خطبة الجمعة يوم عيد الفطر ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن )
عبدالله البصري
1431/09/30 - 2010/09/09 22:07PM
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن 1 / 10 / 1431
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّكُم في يَومِ عِيدٍ سَعِيدٍ ، وَتَعِيشُونَ لَحَظَاتِ فَرَحٍ إِيمَانيٍّ غَامِرَةً ، صُمتُم وَقُمتُم ، وَزَكَّيتُم وَتَصَدَّقتُم وفَطَّرتُمُ ، وَدَعَوتُم وَرَجَوتُم ، وَصَلَّيتُم العِيدَ وَلَبِستُم الجَدِيدِ ، فَمَا أَحرَى ذَلِكُمُ الفَرَحَ الظَّاهِرَ أَنْ يُقرَنَ بِفَرَحِ القُلُوبِ ، بِتَخلِيصِهَا مِن كُلِّ مَا يُمِيتُهَا أَو يُسقِمُهَا ! وَمَا أَجمَلَ تَجدِيدَ النُّفُوسِ وَتَنظِيفَ الصُّدُورِ في العِيدِ كَمَا يُجَدَّدُ اللِّبَاسُ وَتُنَظَّفُ الأَجسَادُ !
إِنَّ مِمَّا يَقتَرِنُ بِالعِيدِ وَيَكثُرُ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُحمَدُ وَلا شَكَّ ، كَثرَةَ التَّزَاوُرِ بَينَ النَّاسِ وَلا سِيَّمَا الأَقَارِبَ وَالأَرحَامَ ، وَغَشَيَانَ المَجَالِسِ وَحُضُورَ المُنتَدَيَاتِ ، وَقَد يَكُونُ لِبَعضِ الأُسَرِ حَفَلاتٌ لِلمُعايَدَةِ ، يَجتَمِعُونَ فِيهَا لِلسَّلامِ وَتَبَادُلِ التَّهَاني بِإِتمَامِ شَهرِ الصِّيَامِ ، وَيَستَقبِلُونَ فِيهَا المُهَنِّئِينَ وَالمُحِبِّينَ ، وَقَد تَمتَدُّ أَيَّامًا فَيَطُولُ اللِّقَاءُ بَينَ الحَاضِرِينَ ، فَتَطِيبُ لِلنُّفُوسِ الأَحَادِيثُ وَيَحلُو لها السَّمَرُ ، وَلا بُدَّ أَن يَكُونَ ثَمَّةَ طَرحٌ لِبَعضِ القَضَايَا ، سَوَاءٌ مَا يُهِمُّ الأُسرَةَ أَو يَخرُجُ عَن دَائِرَةِ اهتِمَامِهَا ، يَكتَنِفُهُ أَخذٌ وَرَدٌّ وَنِقَاشٌ ، وَيَصحَبُهُ حِوَارٌ وَتَفصِيلٌ وَجِدَالٌ ، وَقَد تَتَطَوَّرُ بَعضُ تِلكَ المُنَاقَشَاتِ وَالمُحَاوَرَاتِ حَتَّى تَكُونَ مُلاسَنَاتٍ حَادَّةً وَتَرَاشُقًا بَذِيئًا ، وَمِن ثَمَّ كَانَ لا بُدَّ مِنَ التَّذكِيرِ بِأَهَمِّيَّةِ الكَلِمَةِ وَقِيمَتِهَا وَوُجُوبِ وَزنِهَا ، وَالتَّنبِيهِ إِلى عِظَمِ شَأنِ اللِّسَانِ وَلُزُومِ ضَبطِهِ وَفَدَاحَةِ إِطلاقِهِ . إِذِ اللِّسَانُ هُوَ مَصدَرُ الكَلِمَةِ ، وَالَّتي قَد تَكُونُ طَيِّبَةً فَيُكتَسَبُ بها الأَجرُ وَتُسَبِّبُ صَلاحًا وإِصلاحًا ، وَقَد تَكُونُ خَبِيثَةً فَتُسقِطُ هَيبَةَ قَائِلِهَا وَتُحَمِّلُهُ الوِزرَ ، أَو تَدعُو لِفَسَادٍ أَو إِفسَادٍ ، وَقَد جَعَلَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِدَايَةَ الاستِقَامَةِ كَلِمَةً ، فَلَمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ أَن يُوصِيَهُ قَالَ لَهُ : " قُل آمَنتُ بِاللهِ ثُمَّ استَقِمْ "
