رجب بداية الاستعداد لرمضان
حامد الشثري
إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسَنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مِنْ يَهْدِ اَللَّهُ فَلَا مُضِل لَهُ ، وَمِنْ يُضَلِّلُ فَلَا هَادِي لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، جَعْلُ عِدَّةِ اَلْأَشْهُرِ اِثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِهِ يَوْمَ خَلْقِ اَلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْهَا أَرْبَعَةُ حَرَمٍ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ أَخْبَرَنَا أَنَّ اَلزَّمَانَ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمِ خَلْقِ اَللَّهِ اَلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَأَنَّ اَلسَّنَةَ اِثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْهَا أَرْبَعَةُ حَرَمٍ ، أَحَدُهَا رَجَبْ مُضِرٌّ ، صَلَّى . اَللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا . .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
أَمَّا بُعْدٌ . . مِنْ حِكْمَةِ اَللَّهِ تَعَالَى أَنْ فَضَّلَ أَيَّامًا عَلَى أَيَّامٍ، وَأَشْهُرًا عَلَى أَشْهُرٍ، وَأَزْمَانًا عَلَى أَزْمَانٍ، وَجَعْلَ بَعْضِ اَلْأَشْهُرِ بَوَّابَةً لِمَوَاسِمِ اَلْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَطَرِيقًا إِلَيْهَا، فَمِنْ اِغْتَنَمَ اَلْفُرْصَةَ وَاتَّبَعَ اَلسَّنَةَ أَفْلَحَ، وَمِنْ غَلَا أَوْ جَفَا ضَلَّ وَتَنَكَّبَ .
لِذَا فَإِنَّ الأُمَّةَ الوسط أمة مُحَمَّدْ r هِيَ خَيْرُ اَلْأُمَمِ وَأَزْكَاهَا ، بِمَا فَضَّلَهَا اَللَّهُ وَحَبَاهَا ، فهي الوسط بَيْنَ اَلْأُمَمِ ، وَالنُورَ فِي اَلظُّلْمِ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ : جَعْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِدَّةَ اَلشُّهُورِ عِنْدَهُ يَوْمُ خَلْقِ اَلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ اِثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْهَا أَرْبَعَةُ حَرَمِ ثَلَاثٍ مُتَوَالِيَاتٍ ذُو اَلْقِعْدَةِ وَذُو اَلْحُجَّةِ وَشَهْرِ اَللَّهِ اَلْمُحَرَّمِ ، وَشَهْر مُنْفَرِدٍ أَلَّا وَهُوَ شَهْرُكُمْ هَذَا شَهْرُ رَجَبْ.
مِنْ رَحْمَةِ اَللَّهِ بِعِبَادِهِ أَنْ بَيَّنَ لَهُمْ اَلْأَشْهُرُ اَلْحُرَمَ، وَجَعْلَهَا مُقَدِّمَةً لِلطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ.
وَمِنْ اَلْحُكْمِ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ اَلْأَشْهُرِ أَنَّ رَجَبْ يَسْبِقُ شَعْبَانْ وَرَمَضَانْ فَتَكُون اَلْفُرْصَةُ لِلشَّخْصِ لِلنَّأْي بِنَفْسِهِ عَنْ اَلْمَعَاصِي، اِسْتِعْدَادًا لِتِلْكَ اَلْأَيَّامِ اَلَّتِي فَرَضَ اَللَّهُ فِيهَا اَلصِّيَامُ، كَمَا أَنَّ اَلْحَجَّ يَكُونُ فِي مُنْتَصَفِ اَلْأَشْهُرِ اَلْحَرَمَ اَلثَّلَاثَةُ فَتَكُون اَلنَّفْسُ أَنْقَى وَمُتَفَرِّغَةً لِلطَّاعَةِ.
قَالَ اِبْنْ رَجَبْ رَحِمَهُ اَللَّهُ ( شَهْرُ رَجَبْ مِفْتَاحَ أَشْهُرِ اَلْخَيْرِ )، وقَالَ قَتَادَة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسُكُمْ ) فَإِنَّ اَلظُّلْمَ فِي اَلْأَشْهُرِ اَلْحَرَمَ أَعْظَمَ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنْ اَلظُّلْمِ فِيمَا سَوَّاهَا ، وَإِنَّ كَانَ اَلظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالِ عَظِيمًا ، وَلَكِنَّ اَللَّهَ يُعَظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ.
