خطبة : ( عيد الفطر 1431 )

عبدالله البصري
1431/09/29 - 2010/09/08 01:27AM
الخطبة الأولى :


اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ ...

الحَمدُ للهِ ، خَلَقَ فَسَوَّى ، وَقَدَّرَ فَهَدَى ، وَأَغنَى وَأَقنَى ، أَعطَى خَيرًا وَأَتَمَّ سُرُورًا ، وَكَفَى ضَيرًا وَدَفَعَ شُرُورًا ، بَلَّغَنَا شَهرَ رَمَضَانَ ، وَوَفَّقَنَا فِيهِ لِلطَّاعَةِ وَالإِحسَانِ ، وَسَتَرَ مَا كَانَ مِنَّا مِن تَقصِيرٍ وَعِصيَانٍ ، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، يُعطِي عَلَى القَلِيلِ الكَثِيرَ ، وَيَعفُو عَنِ الزَّلَلِ وَالتَّقصِيرِ ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسولُهُ البَشِيرُ النَّذِيرُ وَالسِّرَاجُ المُنِيرُ ، أَرسَلَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا ، وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا ...

اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ في الإِسرَارِ وَالإِعلانِ ، وَمَخَافَتِهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ في الإِظهَارِ وَالإِبطَانِ ، فَإِنَّ تَقوَاهُ عُروَةٌ لا تَنفَصِمُ وَحَبلٌ لا يَنصَرِمُ ، وَطَرِيقٌ مَن سَلَكَهَا رَشَدَ وَاهتَدَى ، وَمَن جَانَبَهَا ضَلَّ السَّبِيلَ وَتَرَدَّى .

أَلا إِنَّ تَقوَى اللهِ أَكرَمُ نِسبَةٍ *** تَسَامَى بهَا عِندَ الفِخَارِ كَرِيمُ
إِذَا أَنتَ نَافَسْتَ الرِّجَالَ عَلَى التُّقَى *** خَرَجْتَ مِنَ الدُّنيَا وَأَنتَ سَلِيمُ

اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد خَلَقَ اللهُ الخَلائِقَ فَجَعَلَهُم أَقسَامًا : مَلائِكَةٌ لا اختِيَارَ لَهُم فِيمَا يَأتُونَ ، بَل هُم عَلَى الطَّاعَةِ مَجبُولُونَ " لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ "
وَحَيَوَانَاتٌ عَجمَاوَاتٌ لا عَقلَ لَهَا وَلا تَميِيزَ ، وَلا تَفرِيقَ لَدَيهَا بَينَ خَيرٍ نَافِعٍ وَشَرٍّ ضَارٍّ ، وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِشَهَوَاتِهَا وَنَزَوَاتِهَا ، وَمِن ثَمَّ فَلا تَكلِيفَ عَلَيهَا وَلا حِسَابَ .

وَقِسمٌ ثَالِثٌ كَرَّمَهُ اللهُ وَرَفَعَهُ ، فَوَهَبَهُ العَقلَ وَكَمَّلَهُ بِهِ وَجَمَّلَهُ ، وَجَعَلَ لَهُ القُدرَةَ عَلَى الاختِيَارِ وَهَدَاهُ النَّجدَينِ ، وَهَؤُلاءِ هُمُ الَّذِينَ خَلَقَهُمُ اللهُ لِعِبَادَتِهِ مِنَ الإِنسِ وَالجِنِّ " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ "

ثُمَّ إِنَّهُ ـ تَعَالى ـ رَفَعَ جِنسَ بَني الإِنسَانِ وَفَضَّلَهُم عَلَى غَيرِهِم مِنَ الخَلائِقِ ، فَجَعَلَ مِنهُم رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَلَقَد كَرَّمنَا بَني آدَمَ وَحَمَلنَاهُم في البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلاً "

غَيرَ أَنَّ هَذَا التَّفضِيلَ وَالتَّكرِيمَ وَالتَّشرِيفَ ، قُرِنَ بِثِقَلِ الأَمَانَةِ وَقُوبِلَ بِمَشَقَّةِ التَّكلِيفِ ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلْنَهَا وَأَشفَقْنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً "

لَقَد أَبَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ حَملَ الأَمَانَةِ لِثِقَلِهَا ، وَأَشفَقنَ مِنهَا وَاعتَذَرْنَ وَلم يُطِقْنَهَا ، وَأَطَاقَ حَمَلَهَا الإِنسَانُ وَتَقَبَّلَهَا وَكَانَ أَهلاً لَهَا ، لا لأَنَّهُ أَكبرُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ جِرمًا ، وَلا لأَنَّهُ أَقوَى تَحَمُّلاً أَو أَشَدُّ عَزمًا ، وَإِنَّمَا لأَنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ أَعطَاهُ العَقلَ وَالتَّفكِيرَ ، وَوَهَبَهُ التَّميِيزَ وَالاختِيَارَ ، وَأَنزَلَ عَلَيهِ الكُتُبَ وَأَرسَلَ إِلَيهِ الرُّسُلَ ، فَقَامَت عَلَيهِ بِذَلِكَ الحُجَّةُ وَاتَّضَحَت لَهُ المَحَجَّةُ .

