رمضان والزكاة *حسب التعميم*

محمد آل مداوي
1443/09/06 - 2022/04/07 23:05PM

إنّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، مُجِيبٌ لمن دَعاه، لا يُخَيِّبُ مَن رَجَاه، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، ونبيُّه ومصطفاه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا كثيرًا..

أما بعد عباد الله: فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى اللهِ عز وجل؛ فتَقوى الله؛ أجملُ ما أَظْهَرْتُم، وأكرمُ ما أَسْرَرْتُم، اشكرُوه على ما أولَاكُم، ما أمسَى بِكُم مِن نعمةٍ أو بأحدٍ مِن خَلْقه؛ فمنه وحدَهُ لا شريك له.. هنيئًا لكم أيَّامَ هذا الشّهرِ العظيم، ولياليه، هنيئًا لمن عَمَرَ شهرَهُ بطاعةِ ربه، وشُكْرِ مولاه، أكْثِروا مِن حَمْدِ ربِّكم وشُكرِه وذِكْرِه؛ فإنَّ العبادةَ مِن صيامٍ وصلاةٍ وغيرها؛ إنما يَعظُمُ أجرُها بحسبِ ما فيها مِن ذكرِ الله جلَّ وعلا، قال عليه الصلاة والسلام: (سَبَقَ المُفَرِّدُونَ) قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ يا رَسولَ الله؟ قالَ: (الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ)

قال ابنُ القيم رحمه الله: (أفضلُ الصُّوَّام: أكثرُهم ذِكرًا لله عز وجل في صومهم).

أيها المسلمون: ستمضي أيامُ شَهْرِكُمْ سِراعًا، وسَتَمُرُّ لياليهِ تِباعًا، وستُطْوَى صحائفُ أعمالِكم على ما قدَّمتُم فيها لأنفُسِكُم، وسيكونُ مِن شأنِ المُوفَّقينَ فيها: تحصيلُ وافِرِ الأجور، والسعادةُ في الدنيا وفي يومِ النُّشور.

وسيبكي أقوامٌ أسًى وندمًا على ضياعِ الليالي وفواتِ الأوقات.. فاستبِقوا الخيرات، وتدارَكوا الأيامَ المباركات: بالباقياتِ الصالحات.

صحَّ عن المصطفى r أنه قال: (رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدركَهُ رمضانُ فلم يُغفَرْ له).

عباد الله: في هذا الشهرِ مغَانِمُ كثيرة: قُرآنٌ وقِيام، صَدَقةٌ وصيام، صِلةٌ ومعروف، عَطْفٌ وبِرٌّ وإحسان.. رمضان؛ زَمَنُ البذلِ والعطاء، والجُودِ والسّخاء، كانَ النبيُّ r أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان.

رمضان؛ شهرٌ يجودُ اللهُ فيه على عبادِه بالرحمةِ والمغفرة، والعِتقِ والرِّزق، فمَنْ جادَ على عبادِ الله؛ جادَ اللهُ عليهِ بالفضلِ والعطاء، والجزاءُ من جِنسِ العمل.

والجمعُ بينَ الصَّدَقةِ والصيامِ مِن مُوجِباتِ الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ في الجنةِ غُرَفًا تُرى ظُهورُها مِن بُطونِها، وبُطونُها من ظُهورِها) فقام أعرابيٌّ فقال: لمن هيَ يا رسولَ الله؟ قال: (لمن أطابَ الكلامَ، وأطعمَ الطعامَ، وأدامَ الصيامَ، وصلَّى بالليلِ والناسُ نِيام)

والزكاةُ -عبادَ الله- أصلٌ مِن أركانِ الإسلام، حقُّ اللهِ عز وجل في مَالِه الذي آتاك، تُطهِّرُ النفسَ مِنَ البُخل والشُّحِّ، وتُنمِّي المالَ وتحفَظُه؛ قال جلَّ شأنُه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)

تَقِي المرءَ مِنْ عُقوباتِ الذنوبِ، وتَصرِفُ عنه عظيمَ المصائِب والكُروب، وتُيسِّرُ له الأمور؛ قال عز وجل: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)

وإذا أصابَك جوعٌ أو ظمأ؛ فتذكَّرْ إخوانًا لك يُكابِدونَ ذلك دَهْرَهُم كلَّه، والله كريمٌ يُحبُّ الكرَم، رحيمٌ يُحبُّ الرُّحمَاء، وكلُّ إنفاقٍ فهو مَخلوفٌ عندَ الله، والمالُ يَزِيدُ بالصدقة، ولا تُنقِصُه، والمرءُ في ظِلِّ صدقَته يوم القيامة.

يقول الله جل وعلا: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه، فطوبى للمستغفرين.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

 أما بعد أيها المسلمون: فالبَذْلُ معَ السَّمَاحةِ؛ دليلٌ على صَفاءِ النفسِ، ونَقاءِ السَّريرة، وطِيبِ المعْدَن، والخَلْقُ كلُّهم عِيالُ الله، وأحَبُّ الخلقِ إليهِ أنفعُهم لعِياله.

وفي حَالِ التوفيقِ إلى البَذلِ والإنفاق؛ ينبغي الحذَرُ مِن دَفْعِ الأموالِ إلى مجهولينَ أو إلى أيِّ جهةٍ مجهولةٍ تدعو إلى جَمْعِ التبرُّعاتِ والأموال.

والواجِبُ ألاّ تُدْفَعَ الزكوَاتُ والصَّدَقات؛ إلاّ لمستحقِّيها، ولن يُعدَمَ المُوسِرُ مُحتاجًا يَعرِفُه بنفسِه، أو جهاتٍ موثوقةٍ تُعِينُه، كمنصَّةِ "إحسان"، ومنصَّةِ "فُرجت" وغيرِها مما تُشْرِفُ عليه الجهاتُ الرَّسميةُ في بلادِنا المباركة.

عبادَ الله: ربُّكم جلَّ وعلا هو الذي يُعطِي ويمنَع، ويَخفِضُ ويرفَع، وهو الذي استخلَفَكم فيما رزقَكم؛ لِيَنْظُرَ كيفَ تعملون.

ألَا فاتقوا الله عباد الله، وأَرُوا اللهَ مِن أنفُسِكم إقبالاً وزكاةً وزكاءً وتوبة، تفقدوا إخوانَكم، وأرحامَكم، وجِيرانَكم، والمحتاجين، وابذلوا المعروفَ وإنْ قلّ..  (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)

ثم اذكروا على الدوام أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على خاتم رسله: محمد بن عبد الله، فقال سبحانه: (إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يُصلُّونَ على النّبي يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا)

 

 

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن آله الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، وخلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه؛ صلاةً دائمةً مباركةً لا انقطاع لها إلى يوم الدين. وارض اللهم عنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، وعبادك المؤمنين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، يا سميع الدعاء.

اللَّهم اشرح صدورنا، ويسر أمورنا، واقض حاجاتنا، وأصلح نياتنا وذرياتنا، واُنْصُر جنودنا، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن فوقهم، ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل، اللهم تقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا، وزكواتِنا وصَدَقاتِنا، اللهم كما بلغتنا أول هذا الشهرِ فبلغنا آخره، وبارك لنا فيه، واجعلنا فيه من المقبولين، ومن عتقائك من النار. يا رب العالمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1649372738_خطبة 7-9-1443 رمضان والزكاة.docx

1649372747_خطبة 7-9-1443 رمضان والزكاة.pdf

المشاهدات 1481 | التعليقات 1

لله درك خطبة مؤثرة