المُسَابَقَةُ فِيْهِ إلى الطَّاعَاتِ: بِفِعْلِالوَاجِبَاتِ، وَتَرْكِ المُحَرَّمَات، والاِسْتِكْثَارِ مِنَ النَّوَافِلِ وَالمُسْتَحَبَّات!
وَإِذَا عَظََّمَ اللهُ مَكَانًا أو زَمَانًا، كَانَتِ المَعْصِيَةُ فِيْهِ أَعْظْمَ إِثمًا، والطَّاعَةُ فِيْهِ أَعْظَمَ أَجْرًا! قالَ القُرْطُبِيُّ: (﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾: بِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ؛ لِأَنَّ اللهَ إِذَا عَظَّمَ شَيْئًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ: صَارَتْ لَهُ حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا عَظَّمَهُ مِنْ جِهَاتٍ: صَارَتْ حُرْمَتُهُ مُتَعَدِّدَةً؛ فَيُضَاعَفُ فِيهِ العِقَابُ بِالعَمَلِ السَّيِّئِ: كَمَا يُضَاعَفُ الثَّوَابُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ!).
وَتَعْظِيْمُ شَهْرِ رَجَب؛ لا يَعْنِي تَخْصِيْصَهُ بِعِبَادَةٍ لَمْ تَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَاَلَة، وَهِيَ مَرْدُوْدَةٌ على صَاحِبِهَا؛ قال ﷺ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ؛ فَهُوَ رَدٌّ).
وَمِنَ المُحْدَثَاتِ في رَجَب: صَلَاةُ الرَّغَائِبِ، والعُمْرَةُ الرَّجَبِيَّة، واعْتِقَادُ فَضْلِهَا على غَيْرِهَا مِنَ الشُّهُور، والاِحتِفَالُ بِلَيْلَةِ الإِسرَاءِ والمِعْرَاج، وغَيْرِهَا مِنَ المُحْدَثَاتِ الَّتِي لا تَزِيْدُ صَاحِبَهَا مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا! قالَ ابنُ القَيِّمِ: (كُلُّ حَدِيثٍ فِي ذِكْرِ صَوْمِ رَجَبٍ، وَصَلاةِ بَعْضِ اللَّيَالِي فِيه؛ فَهُوَ كَذِبٌ مُفْتَرًى). وقالَ ابْنُ حَجَر: (لَمْ يَرِدْ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَجَبَ، وَلَا صِيَامِهِ، وَلَا قِيَامِ لَيْلَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِيهِ؛ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ).
فَحَرِيٌّ بِالمُسْلِمِ أَنْ يَتَّبِعَ لا أَنْ يَبْتَدِعَ؛ فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ وَرَسُوْلِه؛ تُنَالُ بالاِتِّبَاعِ لا بِالاِبْتِدَاع! قال U: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَفَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
* * * *
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
********************
wwwwwww
xxxxxxx
المرفقات
1705484148_(خط كبير) شهر البذر.pdf
1705484150_(خط كبير) شهر البذر.docx
1705484363_(نسخة مختصرة) شهر البذر.pdf
1705484363_(نسخة للطباعة) شهر البذر.pdf
1705484363_(نسخة للطباعة) شهر البذر.docx
1705484363_(نسخة مختصرة) شهر البذر.docx