غَيرَ أَنَّ الخَلِيقَةَ انقَسَمُوا حِيَالَ الأَمَانَةِ الَّتي حُمِّلُوهَا إِلى أَقسَامٍ ثَلاثَةٍ : مُنَافِقُونَ مُدَاهِنُونَ ، وَمُشرِكُونَ جَاحِدُونَ ، وَمُؤمِنُونَ مُقِرُّونَ ، فَأَمَّا المُنَافِقُونَ وَالمُشرِكُونَ فَهُمُ الظَّلَمَةُ الجُهَلاءُ ، إِذْ قَامَ المُنَافِقُونَ بِالأَمَانَةِ ظَاهِرًا وَخَانُوهَا بَاطِنًا ، وَتَرَكَهَا المُشرِكُونَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَ" إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ " وَلِذَلِكَ كَانُوا مُعَذَّبِينَ مُبعَدِينَ ، وَأَمَّا المُؤمِنُونَ المُوَفَّقُونَ لِلعِلمِ وَالعَدلِ ، فَاتَّقُوا رَبَّهُم وَأَطَاعُوهُ وَاتَّبَعُوا رُسُلَهُ ، وَقَامُوا بِالأَمَانَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، فَهُم لِذَلِكَ فَائِزُونَ فَوزًا عَظِيمًا ، مَرحُومُونَ مَتُوبٌ عَلَيهِم " وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا " عَلِيمٌ بمن هُوَ أَهلٌ لِلإِيمَانِ فَيَقذِفُهُ في قَلبِهِ وَيَزِيدُهُ مِنهُ ، حَكِيمٌ فِيمَا يُقَدِّرُ وَيَخلُقُ وَيَصنَعُ " وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبحَانَ اللهِ وَتَعَالى عَمَّا يُشرِكُونَ . وَرَبُّكَ يَعلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُم وَمَا يُعلِنُونَ . وَهُوَ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الحَمدُ في الأُولى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكمُ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ "

اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِن أَعظَمِ مَا حُمِّلَ الإِنسَانُ أَمَانَةَ الفِطرَةِ الَّتي فَطَرَهُ اللهُ عَلَيهَا ، وَأَخَذَ عَلَيهِ العَهدَ بها وَهُوَ في ظَهرِ أَبِيهِ ، وَعَلَيهَا يَخرُجُ مِن بَطنِ أُمِّهِ " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى شَهِدنَا أَن تَقُولُوا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غَافِلِينَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ "
إِنَّهُ الإِسلامُ ، دِيَنُ اللهِ الَّذِي آثَرَنَا بِهِ وَارتَضَاهُ لَنَا " اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا "
إِنَّهُ الدِّينُ الَّذِي اختَارَهُ اللهُ لَنَا لِنَكُونَ خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ ، نَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَنَنهَى عَن المُنكَرِ وَنُؤمِنُ بِاللهِ .
بِإِحيَائِهِ في قُلُوبِنَا نَحيَا أَهنَأَ حَيَاةٍ وَأَشرَفَهَا ، وَبِتَعظِيمِ شَعَائِرِهِ وَحِفظِ حُدُودِهِ ، نَكُونُ عُظَمَاءَ وَيُعِزُّنَا اللهُ وَيَحفَظُنَا " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "
" ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ "
وَقَد جُعِلَت لَنَا في الدِّينِ فَرَائِضُ لِنَحفَظَها ونُؤَدِّيَهَا ، وَحُدَّت لَنَا حُدُودٌ لِئَلاَّ نَتَعَدَّاهَا وَنَتَجَاوَزَهَا ، وَأُمِرنَا وَنُهِينَا لِنَسمَعَ وَنُطِيعَ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا ، وَحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعتَدُوهَا ، وَحَرَّمَ أَشيَاءَ فَلا تَنتَهِكُوهَا ، وَسَكَتَ عَن أَشيَاءَ رَحمَةً لَكُم غَيرَ نِسيَانٍ فَلا تَسأَلُوا عَنهَا "
وَقَد جَعَلَ ـ سُبحَانَهُ ـ دِينَهُ طَرِيقًا قَوِيمًا وَاحِدًا " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
ثم جَعَلَ ـ سُبحَانَهُ ـ عِلمَ مَا في هَذَا الطَّرِيقِ وَكَيفِيَّةَ سُلُوكِهِ وَالنَّجَاةَ في نِهَايَتِهِ مَربُوطَةً بما جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ " مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَد أَطَاعَ اللهَ "
" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا "
إِنَّهُ الأُسوَةُ الحَسَنَةُ وَالقُدوَةُ المُثلَى ، مَن أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَن عَصَاهُ فَقَد أَبى ، الخَيرُ وَالهُدَى في امتِثَالِ أَمرِهِ ، وَالسَّلامَةُ مِنَ الرَّدَى بِالسَّيرِ عَلَى سُنَّتِهِ ، وَالشَّرُّ وَالضَّلالَةُ في مُخَالَفَتِهِ ، وَالفِتَنُ وَالفُرقَةُ في تَنَكُّبِ طَرِيقَتِهِ " فَلْيَحذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ "

ذَلِكُم هُوَ الأَصلُ القَوِيمُ وَالمَبدَأُ العَظِيمُ ، الَّذِي تَنبَثِقُ مِنهُ سَائِرُ الأَمَانَاتِ ، إِنَّهُ الإِخلاصُ للهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ ، إِنَّهُ امتِثَالُ الأَوَامِرِ وَاجتِنَابُ المَنَاهِي ، فَمَن لَزِمَ ذَلِكَ الأَصلَ وَسَارَ عَلَيهِ ، وَحَفِظَ حَقَّ اللهِ وَحَقَّ رَسُولِهِ ، حَفِظَ حُقُوقَ عِبَادِهِ بَعدَ ذَلِكَ ، فَأَدَّى الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا وَرَدَّ الوَدَائِعَ ، وَكَتَمَ أَسرَارَ النَّاسِ وَسَتَرَ عُيُوبَهُم ، وَحَكَمَ بِالعَدلِ وَتَرَكَ التَّطفِيفَ ، وَابتَعَدَ عَنِ الغِشِّ وَاتَّقى الظَّلمَ ، وَأَحَبَّ لِلآخَرِينَ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا إِيمَانَ لِمَن لا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلا دِيَنَ لِمَن لا عَهدَ لَهُ "

اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِن أَعظَمِ الأَمَانَاتِ الوَاجِبَةِ وُجُوبَ عَينٍ عَلَى كُلِّ فَردٍ في هَذَا الزَّمَانِ ، حِمَايَةُ المُجتَمَعِ مِنَ الفَسَادِ ، وَجِهَادُ أَهلِ الإِضلالِ وَالإِفسَادِ ، وَهِيَ الأَمَانَةُ العَظِيمَةُ وَالمَسؤُولِيَّةُ الجَسِيمَةُ ، الَّتي يُؤَكِّدُهَا مَا لم يَعُدْ خَافِيًا عَلَى عَاقِلٍ وَلا يَشُكُّ فِيهِ إِلاَّ جَاهِلٌ أَو غَافِلٌ ، مِن أَنَّ مُجتَمَعَاتِ المُسلِمِينَ مُستَهدَفَةٌ ، مُرَادٌ لَهَا أَن تُلقِيَ ثَوبَ التَّدَيُّنِ وَتَنزِعَ زِينَةَ الاستِقَامَةِ ، وَأَن تَخلَعَ رَدَاءَ الفَضِيلَةِ وَتَغُوصَ في أَوحَالِ الرَّذِيلَةِ ، يَعمَلُ عَلَى ذَلِكَ يَهُودٌ مَغضُوبٌ عَلَيهِم وَنَصَارَى ضَالُّونَ ، وَآخَرُونَ مِن دُونِهِم مِنَ المُنَافِقِينَ ، لا يَعلَمُهُم كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، حَسَدُوا هَذَا المُجتَمَعَ عَلَى نِعمَةِ الأَمنِ وَالإِيمَانِ ، وَلم يُعجِبْهُم مَا هُوَ فِيهِ مِن رَغَدِ عَيشٍ وَاتِّفَاقِ رَأيٍ وَاجتِمَاعِ كَلِمَةٍ ، حَسَدُوه عَلَى مَا تَتَمَتَّعُ بِهِ نِسَاؤُهُ مِن تَسَتُّرٍ وَاحتِشَامٍ ، حَسَدُوهُ لأَنَّ أَحكَامَهُ تَنطَلِقُ مِن كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَحُرِّيَّتَهُ مَضبُوطَةٌ بِضَوَابِطِ الشَّرعِ ، فَلا جَورَ وَلا ظُلمَ ، وَلا فَوَاحِشَ وَلا عُهرَ ، بَل عَدلٌ وَقِسطٌ ، وَنَزَاهَةٌ وَطُهرٌ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد خَطَّطُوا بَل شَرَعُوا فِيمَا يَهدِفُونَ إِلَيهِ مِن إِضعَافِ الدِّينِ في قُلُوبِنَا قَبلَ أَن يُعِدُّوا لالتِهَامِنَا كَمَا فَعَلُوا بِمَن حَولَنَا " قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبرُ قَد بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُم تَعقِلُونَ "
وَإِنَّ مَا رَأَينَاهُ وَشَهِدنَاهُ ، مِن تَعَالي وَتِيرَةِ الإِفسَادِ في المُجتَمَعِ ، وَتَنَوُّعِ أَسَالِيبِ المُفسِدِينَ ، وَتَعَدُّدِ مُحَاوَلاتِ المُحتَالِينَ ، وَقَصدِهِم أَعلَى رُمُوزِهِ وَأَقوَى حَامِلِي أَمَانَتِهِ ، مِنَ العُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَطَلَبَةِ العِلمِ ، وَإِظهَارِهِم بِطُرُقٍ إِعلامِيَّةٍ مَاكِرَةٍ بِمَظهَرِ المُتَنَاقِضِينَ في آرَائِهِم ، وَإيقَاعِ مَن ضَعُفَ مِنهُم في مَصَائِدِ الشُّهرَةِ وَحُبِّ الظُّهُوزِ ، وَاتِّخَاذِهِ مَطِيَّةً لِتَضيِيعِ الأَمَانَةِ وَخِيَانَةِ الدِّيَانَةِ ، إِنَّهُ لأَمرٌ مُفزِعٌ وَخَلْطٌ مُرَوِّعٌ ، فَهَل تَرُوجُ عَلَينَا ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ حِيَلُ المُحتَالِينَ وَنَقَعُ في حَبَائِلِ المُتَرَبِّصِينَ ؟!
هَل نَغدُو فَرِيسَةً سَهلَةً لِقَنَوَاتٍ مُوَجَّهَةٍ لإِضلالِنَا وَصُحُفٍ مُسَلَّطَةٍ لإِفسَادِنَا ؟!
هَل يَذكُرُ التَّأرِيخُ يَومًا أَنَّنَا أُمَّةٌ ضَلَّت بِسَبَبِ كَلِمَةِ جَاهِلٍ مُغَفَّلٍ أَو لَحنِ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ ؟!
إِنَّنَا لَفِي سَنَوَاتٍ خَدَّاعَاتٍ ، صُدِّقَ فِيهَا الكَاذِبُ وَكُذِّبَ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَائتُمِنَ فِيهَا الخَائِنُ وَخُوِّنَ فِيهَا الأَمِينُ ، وَنَطَقَ فِيهَا الرُّوَيبِضَةُ التَّافِهُ ، وَتَكَلَّمَ في أَمرِ العَامَّةِ صَحَفِيُّونَ جَهَلَةٌ وَإِعلامِيُّونَ فَسَقَةٌ ، وَنَقَدَ الأُمَّةَ مُمَثِّلُونَ حَمقَى طَائِشُونَ ، فَوَا عجبًا لأُمَّةٍ تَنقَادُ لِهَذَا الغُثَاءِ ولا تُنكِرُهُ ، تَضحَكُ وَالعَدُوُّ يَضحَكُ بها ، وَتَلهُو وَهُوَ يَتَرَبَّصُ بها ، لَقَد كَانَتِ الأُمَّةُ وَمَا زَالَت تَدعُو عَلَى مَن خَانُوهَا وَكَانُوا سَبَبًا في سُقُوطِ عَدَدٍ مِن دُوَلِهَا ، مِن لَدُنْ بَني العَبَّاسِ وَمُرُورًا بِالأَندُلَسِ ، وَانتِهَاءً بِخِلافَةِ بَني عُثمَانَ ؟ فَمَاذَا نَقُولُ عَن أُولَئِكَ المُتَعَالِمِينَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ إِضَاعَةَ الشَّرِيعَةِ في بَلَدِ الشَّرِيعَةِ ؟