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ : لَقَدْ كَانَ لِشَهْرَ رَجَبْ عَنْ اَلسَّلَفِ مَكَانَةً فِي اِجْتِنَابِ اَلْمَعَاصِي وَالِازْدِيَادِ مِنْ اَلطَّاعَاتِ اِسْتِعْدَادًا لِشَهْرِ اَلصِّيَامَ رَمَضَانْ، وَكَانَ اَلسَّنَةَ شَجَرَةً، تُظْهِرَ أَوْرَاقَهَا فِي شَهْرِ رَجَبْ، وَتُثْمِرَ فِي شَعْبَانْ، وَيَقْطِفَ اَلنَّاسُ ثِمَارَهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانْ، بَلْ عَدَّهُ بَعْضُ اَلسَّلَفِ بِدَايَةِ اَلِاسْتِعْدَادِ لِشَهْرِ رَمَضَانْ، قَالَ أَبُو بَكْرْ اَلْوَرَّاقَ اَلْبَلْخِي ( رَجَبْ شَهْرَ اَلزَّرْعِ ، وَشَعْبَان شَهْرَ اَلسَّقْيِ لِلزَّرْعِ ، وَرَمَضَانْ شَهْرُ حَصَادِ اَلزَّرْعِ )، وَقَالَ بَعْضُهُمْ ( رَجَبْ شَهْر يُضَاعِفُ اَللَّهُ فِيهِ اَلْحَسَنَاتُ ، وَشَعْبَان شَهْر تَكْفُرُ فِيهِ اَلسَّيِّئَاتُ ، وَرَمَضَانْ شَهْرٌ تَنْتَظِرُ فِيهِ اَلْكَرَامَاتُ ).
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: جَدِير بِمَنْ سُود صَحِيفَتِهِ بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، وَالْمَعَاصِي وَالْبَلَايَا، أَنَّ يُبَيَّضهَا بِالتَّوْبَةِ وَالطَّاعَاتِ، وَيُنَقِّيهَا بِالْقُرُبَاتِ وَالصَّالِحَاتِ، وَيَامِنْ ضَيَّعَ عُمْرُهُ فِي اَلْبِطَالَةِ، أَغْتَنِمُ اَلْفُرْصَةُ فَمًا بَقِيَ لِلْمُهْلَةِ اِسْتِطَالَةً.
بَيْضُ صَحِيفَتِكَ اَلسَّوْدَاءِ فِي رَجَبْ * * بِصَالِحِ اَلْعَمَلِ اَلْمُنَجِّيْ مِنْ اَللَّهَبِ
شَهْرَ حَرَامٍ أَتَى مِنْ أَشْهُرِ حَرَمٍ * * إِذَا دَعَا اَللَّهُ دَاعٍ فِيهِ لَمْ يَخِبْ
طُوبَى لَعَبَدَ زَكَا فِيهِ لَهُ عَمَلٌ * * فَكَفَّ فِيهِ عَنْ اَلْفَحْشَاءِ وَالرَّيْبِ
بَادَرَ عَبْدُ اَللَّهْ إِلَى اَلصَّالِحَاتِ وَاجْتَنَبَ اَلْمَعَاصِيَ وَالْمُحَرَّمَاتِ . . وَتَذَكَّرَ قَوْلُ اَللَّهِ ( فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسُكُمْ )
اِغْتَنَمَ اَلْوَقْتُ وَلَا تَظَلُّمَ نَفْسِكَ بِتَضْيِيعِهِ فِي غَيْرِ مَا يَقْرُبُ إِلَى اَللَّهِ . . وَتَذَكُّر ( فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسُكُمْ )
قَالَ اَلْحَسَنْ اَلْبَصْرِي رَحِمَهُ اَللَّهُ ( أَدْرَكَتْ أَقْوَامًا كَانُوا عَلَى سَاعَاتِهِمْ أَشْفَقَ مِنْكُمْ عَلَى دَنَانِيرُكُمْ وَدَرَاهِمَكُمْ )
عِبَادَ اَللَّهِ . . مِنْ قَصَّرَتْ هِمَّتُهُ فِي اَلْأَشْهُرِ اَلْحَرَمَ عَنْ اَلِازْدِيَادِ مِنْ اَلْعَمَلِ اَلصَّالِحِ فِي اَلْأَشْهُرِ اَلْحَرَمَ ، فَلْيَرْحَمْ نَفْسُهُ بِالْكَفِّ عَنْ اَلْمَعَاصِي، ورَحِمَ اَللَّهُ عَبْدًا عَظّمَ مَا عَظَمَةُ اَللَّه، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ تَقْوَى اَلْقُلُوبُ.
