﴿ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون﴾
عبدالله الغامدي
الخطبة الأولى:
إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إلَيْهِ، ونعوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فلا مضلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن لاَ إلَهَ إلا اللَّهُ وَحَدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون﴾ أما بعد:
يُصوِّر لنا القرآن الكريم مشهد العذراء الطاهرة مريمَ ابنةَ عمران، وهي تمتثَّل أمر ربِّها عندما قال لها على لسان ملائكته: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِين (42) يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين (43)﴾.
فتمتثل الصديِّقةُ أمرَ ربِّها، وتعتزلُ قومَها للعبادة والسجود والطاعة ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ فتبتعدُ عن أهلِها أحبِّ النَّاس إليها؛ من أجل عبادة مولاها والخلوة بربِّها.
ومن شدّة أُنس مريمَ بربِّها لا تقفُ في عزلتها عن الابتعاد بجسدها عن أهلها والناس؛ بل تصلُ بها العبادة والانقطاع إلى مناجاة الله إلى درجة أن تتخذَ حجابًا بينها وبينهم؛ حتى لا تُشغل عينُها برؤية النَّاس ومتابعتِهم عن عبادة ربِّها ومناجاة خالقها: ﴿فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا﴾.
وبينما مريمُ في عزلتِها الإيمانيَّة تركع لربّها وتسجدُ لخالقها وتُسبّح مولاها؛ إذا برجلٍ سَويِّ الجسم، جميل الهيئة، يقتحمُ عليها مكانَ خلوتِها ومحلَّ عزلتِها!
خافت مريمُ العذراءُ على نفسِها، وخشيت أنّ هذا الرجل يُريدُها بسوء في شرفِها أو عفّتها؛ فبادرت الشريفةُ الطَّاهرة بالاحتماء بربِّها فقالت: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ يعني أعتصمُ بالله منك وأستجير به من أن تمسني بسوء، وأذكّرك بالله إن كنت تقيًا تخافُ الله؛ فابتعد عني أيُّها الرجلُ الغريبُ ولا تقربني بسوء.
فلما رأى هذا الرجلُ خوفَها وحياءها؛ كاشفها بحقيقتِه لترتاح وتطمئنّ؛ فقال لها: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا﴾ يا مريمُ لا تقلقي؛ فلست أنا بشرًا يريدُ أن يؤذيكِ أو يمسّك بسوء في شرفك وعفّتك؛ بل أنا الـمَلَكُ جبريل؛ أرسلني الله إليك لأبشّرك بأنَّك ستلدين غلامًا زكيًّا؛ مُطهَّرًا من النقائص ِ والعيوب.
وهنا لم تُفكِّر المرأة العفيفةُ الطاهرة في البِشارة بالولد -مع كون البشارة بالحمل والولد بالنسبة للمرأة هي من أجمل لحظاتها حياتِها-؛ لكن كان عند مريم العذراء أمرٌ هو أهمُّ من ذلك كُلِّه! ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ ؟! نعم كانت قضيةُ السمعةِ والطُهر والشَّرف هي أعظم ما يشغلُ بالَ مريم، فقالت لجبريل: كيف يا جبريلُ يأتيني ولدٌ وأنا امرأة عزباء ما مسَّني زوج؟ كيف يأتيني الولد وأنا امرأة شريفةٌ طاهرة لست من البغايا ولا العاهرات؛ فمن أين يأتيني الولد، والولد لا يأتي إلا بهذا؟!!
فكان كلُّ ما يشغلُ تفكير مريم هو سمعتُها وشرفها وطهارتُها؛ لأنَّها أثمنُ عندها من كلّ شيء.
فأخبرها جبريلُ بأنَّ هذا أمرُ الله وكلُّ شيءٍ عليه هينٌ يسير؛ فإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون: ﴿قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ فكما خلقَ ربُّك آدم من غير أبٍ ولا أم؛ فهو قادرٌ يا مريم على أن يخلق لك ولدًا من دون أبٍ ولا زوج.