بمَاذَا نَصِفُ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقُودُونَ المُجتَمَعَ لأَكلِ الحَرَامِ بِسَنِّ الرِّبَا وَتَشرِيعِ التَّأمِينِ المُحَرَّمِ ؟!
أَو مَن يَعمَلُونَ لَيلَ نَهَارَ عَلَى إِخرَاجِ نِسَائِهِ لِسُوقِ العَمَلِ المُختَلِطِ أَو دَعوَتِهِنَّ لِقِيَادَةِ السَّيَّارَاتِ أَوِ ابتِعَاثِهِنَّ لِلدِّرَاسَةِ في دُوَلِ الكُفرِ ؟!
مَاذَا يُقَالُ عَمَّن أَضَاعَ أَمَانَةَ اللهِ في وِزَارَتِهِ أَو إِدَارَتِهِ أَو مُؤَسَّسَتِهِ ؟!
مَاذَا يُقَالُ عَمَّن أَضَاعَ فَرَائِضَ اللهِ في نَفسِهِ وَأَبنَائِهِ وَبَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ ؟!
أَلا يَحِقُّ لِلجِيلِ الَّذِي سَيَلِينَا أَن يَصِمُونَا بِالخِيَانَةِ وَيَصِفُونَا بِقِلَّةِ الدِّيَانَةِ ، إِذْ نَكَصنَا عَلَى أَعقَابِنَا بَعدَئِذْ هَدَانَا اللهُ وَتَهَاوَنَّا بِدِينِنَا ، وَتَرَكنَا المُحكَمَ وَنَزَعنَا لِلمُتَشَابِهِ ، وَزَهِدنَا في فَتَاوَى أَهلِ العِلمِ الرَّاسِخِينَ وَطِرنَا فَرَحًا بِفَتَاوَى أَهلِ الشُّذُوذِ وَالمُنتَكِسِينَ ؟!
لَئِن كَانَت مَسؤُولِيَّةُ نَشرِ العِلمِ وَحَملِ أَمَانَةِ الدَّعوَةِ وَحِمَايَةِ جَنَابِ الشَّرِيعَةِ تَعني أَهلَ العِلمِ الَّذِينَ أَخَذَ اللهُ عَلَيهِمُ المِيثَاقَ لِيُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ وَلا يَكتُمُوا ، فَإِنَّ هَذَا لا يُعفِينَا عَامَّةً مِنَ المَسؤُولِيَّةِ ، فَمَن لا يَملِكُ عِلمًا فَقَد يَملِكُ مَالاً ، وَمَن لا يَملِكُ عِلمًا وَلا مَالاً فَقَد يَملِكُ رَأيًا ، وَاللهُ قَد أَمَرَ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَنَهَى عَن التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ ، وَ" إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولا "
وَ" كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ "
وَ" إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلاً أَن يُتقِنَهُ "
وَلَن تَزُولَ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ ؟ وَالسُّؤَالُ سَيَكُونُ عَمَّا جَاءَ بِهِ المُرسَلُونَ لا عَن ضَلالاتِ المُتَعَالِمِينَ مِنَ المُفتِينَ " وَيَومَ يُنَادِيهِم فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبتُمُ المُرسَلِينَ . فَعَمِيَت عَلَيهِمُ الأَنبَاءُ يَومَئِذٍ فَهُم لا يَتَسَاءَلُونَ . فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ المُفلِحِينَ "
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنُنْفِقْ جُهُودَنَا وَعُقُولَنَا وَعُلُومَنَا وَأَوقَاتَنَا وَأَموَالَنَا الَّتي ائتَمَنَنَا اللهُ عَلَيهَا ، لِنُنْفِقْهَا في دَعوَةِ النَّاسِ لِلخَيرِ ، وَلْنَبذُلْهَا في بَيَانِ الحَقِّ لهم ، وَلْنَحذَرْ مِن أَن نُضِيعَ أَمَانَاتِنَا طَاعَةً لِلشَّيطَانِ وَاتِّبَاعًا لِخُطُوَاتِهِ ، فَـ" إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ حَفِظَ أَم ضَيَّعَ حَتَّى يَسأَلَ الرَّجُلَ عَن أَهلِ بَيتِهِ "
فَلْيَنظُرْ كُلٌّ مِنَّا إِلى مَا تَحتَ يَدِهِ مِن أَمَانَةٍ عَامَّةٍ أَو خَاصَّةٍ فَلْيَحفَظْهَا وَلْيَرْعَهَا ، زَوجَةً كَانَت أَو أَولادًا ، أَو عَمَلاً لِلدَّولَةِ أَو مَالاً عَامًّا ، أَو وِلايَةً أَو مَنصِبًا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لما يُحيِيكُم وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرُونَ . وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوَا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ . وَاذكُرُوا إِذ أَنتُم قَلِيلٌ مُستَضعَفُونَ في الأَرضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُم وَأَيَّدَكُم بِنَصرِهِ وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ . وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .




الخطبة الثانية :

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

اللهُ أَكبرُ كَبِيرًا ، والحَمدُ للهِ كَثِيرًا ، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً .

أُمَّةَ الإِسلامِ ، وَدَّعتُم شَهرًا كَرِيمًا وَخَلَّفتُم مَوسِمًا عَظِيمًا ، حِيلَ بَينَ قَومٍ وَبَينَ إِدرَاكِهِ ، وَاختَرَمَتِ المَنُونُ نُفُوسًا وَلَمَّا تُكمِلْهُ ، وَبَلَغنَاهُ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ ، فَتَقَبَّلَ اللهُ ممَّن أَقبَلَ مِنَّا عَلَى الخَيرِ وَأَكثَرَ ، وَحَقَّقَ رَجَاءَ مَن صَبَرَ وَصَابَرَ ، وَأَحسَنَ عَزَاءَ مِن فَرَّطَ وَتَأَخَّرَ . وَاللهُ ـ تَعَالى ـ يَقُولُ : " يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم ، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحمَدِ اللهَ ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ "
أَلا فَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ـ وَأَقبِلُوا عَلَيهِ بِقُلُوبٍ صَادِقَةٍ وَقَوَالِبَ نَظِيفَةٍ .
إِنَّ يَومَكُم هَذَا يَومُ عِيدٍ ، فَأَتِمُّوا فَرحَتَهُ وَسَعَادَتَهُ بِالتَّوَاصُلِ وَالبِرِّ وَالإِحسَانِ ، تَزَاوَرُوا وَصِلُوا أَرحَامَكُم ، وَعُودُوا مَرضَاكُم وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم ، وَابسُطُوا أَيدِيَكُم بِالخَيرِ ومُدُّوهَا بِالعَونِ لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ ، وَامسَحُوا عَلَى رُؤُوسِ الأَيتَامِ وَالمَكرُوبِينَ ، وَ" ارحَمُوا مَن في الأَرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّمَاءِ "

أَخِي المُسلِمَ الكَرِيمَ ، يَا مَن قَطَعتَ وَصَرَمتَ ، وَوَالَيتَ في الدُّنيَا وَعَادَيتَ ، وَتَكَدَّرَت لأَجلِهَا وَصافَيتَ ، يَا مَن طَالَ لأَخِيكَ هَجرُكَ ، إِلى مَتَى هَذَا الجَفَاءُ وَالجَفوَةُ ؟ مَتَى تُفِيقُ مِنَ هَذَا العَمَاءِ وَالغَفوَةِ ؟

أَخِي مَا بَالُ قَلبِكَ لَيسَ يَنقَى *** كَأَنَّكَ لا تَظُنُّ المَوتَ حَقَّا
أَلا يَا بنَ الَّذِينَ مَضَوا وَبَادُوا *** أَمَا وَاللهِ مَا ذَهَبُوا لِتَبقَى
وَمَا أَحَدٌ بِزَادِكَ مِنكَ أَحظَى *** وَمَا أَحَدٌ بِزَادِكَ مِنكَ أَشقَى
وَمَا لَكَ غَيرَ تَقوَى اللهِ زَادٌ *** إِذَا جَعَلتَ إِلى اللَّهَوَاتِ تَرقَى

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

أُمَّةَ الإِسلامِ ، أَعيَادُنَا مُتَمَيِّزَةٌ عَن أَعيَادِ البَشَرِ ، لَيسَت لِمَولِدِ عَظِيمٍ وَلا لِمَوتِ كَبِيرٍ ، وَلا لِتَوَلِّي مَلِكٍ وَلا لِعَزلِ رَئِيسٍ ، وَلا هِيَ تَحَلُّلاً مِن قُيُودِ الشَّرعِ وَلا طَيًّا لِبِسَاطِ العِبَادَةِ ، وَلا هَدمًا لِبَنَاءِ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ أَو تَفَلُّتًا مِنَ الطَّاعَةِ ، وَلَيسَت فُرصَةً لإِطلاقِ الجَوَارِحِ في المُنكَرَاتِ ، أَو تَمكِينًا لِلنُّفوسِ لاقتِرَافِ مَا حَرَّمَ اللهُ مِن اختِلاطٍ أَو غِنَاءٍ أَو فَاحِشٍ مِنَ القَولِ وَالعَمَلِ ، وَلَكِنَّهَا فَرَحٌ شَرعِيٌّ بِإِكمَالِ العِبَادَاتِ ، وَمِن ثَمَّ فَهِيَ في ذَاتِهَا عِبَادَاتٌ ، يُفرَحُ فِيهَا الفَرَحَ المَشرُوعَ في الحُدُودِ المَعقُولَةِ ، وَتُضبَطُ النُّفُوسُ فِيهَا بِضَوَابِطِ الشَّرعِ ، فَالحذَرَ الحَذَرَ مِن مُبَارَزَةِ اللهِ بِالمعَاصِي والمُنكَراتِ في هَذَا اليَومِ العَظِيمِ ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الأَشَرِ وَالبَطَرِ وَتَبدِيدِ النِّعَمِ ، فَإِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم .

اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

يَا نِسَاءَ المُؤمِنِينَ ، أَكَرَمَكُنَّ اللهُ بِأَن أَوجَبَ عَلَى الرِّجَالِ القِيَامَ عَلَيكُنَّ وَالنَّفَقَةِ ، وَأَمَرَكُنَّ بِأَن قَالَ : " وَقَرنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ " فَارْضَينَ بما قَسَمَ اللهُ لَكُنَّ طَاعَةً لَهُ حَيثُ قَالَ : " وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم " أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَأَطِعْنَ الأَزوَاجَ وَاحفَظْنَ فُرُوجَكُنَّ ، وَرَبِّينَ مَن تَحتَ أَيدِيكُنَّ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِن أَكبرِ مَا تَحَمَّلْتُنَّ ، فَإِن حَفِظْتُنَّ فَأَبشِرْنَ ، فَإِنَّهُ لا جَزَاءَ لَكُنَّ دُونَ الجَنَّةِ ، وَإِنْ أَضَعتُنَّ فَقَد عَلِمْتُنَّ الجَزَاءَ ، قَالَ نَبِيُّكُنَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا صَلَّتِ المَرأَةُ خَمسَهَا ، وَصَامَت شَهرَهَا ، وَحَصَّنَت فَرجَهَا ، وَأَطَاعَت زَوجَهَا ، قِيلَ لها : ادخُلِي الجَنَّةَ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ شِئتِ "
حَذَارِ مِنَ التَّزَيُّنِ بما حَرَّمَ اللهُ ؛ فَإِنَّ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لَعَنَ الوَاشِمَاتِ وَالمُستَوشِمَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلحُسنِ المُغَيِّرَاتِ خَلقَ اللهِ ...
إِيَّاكُنَّ وَالخَلوةَ بِالأَجَانِبِ مِن سَائِقٍ أَو بَائِعٍ أَو قَرِيبٍ أَو جَارٍ ، أَو مُصَافَحَةَ مَن لَيسَ بِمَحرَمٍ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا خَلا رَجُلٌ بِامرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيطَانُ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِيَّاكُم وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ : أَفَرَأَيتَ الحَموَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " الحَموُ المَوتُ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لأَن يُطعَنَ في رَأسِ أَحَدِكُم بِمِخيَطٍ مِن حَدِيدٍ خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ لَهُ "
لا تَكُنَّ ممَّن يَتَسَتَّرنَ بِضَيِّقٍ أَو شَفَّافٍ ، أَو يَتَعَطَّرنَ أَمَامَ الرِّجَالِ ، فَيَنطَبِقَ عَلَيكُنَّ قَولُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " صِنفَانِ مِن أَهلِ النَّارِ لم أَرَهُمَا ، قَومٌ مَعَهُم سِيَاطٌ كَأَذنَابِ البَقَرِ يَضرِبُونَ بها النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُؤُوسُهُنَّ كَأَسنِمَةِ البُختِ المَائِلَةِ ، لا يَدخُلنَ الجَنَّةَ وَلا يَجِدنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا "
وَقَولُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَيُّمَا امرَأَةٍ استَعطَرَت فَمَرَّت عَلَى قَومٍ لِيَجِدُوا مِن رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ "

عِبَادَ اللهِ ، اِتَّقُوا اللهَ وَاستَعِدُّوا لِلِقَائِهِ ، وَاطلُبُوا مَا عِندَهُ وَازهَدُوا فِيمَا سِوَاهُ " اِعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموَالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ . سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
المشاهدات 6651 | التعليقات 7

20100510234435.jpg

4350987.gif


(وَقِسمٌ ثَالِثٌ كَرَّمَهُ اللهُ وَرَفَعَهُ ، فَوَهَبَهُ العَقلَ وَكَمَّلَهُ بِهِ وَجَمَّلَهُ ، وَهم خَلْقُهُ مِنَ الإِنسِ وَالجِنِّ, " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ ",وَقد جَعَلَ لَهُم القُدرَةَ عَلَى الاختِيَارِ، إنّه الإبتلاء, (لنبلوكم أيّكم أحسن عملا )
جزاك الله خير الجزاء وأوفره


وهذه إعادة للخطبة بنوع من الاختصار أو الاختزال .

لأن بعض خطبائنا يشكو من التطويل ، حتى لو أعطيته خطبة من صفحة لقال : أطلت فهلاَّ قصَّرت .

فدونكم الاختصار أو الاختزال ، والله هو الموفق والهادي :