وَلَمَّا سَأَلَهُ مَعَاذٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَن عَمَلٍ يُدخِلُهُ الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُهُ عَنِ النَّارِ ، ذَكَرَ لَهُ أُصُولَ العِبَادَاتِ مِنَ التَّوحِيدِ وَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَالصَّومِ وَالحَجِّ وَالجِهَادِ ، ثُمَّ أَكَّدَ لَهُ أَنَّ كَفَّ اللِّسَانِ وَضَبَطَهُ وَحَبَسَهُ هُوَ أَصلُ الخَيرِ كُلِّهِ ، وَأَنَّ مَن مَلَكَ لِسَانَهُ فَقَد مَلَكَ أَمرَهُ وَأَحكَمَهُ ، فَقَالَ لَهُ : " أَلا أُخبِرُكَ بِمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ : " كُفَّ عَلَيكَ هَذَا "
وَضَمِنَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ الجَنَّةَ لِمَن أَمسَكَ لِسَانَهُ فَقَالَ : " مَن يَضمَنْ لي مَا بَينَ لَحيَيهِ وَمَا بَينَ فَخِذَيهِ أَضمَنْ لَهُ الجَنَّةَ "
وَلَمَّا سُئِلَ عَن أَكثَرِ مَا يُدخِلُ النَّاسَ النَّارَ قَالَ : " الفَمُ وَالفَرجُ "
وَمَن أَلانَ الكَلامَ وَطَيَّبَهُ ، كَانَ حَرِيًّا بِسُكنى غُرَفِ الجَنَّةِ ، الَّتي قَالَ فِيهَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِن ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَن أَلانَ الكَلامَ وَأَطعَمَ الطَّعَامَ وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ "
وَلَكُم أَن تَتَأَمَّلُوا آيَتَينِ مِن كِتَابِ اللهِ ، أُشِيرَ في إِحدَاهُمَا إِلى أَثَرِ الكَلِمَةِ في الإِفسَادِ بَينَ النَّاسِ ، وَدَلَّتِ الأُخرَى عَلَى مَكَانَةِ الكَلِمَةِ في إِزَالَةِ العَدَاوَةِ الَّتي بَينَهُم ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " اِدفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ "
إِنَّ الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ تُؤَلِّفُ بَينَ القُلُوبِ وَتَجمَعُ النُّفُوسَ ، وَتُذهِبُ الغَيظَ وَتَجلِبُ الرِّضَا ، وَتَزِيدُ السُّرُورَ وَتُزِيلُ وَحَرَ الصَّدرِ ، وَتَذهَبُ بِالشَّحنَاءِ وَتَمسَحُ آثَارَ البَغضَاءِ ، بَل وَتَفتَحُ أَبوَابًا مِنَ الخَيرِ كَبِيرَةً ، وَتُغلِقُ نَوَافِذَ شَرٍّ كَثِيرَةً ، فَكَيفَ إِذَا جَمَعَ صَاحِبُهَا إِلَيهَا ابتِسَامَةً صَادِقَةً ؟ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " تَبَسُّمُكَ في وَجهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ "
الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ رَقِيقَةٌ لَطِيفَةٌ ، لا تُؤذِي الشُّعُور وَلا تُضَيِّقُ الصُّدُورَ ، قَلِيلَةُ الحُرُوفِ خَفيفَةُ الظِّلِّ ، جَمِيلَةُ المَعنَى بَعِيدَةُ الأَثَرِ ، تَطرَبُ لَهَا الأُذُنُ وَيَنشَرِحُ لَهَا الصَّدرُ ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تَأسُو آلامَ الفِرَاقِ وَتُضَمِّدُ جِرَاحَ الهَجرِ ، وَتَجمَعُ مَا تَنَاثَرَ مِن الوُدِّ بَسَبَبِ القَطِيعَةِ ، وَتَجلُو صَدَأَ الأَفئِدَةِ وَتُعِيدُ إِلَيهَا نَقَاءَهَا وَصَفَاءَهَا ، فَلا عَجَبَ إِذًا أَن تَكُونَ مِن تَمَامِ الإِيمَانِ وَأَن تَرقَى إِلى مَنزِلَةِ الصَّدَقَةِ حَيثُ يَقُولُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ "
وَيَقُولُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ "
وَيَقُولُ : " اِتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ ، فَمَن لم يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ "
وَأَمَّا الكَلِمَةُ الخَبِيثَةُ عِيَاذًا بِاللهِ ، فَهِيَ لَفظٌ خَشِنٌ وَصَوتٌ نَشَازٌ ، ثَقِيلَةُ الوَقعِ قَلِيلةُ النَّفعِ ، تُصِمُّ الآذَانَ وَتُؤلِمُ الأَسمَاعَ ، وَتَجرَحُ الشُّعُورَ وَتُضَيِّقُ الصُّدُورَ ، وَتُفسِدُ الوُدَّ وَتَكسِرُ النُّفُوسَ ، وَتَجلِبُ الهَمَّ وَتَجمَعُ الغَمَّ ، وَتُوقِدُ الشَّحنَاءَ وَتُشعِلُ فَتِيلَ البَغضَاءِ ، وَتُوقِظُ الفِتَنَ وَتُجَدِّدُ الإِحَنَ ، وَتَبعَثُ جَاهِلِيَّاتٍ نَائِمَةً وَتَفتُقُ جُرُوحًا مَنسِيَّةً ، بَل وَتَفتَحُ أَبوَابًا مِنَ الشَّرِّ وَفَسَادِ ذَاتِ البَينِ ، وَتُغلِقُ أَبوَابًا مِنَ الصَّلِةَ وَالمَعرُوفِ وَالإِحسَانِ ، وَكَم مِن كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ أَو غَيرِ مَوزُونَةٍ ، أَلقَاهَا غِرٌّ جَاهِلٌ أَو رَمَى بها أَحمَقُ طَائِشٌ ، فَارتَعَدَت لَهَا أَنُوفُ قَومٍ ذَوِي أَحلامٍ فَجَهِلُوا ، أَو تَلَقَّفَهَا الشَّيطَانُ في عَجَلَةٍ وَطَارَ بها فَرَحًا ، لِيَقطَعَ بها صِلَةً بَينَ أَخَوَينِ أَو قَرِيبَينِ ، أَو لِيُفسِدَ وُدًّا بَينَ صَدِيقَينِ أو زَمِيلَينِ ، أَو لِيُهَيِّجَ كَوَامِنَ نَفْسَينِ فَيَبعَثَ بَينَهُمَا خِلافًا قَد دُفِنَ ، أَو لِيُلقِيَ بَينَهُمَا عَدَاوَةً جَدِيدَةً قَد تَمتَدُّ أَشهُرًا أَو سَنَوَاتٍ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن تَمَامِ الدِّيَانَةِ وَكَمَالِ العَقلِ وَرَجَاحَةِ الرَّأيِ ، أَن يَضبِطَ المَرءُ لِسَانَهُ وَخَاصَّةً في الاجتِمَاعَاتِ العَامَّةِ وَالمَحَافِلِ الكَبِيرَةِ ، وَأَن يُعَوِّدَهُ الكَلامَ الطَّيِّبَ وَاللَّفظَ الجَمِيلَ ، وَأَلاَّ يَستَخِفَّهُ الشَّيطَانُ فَيَعمَدَ إِلى سَيِّئِ الكَلامِ أَو يَتَعَمَّدَ خَشِنَ الحَدِيثِ ، فَيُلقِيَهُ غَيرَ عَابِئٍ بِهِ ، إِذ إِنَّ ذَلِكَ يُثِيرُ مِنَ المَفَاسِدِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ ، وَيَفتَحُ مَرَاتِعَ خِصبَةً لِلشَّيطَانِ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنَ القُلُوبِ ، فَيَجعَلَهَا قَاعًا صَفصَفًا ، لا تَرَى فِيهَا مِنَ الإِيمَانِ ذَرَّةً وَلا قِطمِيرًا ، وَلا تَجِدُ بِدَاخِلهَا مِنَ الحُبِّ وَالوُدِّ قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ـ وَلتَكُنِ الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ شِعَارًا لَكُم وَمَادَّةً لأَلسِنَتِكُم ، وَاسأَلُوا اللهَ أَن يَهدِيَكُم إِلَيهَا ؛ فَإِنَّهَا مِن فَضلِهِ لِمَن وَفَّقَهُ وَأَرَادَ بِهِ خَيرًا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ في وَصفِ أَهلِ الجَنَّةِ وَمُستَحِقِّيهَا : " وَهُدُوا إِلى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدُوا إِلى صِرَاطِ الحَمِيدِ "