ثم بيَّن لها حكمة هذا الأمر، فقال: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ يعني سنجعلك تلدين من دون زوج لقصدٍ وحكمة؛ ليكون في ولادتِه علامة ظاهرة على قدرة الله سبحانه وتعالى؛ لئلا يتعلّق النَّاس بالأسباب فقط، وينسون أنَّ الله هو الذي يضع الأسباب وهو من يزيلها إذا أراد؛ فسيكون في خلق هذا الولد من غير أب علامةٌ على قدرة الله سبحانه؛ ليتعلّق النّاس بربِّ الأسباب أكثر من تعلّقهم بالأسباب.
ثم بشّرها بأنَّ هذا الولد سيكون رحمةً عليها ببرّه بها وطاعته لها، ورحمةً على قومه بدعوتهم وهدايتهم إلى شريعة الله فقال: ﴿وَرَحْمَةً مِّنَّا﴾.
فلما ما بيّن لها الحكمة من هذا الأمر، وبشّرها بهذه البشارة؛ أنهى جبريلُ -عليه السلام- هذا النقاشَ بقوله: ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾ يعني لا مجال الآن للنقاش ولا الحوار يا مريم، بل قُضي الأمر ولا بدّ من تنفيذ أمرِ الله سبحانه.
فنفخ جبريلُ في جيبها، فنزلت النفخة إلى رَحمِها، وحملتْ مريم من ساعتها.
انطلقت مريم بحملها بعيدًا عن أنظار النَّاس؛ خوفًا وحياءً من أسئلتهم المحرجة التي لا تملكُ جوابًا عنها الآن؛ فذهبت إلى مكانٍ قَصيٍّ بعيد؛ لا يراه فيه أحد ولا ترى هي فيه أحدًا؛ حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾.
ظلت مريمُ مدةَ حملها بعيدةً عن أعين النَّاس، متخفيّةً عن أهلها؛ حتى جاءتها ساعة الولادة، ونزل بها ألم الطلق الشديد: ﴿فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ ما تحرَّكت مريمُ من مكان عزلتها، حتى ألجأها المخاض إلى أن تتحرَّك بغير شعورٍ منها من شدِّة التعب والألم، وكأنَّ المخاضَ هو الذي يُسيِّرها ويُحرِّكها وليست هي؛ فما زال الألم يُحرّك مريم ويدفعها دفعًا؛ حتى استقرّ بها السيرُ إلى جذع النخلة، فرمت بنفسها إلى هذا الجذع لتستريح عنده، ثم أطلقت هذه الصرخة، ودعت بهذه الدعوة من شدّة آلام الولادة والطلق وخوف كلام النّاس: ﴿يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾!
تمنت مريمُ الموت مع أنَّها ستلد بعد لحظات ولدًا سيكون من أولي العزم من الرسل.
فلما وصلتْ إلى هذه الحالة من الضعف والخوف والقلق والألم والوهاء النفسي؛ ناداها جبريلُ أو عيسى من تحتِها يُطمأنها: ﴿أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ يا مريم لا تحزني بل ينبغي أن تفرحي؛ لأنَّ الله جعل تحتك سيدًا من السادة وهو عيسى كما قال الله عن عيسى: ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِين﴾.
وحتى تتقوّى مريمُ قليلًا من هذا الألم والضعف الجسدي البالغ الذي يصاحب الولادة قال لها جبريل: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾.