الحَمدُ للهِ ، خَلَقَ فَسَوَّى ، وَقَدَّرَ فَهَدَى ، وَأَغنَى وَأَقنَى ، أَعطَى خَيرًا وَكَفَى ضَيرًا ، بَلَّغَنَا شَهرَ رَمَضَانَ ، وَوَفَّقَنَا فِيهِ لِلطَّاعَةِ وَالإِحسَانِ ، وَسَتَرَ مَا كَانَ مِنَّا مِن تَقصِيرٍ وَعِصيَانٍ ، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسولُهُ ، مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا فَوزًا عَظِيمًا ، وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا ... اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ فَإِنَّ تَقوَاهُ عُروَةٌ لا تَنفَصِمُ وَحَبلٌ لا يَنصَرِمُ ، وَطَرِيقٌ مَن سَلَكَهَا رَشَدَ وَاهتَدَى ، وَمَن جَانَبَهَا ضَلَّ السَّبِيلَ وَتَرَدَّى .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد رَفَعَ اللهُ بَني الإِنسَانِ وَفَضَّلَهُم عَلَى غَيرِهِم " وَلَقَد كَرَّمنَا بَني آدَمَ وَحَمَلنَاهُم في البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلاً " غَيرَ أَنَّ هَذَا التَّفضِيلَ وَالتَّكرِيمَ قُرِنَ بِثِقَلِ الأَمَانَةِ ، قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلْنَهَا وَأَشفَقْنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً " أَمَّا المُنَافِقُونَ وَالمُشرِكُونَ فَهُمُ الظَّلَمَةُ الجُهَلاءُ بِخِيَانَتِهِمُ الأَمَانَةَ ، وَلِذَلِكَ كَانُوا مُعَذَّبِينَ مُبعَدِينَ ، وَأَمَّا المُؤمِنُونَ المُوَفَّقُونَ لِلعِلمِ وَالعَدلِ ، فَاتَّقُوا رَبَّهُم وَأَطَاعُوهُ وَاتَّبَعُوا رُسُلَهُ وَقَامُوا بِالأَمَانَةِ ، فَهُم لِذَلِكَ فَائِزُونَ فَوزًا عَظِيمًا ، مَرحُومُونَ مَتُوبٌ عَلَيهِم . اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِن أَعظَمِ مَا حُمِّلَ الإِنسَانُ أَمَانَةَ الفِطرَةِ ، الَّتي أَخَذَ اللهُ عَلَيهِ العَهدَ بها وَهُوَ في ظَهرِ أَبِيهِ ، وَعَلَيهَا يَخرُجُ مِن بَطنِ أُمِّهِ " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى شَهِدنَا أَن تَقُولُوا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غَافِلِينَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ " إِنَّهُ الإِسلامُ ، دِيَنُ اللهِ الَّذِي آثَرَنَا بِهِ وَارتَضَاهُ لَنَا " اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا " إِنَّهُ الدِّينُ الَّذِي اختَارَهُ اللهُ لَنَا لِنَكُونَ خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ ، نَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَنَنهَى عَن المُنكَرِ وَنُؤمِنُ بِاللهِ . وَقَد جَعَلَ ـ سُبحَانَهُ ـ دِينَهُ طَرِيقًا قَوِيمًا وَاحِدًا " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " ثم جَعَلَ ـ سُبحَانَهُ ـ النَّجَاةَ في هَذَا الطَّرِيقِ مَربُوطَةً بما جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ " مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَد أَطَاعَ اللهَ " ذَلِكُم هُوَ الأَصلُ القَوِيمُ وَالمَبدَأُ العَظِيمُ ، الَّذِي تَنبَثِقُ مِنهُ سَائِرُ الأَمَانَاتِ ، فَمَن حَفِظَ حَقَّ اللهِ وَحَقَّ رَسُولِهِ ، حَفِظَ حُقُوقَ عِبَادِهِ بَعدَ ذَلِكَ ، فَأَدَّى الأَمَانَاتِ وَرَدَّ الوَدَائِعَ ، وَكَتَمَ الأَسرَارَ وَسَتَرَ العُيُوبَ ، وَحَكَمَ بِالعَدلِ وَاتَّقى الظَّلمَ ، وَابتَعَدَ عَنِ الغِشِّ وَأَحَبَّ لِلآخَرِينَ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا إِيمَانَ لِمَن لا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلا دِيَنَ لِمَن لا عَهدَ لَهُ " اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِن أَعظَمِ الأَمَانَاتِ الوَاجِبَةِ عَلَى كُلِّ فَردٍ في هَذَا الزَّمَانِ ، حِمَايَةُ المُجتَمَعِ مِنَ الفَسَادِ ، فَلَم يَعُدْ خَافِيًا عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ مُجتَمَعَاتِ المُسلِمِينَ مُرَادٌ لَهَا أَن تُلقِيَ ثَوبَ التَّدَيُّنِ وَتَنزِعَ زِينَةَ الاستِقَامَةِ ، وَأَن تَخلَعَ رَدَاءَ الفَضِيلَةِ وَتَغُوصَ في أَوحَالِ الرَّذِيلَةِ ، وَاللهُ قَد أَمَرَنَا بِالتَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَنَهَى عَن التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ ، وَ" كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ " وَ" إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلاً أَن يُتقِنَهُ " وَلَن تَزُولَ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ ؟ أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنُنْفِقْ جُهُودَنَا وَعُقُولَنَا وَعُلُومَنَا وَأَوقَاتَنَا وَأَموَالَنَا الَّتي ائتَمَنَنَا اللهُ عَلَيهَا في دَعوَةِ النَّاسِ لِلخَيرِ ، وَلْنَبذُلْهَا في بَيَانِ الحَقِّ لهم ، وَلْنَحذَرْ مِن أَن نُضِيعَ أَمَانَاتِنَا طَاعَةً لِلشَّيطَانِ وَاتِّبَاعًا لِخُطُوَاتِهِ ، فَـ" إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ حَفِظَ أَم ضَيَّعَ حَتَّى يَسأَلَ الرَّجُلَ عَن أَهلِ بَيتِهِ " فَلْيَنظُرْ كُلٌّ مِنَّا إِلى مَا تَحتَ يَدِهِ مِن أَمَانَةٍ عَامَّةٍ أَو خَاصَّةٍ فَلْيَحفَظْهَا وَلْيَرْعَهَا ، زَوجَةً كَانَت أَو أَولادًا ، أَو عَمَلاً لِلدَّولَةِ أَو مَالاً عَامًّا ، أَو وِلايَةً أَو مَنصِبًا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لما يُحيِيكُم وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرُونَ . وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوَا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ . وَاذكُرُوا إِذ أَنتُم قَلِيلٌ مُستَضعَفُونَ في الأَرضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُم وَأَيَّدَكُم بِنَصرِهِ وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ . وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .


اللهُ أَكبرُ كَبِيرًا ، والحَمدُ للهِ كَثِيرًا ، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً .
أُمَّةَ الإِسلامِ ، أَعيَادُنَا في الإِسلامِ لَيسَت لِمَولِدِ عَظِيمٍ وَلا لِمَوتِ كَبِيرٍ ، وَلا لِتَوَلِّي مَلِكٍ وَلا لِعَزلِ رَئِيسٍ ، وَلا هِيَ تَحَلُّلاً مِن قُيُودِ الشَّرعِ ، وَلَيسَت فُرصَةً لإِطلاقِ الجَوَارِحِ في المُنكَرَاتِ ، أَو تَمكِينًا لِلنُّفوسِ لاقتِرَافِ مَا حَرَّمَ اللهُ مِن اختِلاطٍ أَو غِنَاءٍ أَو فَاحِشٍ مِنَ القَولِ وَالعَمَلِ ، وَلَكِنَّهَا فَرَحٌ شَرعِيٌّ بِإِكمَالِ العِبَادَاتِ ، تُضبَطُ النُّفُوسُ فِيهَا بِضَوَابِطِ الشَّرعِ ، فَأَتِمُّوا فَرحَةَ عِيدِكُم بِالتَّوَاصُلِ وَالبِرِّ وَالإِحسَانِ ، تَزَاوَرُوا وَصِلُوا أَرحَامَكُم ، وَعُودُوا مَرضَاكُم وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم ، وَابسُطُوا أَيدِيَكُم بِالخَيرِ ومُدُّوهَا بِالعَونِ لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ ، وَامسَحُوا عَلَى رُؤُوسِ الأَيتَامِ وَالمَكرُوبِينَ ، وَ" ارحَمُوا مَن في الأَرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّمَاءِ " وَالحذَرَ الحَذَرَ مِن مُبَارَزَةِ اللهِ بِالمعَاصِي والمُنكَراتِ في هَذَا اليَومِ العَظِيمِ ، وَإِيَّاكُم وَالبَطَرَ وَتَبدِيدَ النِّعَمِ ، فَإِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم . " اِعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموَالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ " اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ . يَا نِسَاءَ المُؤمِنِينَ ، أَكَرَمَكُنَّ اللهُ بِأَن أَوجَبَ عَلَى الرِّجَالِ القِيَامَ عَلَيكُنَّ وَالنَّفَقَةِ ، فَارْضَينَ بما قَسَمَ اللهُ لَكُنَّ " وَقَرنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ " أَطِعْنَ الأَزوَاجَ وَاحفَظْنَ فُرُوجَكُنَّ ، وَرَبِّينَ مَن تَحتَ أَيدِيكُنَّ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِذَا صَلَّتِ المَرأَةُ خَمسَهَا ، وَصَامَت شَهرَهَا ، وَحَصَّنَت فَرجَهَا ، وَأَطَاعَت زَوجَهَا ، قِيلَ لها : ادخُلِي الجَنَّةَ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ شِئتِ " حَذَارِ مِنَ التَّزَيُّنِ بما حَرَّمَ اللهُ ؛ وإِيَّاكُنَّ وَالخَلوةَ بِالأَجَانِبِ أَو مُصَافَحَةَ مَن لَيسَ بِمَحرَمٍ ، ولا تَكُنَّ ممَّن يَتَسَتَّرنَ بِضَيِّقٍ أَو شَفَّافٍ ، أَو يَتَعَطَّرنَ أَمَامَ الرِّجَالِ ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ خِيَانَةٌ لِلأَمَانَةِ وَقِلَّةٌ في الدِّيَانَةِ .