بَارَكَ اَللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي اَلْقُرْآنِ اَلْعَظِيمِ وَنَفَّعَنَا وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ اَلْآيَاتِ وَالذَّكَرِ اَلْحَكِيمِ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفَرَ اَللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ اَلْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورْ اَلرَّحِيمِ
اَلْخُطْبَةِ اَلثَّانِيَةِ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ عَلَى إِنْعَامِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ ، وَصَلَّى اَللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ ، عَلَى خَيْرٍ خَلَقَهُ مُحَمَّدْ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَةٍ وَإِخْوَانُهُ أَمَّا بُعْدٌ :
فَإِنَّ أُمَّةَ اَلْإِسْلَامِ أُمَّةً وَسَطًا كَمَا أَخْبَرَ اَللَّهُ عز وجل، وَأَهْلَ اَلسَّنَةِ اِتِّبَاعَ مُحَمَّدْ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِتِّبَاعُ اَلْحَقِّ، فَلَا غُلُوَّ عِنْدَهُمْ وَلَا جَفَاء، وَمِنْ اَلظُّلْمِ فِي اَلْأَشْهُرِ اَلْحَرَمَ اَلْغُلُوَّ فِيهَا والابتداع كما يفعل بعض المبتدعة مِنْ اِخْتِرَاعِهِمْ لِصَلَاةٍ تُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِالرَّغَائِبِ اَلَّتِي تَكُونُ فِي أَوَّلِ جُمْعَة مِنْ هَذَا اَلشَّهْرِ كذلك الِاحْتِفَالُ فِي آخِرٍ اَلشَّهْرِ بِلَيْلَةِ اَلْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهَا مِنْ اَلْبِدَعِ.
وَمِنْ اَلظُّلْمِ أَيْضًا اَلْجَفَاءَ وَالظُّلْمَ فِي هَذِهِ اَلْأَشْهُرِ اَلْحَرَمَ وَأَشَدَّهَا ظُلْمُ اَلنَّفْسِ بِارْتِكَابِ اَلْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ وَعَدَمِ تَعْظِيمِ مَا أَمَرَ اَللَّهُ بِهِ، وَحَال اَلْمُؤَمَّنِ وَسَط بَيْنَ اَلْحَالَيْنِ: فَيُعَظِّمُ اَلْأَشْهُرَ اَلْحَرَمَ بِتَرْكِ اَلْمُحَرَّمَاتِ وَفَعَلَ اَلطَّاعَاتِ، بِاتِّبَاعٍ دَوَّنَ اِبْتِدَاعُ، وَوَسَطَ دَوَّنَ غُلُوٌّ أَوْ جَفَا.
هَذَا وَصَلُوا وَسَلَّمُوا عَلَى اَلرَّحْمَةِ اَلْمُهْدَاةِ مُحَمَّدْ بْنْ عَبْدِ اَللَّهْ .....
المرفقات
1674801405_خطبة الجمعة 05-07-1444هـ رجب بداية الاستعداد لرمضان.docx
1674801405_خطبة الجمعة 05-07-1444هـ رجب بداية الاستعداد لرمضان.pdf
1674801405_خطبة الجمعة 05-07-1444هـ رجب بداية الاستعداد لرمضان نسخة الجوال.pdf
موسى السلامي
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير على خطبتك
وإن كان من ملاحظة فملاحظتي أن التشكيل في غير محله
ولعله ليس من عندك وإنما من برنامج آخر
فقد نصب المرفوع ورفع المنصوب الخ
فلو تركت بدون تشكيل برامج التشكيل فهو أفضل
تعديل التعليق