تأمّل قدرة الله تعالى! نخلةٌ عظيمةٌ لا يستطيع على هزها الرجال الأشداء، يأمرُ الله هذه المرأة المعروفة في أصل خلقتِها بالضعف، وهي الآن في أشدّ حالات ضعفها بسبب الولادة؛ يأمرها الله بهزِّ جذعٍ عظيم ليتساقط عليها الرطب! بل لو شآء الله لأنزلها عليها بدون هزّ ولا تحريك، ولكن ليُعلّم عباده أن يأخذوا بالأسباب:
ولو شاء أن تجنيه من غير هزّةٍ *** جنتُه ولكن كلُّ شيء له سبب
﴿فَكُلِي﴾ يا مريمُ من هذا الرطب الذي يتساقط عليك؛ ﴿وَاشْرَبِي﴾ من هذا النهر الذي بجانبك ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ بهذا الولد الذي بين يديك.
كأنَّ الله يقول لها يا مريمُ افرحي بما وهبكَ الله، ولا تنشغلي بما سيُقال عنك؛ فنحنُ من سنبرأك ونُظهر عفّتك وطهرك بمعجزةٍ من عندنا؛ كما رزقناك هذا الولد بمعجزة:
وإذا الرعايةُ لاحظتَك عيونُها *** نم فالمخاوف كُلهنّ أمانُ!
ولعلَّ مريم كانت تقول في نفسها: يا ربّي لو سألني أحدٌ في هذه المدّة عن الولد قبل أن تظهر المعجزة؛ كيف سأدفع التهمة عن نفسي، وماذا سأقول لقومي؟!
فقال الله: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾ يعني إذا رأيتِ أحدًا من قومِك فأشيري إليهم بيدك؛ أنَّك صُمتي وأمسكتي عن الكلام نذرًا لله -وكانت الإمساكُ عن الكلام من العبادات المعروفة عندهم- فلا تدخلي مع قومك في أيِّ نقاشٍ في هذا الوقت؛ بل الزمي السكوت والصمت؛ حتى يجيء الوقتُ الذي سنُظهر براءتك فيه بمعجزةٍ من أعظم المعجزات.
وبعد أن انتهت مريم من فترة النّفاس بعيدةً عن أهلِها وقومها؛ كان لا بدّ لها بعد ذلك أن ترجع إلى قومها، وأن تُكاشف أهلها بهذه الكرامة التي حصلت لها؛ فانطلقت إلى قومِها تحملُ بين يديها هذا الولد الذي جاء من غير أبٍ ولا زوج، تحمله في يدها، وتحمل معها في صدرها همَّ نظرات الأهل، وأسئلة النَّاس، واتهامات القوم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقهِ وامتنانه، وأشهدُ ألا إله إلا الله تعظيمًا لشانه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون﴾ أما بعد:
فلما أقبلت مريمُ عليهم رآها القوم وأخبرتُهم بأنَّه ولدها؛ اشتدّ استغرابهم وعجبهم! كيف ذلك يا مريم وأنتِ البتول العذراء الطاهرة التي كنّا نظنك مثلًا لنا في العبادة وقدوةً لبناتنا في الحياء والعفّة والطهارة؛ كيف تأتين لنا بعد هذه السنوات كُلّها بولدٍ من السفاح والزنا!! ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾!
والعجيبُ يا مريم أنَّ عائلتكم عائلةٌ صالحة ليست معروفةً بهذه الأعمال السيئة؛ فأخوك هارون رجلٌ صالح، وأبوك رجلٌ غيرُ معروفٍ بالسوء، وأُمّك ما كانت من زانيةً من البغايا؛ ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ فكيف تفعلين ما يُناقض أفعال هذه العائلة المعروفة بالصلاح والتقوى!
فما كلمتُهم مريم بكلمةٍ واحدة، بل أشارت إلى ولدها وصبيِّها الذي في المهد: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾؟!
فازداد عجبهم، وعَظُم استغرابهم! كيف تأمريننا يا مريم أن نكلّم صبيًا في المهد، وأنتِ تعلمين أنّ الصبيان لا يتكلمون في هذا الوقت!
هل تهزأين وتشمتين بنا يا مريم؟! أم تريدين أن تتخلّصي من التهمة بأيّ وسيلةٍ وطريقة؟!