أسأل الله أن يجزيك خيرا يا شيخ عبد الله وأن ينفع بما تكتبه نفعا عميما إنه نعم المسؤول


جزاكم الله ياشخ عبد الله البصري خير الجزاء
تقبّل الله طاعتكم, وبالعمل الصّالح متّعكم, أسعدكم الله وأحسن إليكم.



جزيتم خيرًا ـ إخوتي الكرام ـ على مروركم وتشريفكم أخاكم .

وما ذكرتم ـ أخي أبا عبدالرحمن ـ من فرحي بالنقد أكثر من الإشادة هو كما ذكرتم ـ وفقكم الله ـ لا لأن نفسي تتقبل النقد وتحبه وتكره الإشادة وتزور عن المدح ، لا أبدًا ، فنفسي كغيرها من نفوس البشر ميالة إلى المدح محبة للإشادة ، ولا سيما إذا كانت الإشادة والمدح منصبة على الإنجاز ، الذي هو من توفيق الله أولاً وآخرًا ، هذا عدا أن قليلاً من المدح لا بد أن يبذل لدفع المسيرة للأمام ، وأما النقد الهادف والنصح الصادق فهو وإن كان مرًّا على النفس تقبله أول الأمر إلا أنه لا طريق للإصلاح والارتقاء والكمال البشري والتمام المقصود إلا به ، فهو كالدواء مر مذاقه حميدة عاقبته .

وما أشرتم إليه ـ وفقكم الباري ـ من عدم الإشارة أو التوجيه في خطبة العيد أو الجمعة باستمرار صالح العمل بعد شهر رمضان ، لم يحصل هكذا نسيانًا ، بل قصدته قصدًا لا لأنه عديم الفائدة أو قليل الأهمية ، ولكن لأني أعرف أن كل من تكلم في مذياع أو تلفاز أو كلمة بعد الصلوات سيتطرق إليه ، بل حتى الكلمات التي ستكون في حفلات المعايدة كنت متأكدًا أنها لن تنتهي دون التطرق للعمل الصالح بعد رمضان ولن تغفل التأكيد على صيام الست ، وسيكون من أهم غاياتها صلة الأرحام وفضيلتها وخطر قطعها . وهذا ما جعلني أترك ذلك اختصارًا ومحبة في عدم تطويل الخطبة ، والذين يتهمني به كثير من الإخوة .
وقد حصل ما توقعت ففي اجتماع عائلتنا أو في غيره من الاجتماعات التي مررت بها كنت أرى التأكيد على هذه الأمور حاضرًا ، فالحمد لله .

وقد صحبت أحد المشايخ لإلقاء كلمة في إحدى مخيمات العوائل ، فطلب إلي اقتراح نقطة ، يضيفها إلى ما حضَّرَه ، فذكرت له أني خطبت في جمعة يوم العيد عن ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) وذكرت له ما لحظته من أن كلمة طيبة قد ينشأ عنها مشروع ينفع الله به الأسرة ويقتدي بها غيرها فيه ، وأن كلمة خبيثة قد تفجر شرارة عداوات وهجران وقطيعة تمتد سنين عددًا ، فاستحسن ذلك ، وجعل مدار كلمته عليه ، وأعاد فيه وفرع واستشهد ، بل وتأثر وبكى ـ جزاه الله خيرًا ـ فكان لكلمته وقع مشهود رأيته في الوجوه وهو يلقي .


والخطيب مطلوب منه التنويع والتجديد لا لذات التجديد والتنويع ، ولكن بما ينفع ويعالج الواقع .

وأمر أخير هو أن الكمال لله وحده ، ولا يمكن أن يحيط خطيب أو ملقٍ أو متكلم بكل ما يراد .

وفقك الله ـ أخي الكريم ـ وسددك ، وجعلك مباركًا أينما كنت .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقا إنها خطبة محكمة السبك عالية الأسلوب ، ولعلمي باحتفالكم بالاقتراح أكثر من الإشادة ، تمنيت تضمنها مع الأمانة شيئا مما اعتدناه من إشارات لعلامات القبول والحفاظ على الأعمال الصالحة المحرزة، وأنواع الطاعة المستمرة طوال السنة ، والاستمرار على الاستقامة ....لاسيما أن خطبتكم لصلاة الجمعة ذلك اليوم كانت عن الكلمة الطيبة..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته