ذنوب الخلوات-27-1-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1446/01/26 - 2024/08/01 15:06PM

ذنوب الخلوات-27-1-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

هَا هُو يَقِفُ في عَرصَاتِ يَومِ القِيامةِ وقد أَحاطَتْ بِه حَسنَاتُهُ كَالجِبالِ البَيضاءِ، ويَغبِطُهُ النَّاسُ عَلى أيَامِهِ التي قَضاها في الدُّنيا باجتِهَادٍ وعَملٍ صَالحٍ وعَطاءٍ، وَيَقولونَ: هَنيئًا لَهُ المَنازلُ العُليا في جَناتِ النَّعيمِ، لَيتَنا عَمِلنَا مِثلَ عَملِهِ لِهَذا اليَومِ العَظيمِ، وَلَكِنْ حَدَثَ مَا لَم يَكُنْ في الحُسبانِ، وتَحوَّلَتْ تِلكَ الجِبالُ إلى هَباءِ دُخَانٍ، فَمَا الذي حَدَثَ؟ وَما هُو الخَبرُ؟

عَنْ ثَوْبَانَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-عَنِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-أَنَّهُ قَالَ: "لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تُـهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ-هَبَاءً مَنْثُورًا،-فَخَافَ الصَّحَابَةُ-رَضِيَ اللهُ عَنهُم-وحُقَّ لَهم أَن يَخافُوا-قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ-يَقُومُونَ يُصَلُّونَ في الليلِ-وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا"، فَلا إِلَهَ إلا اللهُ، أَيُّ جَريمةٍ أَن يَظهَرَ الإنسانُ أَمامَ النَّاسِ بـِمَظهَرِ الصَّلاحِ، ولا يَرونَهُ إلا في طَاعةٍ وخَيرٍ وبِرٍّ وفَلاحٍ، وإذا خَلا لَم يُبالِ بِنَظرِ الجَبَّارِ، ووَقَعَ في الحَرامِ وانتَهَكَ الأستارَ، فَأَينَ المَفَرُّ عِندَمَا تُنشَرُ الأَسرارُ، (وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ، وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).

إنَنا في زَمانٍ قَد سَهُلَ فِيه الوُصولُ إلى المَعَاصي، وَقَرُبَ فِيهِ الدَّانيُّ مِن القَاصيِّ، وَأصبَحَ الإنسانُ بِواسطةِ شَاشَتِهِ، يَدورُ العَالمَ وَهو في غُرفَتِهِ، وَهَذَا واللهِ الامتِحانُ الكَبيرُ، في مُراقبَةِ نَظرِ العَليمِ الخَبيرِ، فَأَخبرني مَا هُو نَصيبُكَ أَيَّها الحَبيبُ، مِن قَولِهِ: (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ)؟

إذَا مَا خَلَوتَ الدَّهْرَ يَومًا فَلا َتَقُلْ*

                         خَلَوتُ وَلَكنْ قُلْ عَليَّ رَقيبُ

وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعةً*

                            وَلا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغيبْ

لا يَغرَّنَّكَ صَمتَ جَوَارِحِكَ اليَومَ وَأَنتَ في خَلَواتِكَ مَع المَعاصي والسَّيئاتِ، فَوَ اللهِ لَتَسْمَعَنَّ كَلامَها وَهي تَشهَدُ عَليكَ بِتَفَاصيلِ الجَرائمِ والخَطيئاتِ، فِي يَومٍ تُبلى فيهِ السَّرائرُ ويُنطِقُها عَالمُ الجَهرِ والخَفيَّاتِ، (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بـِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

إنَّ مِن ذُنوبِ الخَلَواتِ مَا قَد يُظهِرُها اللهُ في الدُّنيا فَيَنْفَضِحُ مِنهَا العَبدُ، يَقولُ ابنُ الجَوزيِّ-رَحِمَهُ اللهُ-: "إِنَّ الإنسانَ قَد يُخفي مَا لا يَرضَاهُ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-، فَيُظهِرُهُ اللهُ-سُبحَانَهُ-عَليهِ، وَلو بَعدَ حِينٍ، وَيُنطِقُ الأَلسنَةُ بِهِ، وَإن لم يُشَاهدْهُ النَّاسُ"، كَانَ أحدُ السلفِ-رحمَهم اللهُ-يُقرضُ الدَّراهمَ بِالرِّبَا، فَمَرَّ ذَاتَ يَومٍ بِصبيانٍ يَلعبونَ، فَقَالَ بَعضُهم لِبَعضٍ: قَد جَاءَ آكلُ ‌الرِّبا، فَنَكَّسَ رَأسَهُ وَقَالَ: يَا رَبِّ، أَفشيتَ سِرِّي إلى الصِّبيانِ، فَرَجعَ إلى بَيتِهِ تَائبًا، وَتَصَدَّقَ بِـمَالِهِ، واجتَهَدَ في العِبادةِ، وبَعدَ زَمَنٍ مَرَّ بِأولئكَ الصِّبيانِ، فَقَالوا: اسكتُوا، قَد جَاءَ ‌الزَّاهدُ العَابدُ، فَبَكَى وَقَالَ: يَا رَبِّ، الكُلُّ مِنكَ، وَصَدَقَ، فَمَن أَحسَنَ فِيمَا بَينَهُ وَبينَ اللهِ-تَعَالى- أَحسنَ اللهُ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ العِبادِ، (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ).

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فقَد يَعجَبُ الإنسانُ مِن تَغيِّرِ أَحوالِ بَعضِ الصَّالحينَ، بَعدَ أَن كَانَ يَضربُ بِهِ المَثلُ في العَابدينَ، والسِّرُّ هو في التَّساهلِ بِنَظرِ رَبِّ العَالمينَ، قَالَ بَعضُهم: أَجمَعَ العَارِفونَ باللهِ بِأنَّ ذُنوبَ الخَلواتِ هِيَ أَصلُ الانتِكَاسَاتِ، وَأَنَّ عِباداتِ الخَفَاءِ هِيَ أَعظمُ أَسبابِ الثَّباتِ، فَإيَّاكَ أَن تَكونَ مِن الذينَ قَالَ اللهُ-تَعَالى-فيهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا).

والعَجَبُ كَلُّ العَجَبِ مِن الذي يَجتَهِدُ في الاختِفَاءِ عَن الأَنظارِ، ويُغلِقُ الأَبوابَ وَيُطفِئُ الأَنوارَ، ثُمَّ يُريدُ أَن يَفعلَ مَا يُغضِبُ الرَّحمَنُ، فَأينَ نَظَرُ اللهِ-تَعالى- والمَلكَينِ؟ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

فَالعِلاجُ هُو مُراقَبةُ اللهِ-عَزَّ وَجلَّ-، والحَياءُ مِن نَظَرِهِ إليكَ والوَجَلُ، وتَجَنَّبْ الخَلوةَ التي يَقَعُ فيها الخَلَلُ، وتَذكَّرْ إذا دَعَتكَ نَفسُكَ إلى الزَّللِ: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، وَرَدِّدْ:

وَإِذَا خَلَوْتَ بِرِيبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ*

                           وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَى الطُّغْيَانِ

فَاَسْتَحْيِ مِنْ نَظَرِ الإِلَهِ وَقُلْ لَهَا*

                           إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَرَانِي

    وإذا غلبك نفسُك وهواك وشيطانُك فعصيتَ ربَّك، فلا تستسلمْ للشيطانِ، إذا قالَ لك: أنتَ من مِنَ الخاسرينَ مِنْ أهل ِالنارِ فاستمرَ على معصيتِك، فقل له: إنَّ ربي قريبٌ مجيبٌ، يغفرُ الذنبَ، ويسترُ العيبُ، ويفرحُ بتوبةِ عبدِه غايةَ الفرحِ، ويُبَدِّلُ السيئاتِ حسناتٍ، وتُبْ دائمًا إلى اللهِ توبةً نصوحًا، ورُدَّ الحقوقَ إلى أهلِها وادعُ واستغفرْ لهم.   

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ.

اللَّهُمَّ اغفرْ لنا وللمسلمينَ، وارحمْنا وارزقْنا.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1722514041_ذنوب الخلوات-27-1-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1722514042_ذنوب الخلوات-27-1-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 939 | التعليقات 0