فإذا بالمعجزة تتحقّق، وإذا بالطفل الرضيع ينطقه الله -الذي هو على كل شيء قدير- ولو نطقَ هذا الصبيُّ بأيِّ كلامٍ لكان معجزةً من المعجزات؛ فكيف وهم يسمعون هذا الصبيّ في المهد ينطقُ بهذه الكلمات العظيمة: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ هذه أول كلمة قالها عن نفسِه، وعرَّف بها نفسِه -وهي أشرف كلمة يُعرِّف بها الإنسان ذاتَه- فلم يقل إني ابنُ الله، ولم يقل إني ثالث ثلاثة من الآلهة، ولم يقل إني الله، بل قال: عبدُ الله.
وإنما ميزتي التي خصَّني بها وميّزني عليكم بها في الدين أنَّه: ﴿آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ يعني قضى لي بنعمة الكتاب والنبوة، ثُمَّ أخبر عيسى بعد ذلك بعددٍ من النعم الأخرى الخاصَّة التي منَّ الله بها عليه، فقال: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾ أي: جعلني كثير النفع للنّاس؛ أرحمهم وأعينهم وأساعدهم وأدلهم على الخير أينما كنت وحيثُما حللت.
﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ وأوصاني ربّي أن أشكر هذه النعم العظيمة بالمحافظة على الصلاة في أوقاتِها، وأداء الزكاة الواجبة في المال؛ مدةَ دوامي حيًا.
﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ وأوصاني ربّي بأن أكون عظيم البرّ بوالدتي؛ أقوم بشؤونها، وأطيع أوامرها، وأسارع في مرضاتِها، ولم يجعلني ربّي من الجبّارين الأشقياء الذين يسيئون إلى ولاداتهم بأقوالهم، أو يعقّون أمهاتهم بأفعاله ﴿وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.
ثُمّ أسدل الله الستار عن الخلاف والنقاش والجدال في عيسى ’ بعد هذا البيان الشافي الكافي في حقيقة عيسى ابن مريم -عليه السلام-، فقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُون﴾ نعم هذا هو عيسى وهذه حقيقتُه؛ هو عبدٌ من عباد الله، أكرمه الله بالولادة من غير أب، ومنَّ عليه بالرسالة والنبوة.
ليس هو دونَ هذه المرتبة؛ بأن يكون ولد زنا كما يقوله اليهود -قبّحهم الله-، وليس هو فوق مرتبة العبوديّة بأن يُجعل إلهًا أو ابنًا للإله كما يقوله النّصارى -تعالى الله عمّا يقولون علوًا كبيرًا-.
ثُمَّ ختمَ الله هذا البيان العظيم؛ بتنزيه نفسِه عن هذه المقالة الفاجرة من نسبة الولد إليه؛ فقال: ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ﴾ سبحان الله وتعالى عن الولد؛ كيف يتخذُ الله ولدًا وهو غيرُ محتاجٍ إلى أحدٍ من خلقه؟
كيف يتخذُ الله الولد، والأبُ لا يريد الولد إلى للحاجة، وربُّنا سبحانه تعالى منزَّهٌ أن يكون له حاجةٌ إلى أحدٍ من خلقه، أو أن يكون بينه وبين أحد من مخلوقاته نسبٌ أو قرابة، بل كلُّ الخلق محتاجون إليه، وجميع -بما فيهم عيسى- سيأتونه يوم القيامة فُرادى كما خلقَهم أولَ مرة؟!
فسبحان الله وتعالى عمّا يقولون علوًا كبيرًا، والسلام على عبد الله ونبيِّه عيسى، يوم وُلِدَ، ويوم يموتُ، ويومَ يُبعثُ حيًّا.
هذا وصلّوا وسلّموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه...
المرفقات
1735227869_خطبة حقيقة عيسى عليه السلام.docx
1735227885_خطبة حقيقة عيسى عليه السلام.pdf