وَاحذَرُوُا المِرَاءَ وَالجَدَلَ ، فَقَد قَالَ نَبِيُّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ المِرَاءَ وَإِن كَانَ مُحِقًّا "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا ضَلَّ قَومٌ بَعدَ هُدًى كَانُوا عَلَيهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ "
وَقَالَ : " إِنَّ أَبغَضَ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ "
وَإِن كَانَ لا بُدَّ مِنَ النِّقَاشِ ، فَليَكُنِ الجِدَالُ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ ، في إِطَارِ الآدَابِ الإِسلامِيَّةِ لِلحِوَارِ ، بِهَدَفِ الوُصُولِ إِلى الحَقِّ وَالصَّوَابِ ، بِلا تَحَامُلٍ عَلَى المُخَالِفِ وَلا تَقبِيحٍ لَهُ ، وَبَعِيدًا عَن أُسلُوبِ الطَّعنِ وَالتَّجرِيحِ ، أَو الاستِهزَاءِ وَالسُّخرِيَةِ ، أَو الاحتِقَارِ وَالاستِصغَارِ ، أَو البَحثِ عَنِ مُجَرَّدِ الإِثَارَةِ وَمَحَبَّةِ الاستِفَزَازِ ، وَبِلا رَفعٍ لِلصَّوتِ أَو نَفخٍ لِلأَودَاجِ ، فَإِنَّ رَفَعَ الصَّوتِ لا يُقَوِّي حُجَّةً وَلا يَعضُدُ دَلِيلاً ، وَلا يُقِيمُ بُرهَانًا وَلا يَجلِبُ إِثبَاتًا ؛ بَل إِنَّ رَفعَ الصَوتِ في الغَالِبِ دَلِيلُ ضَعفِ الحُجَّةِ وَقِلَّةِ البَلاغَةِ ، وَإِنَّ هُدُوءَ الصَّوتِ لَعُنوَانٌ على رَجَاحَةِ العَقلِ وَكَمَالِ الاتِّزَانِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالحًا وَقَالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمِينَ . وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الإِسلامِ وَاحرِصُوا عَلَى طَيِّبِ الكَلامِ " لا يُحِبُّ اللهُ الجَهرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَولِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا "
وَاحذَرُوُا التَّنَاجِيَ فَإِنَّهُ " لا خَيرَ في كَثِيرٍ مِن نَجوَاهُم إِلاَّ مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعرُوفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النَّاسِ "
وَإِيَّاكُم وَنَقلَ الحَدِيثِ عَلَى وَجهِ الإِفسَادِ بِالنَّمِيمَةِ فَإِنَّهُ " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ "
أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيمُ ، صَحَّ عَن النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ : " لَيسَ المُؤمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا بِاللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا البَذِيءِ "
وَقَالَ : " إِيَّاكُم وَالفُحشَ وَالتَّفَحُّشَ ؛ فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَاحِشَ المُتَفَحِّشَ "
فَمَا أَحرَاكَ ـ أَخِي المُسلِمَ المُبَارَكَ ـ وَلا سِيَّمَا في العِيدِ أَن تَجعَلَ الصِّدقَ دِثَارَكَ وَالكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ شِعَارَكَ ، تُنَادِي مَن تَدعُوهُ بِأَحَبِّ الأَسمَاءِ إِلَيهِ ، وَتَتَجَنَّبُ التَّلقِيبَ وَالتَّعيِيرَ وَالتَّحقِيرَ ، تَشكُرُ كُلَّ مَن بَذَلَ مَعرُوفًا أَو أَسدَى جَمِيلاً ، تُبَلِّغُ آيَةً أَو تَروِي حَدِيثًا أَو تَنقُلُ فَتوَى ، تُحيِي سُنَّةً حَسَنَةً أَو تُمِيتُ بِدعَةً وَضَلالَةً ، تَأمُرُ بِمَعرُوفٍ أَو تَنهَى عَن مُنكَرٍ أَو تَدعُو لِخَيرٍ ، تُذَكِّرُ بِفَضِيلَةٍ أَو تُحَفِّزُ لِعَمَلٍ صَالحٍ ، تُقَدِّمُ نَصِيحَةً خَالِصَةً أَو تَبذُلُ مَشُورَةً صَادِقَةً ، تُبدِي رَأيًا نَافِعًا أَو تَقتَرِحُ فِكرَةً صَائِبَةً ، تَهدِي ضَالاًّ أَو تُذَكِّرُ غَافِلاً ، وَتُرشِدُ تَائِهًا أَو تُعَلِّمُ جَاهِلاً ، تَبذُلُ شَفَاعَةً حَسَنَةً أَو تَتَوَسَّطُ في نَفعٍ ، وَتَذَكَّرْ ـ أَخِي المُبَارَكَ ـ أَنَّ " الرِّفقَ لا يَكُونُ في شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلا يُنزَعُ مِن شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ "
اللَّهُمَّ أَلِّفَ بَينَ قُلُوبِنَا ، وَأَصلِحْ ذَاتَ بَينِنَا ، وَاهدِنَا سُبُلَ السَّلامِ ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ ، وَجَنِّبْنَا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ ، وَبَارَكَ لَنَا في أَسمَاعِنَا وَأَبصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا ، وَتُبْ عَلَينَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، وَاجعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعمَتِكَ مُثنِينَ بها قَابِلِيهَا وَأَتِّمَّهَا عَلَينَا .
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّكُم في يَومِ عِيدٍ سَعِيدٍ ، وَتَعِيشُونَ لَحَظَاتِ فَرَحٍ إِيمَانيٍّ غَامِرَةً ، صُمتُم وَقُمتُم ، وَزَكَّيتُم وَتَصَدَّقتُم وفَطَّرتُمُ ، وَدَعَوتُم وَرَجَوتُم ، وَصَلَّيتُم العِيدَ وَلَبِستُم الجَدِيدِ ، فَمَا أَحرَى ذَلِكُمُ الفَرَحَ الظَّاهِرَ أَنْ يُقرَنَ بِفَرَحِ القُلُوبِ ، بِتَخلِيصِهَا مِن كُلِّ مَا يُمِيتُهَا أَو يُسقِمُهَا ! وَمَا أَجمَلَ تَجدِيدَ النُّفُوسِ وَتَنظِيفَ الصُّدُورِ في العِيدِ كَمَا يُجَدَّدُ اللِّبَاسُ وَتُنَظَّفُ الأَجسَادُ !
إِنَّ مِمَّا يَقتَرِنُ بِالعِيدِ وَيَكثُرُ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُحمَدُ وَلا شَكَّ ، كَثرَةَ التَّزَاوُرِ بَينَ النَّاسِ وَلا سِيَّمَا الأَقَارِبَ وَالأَرحَامَ ، وَغَشَيَانَ المَجَالِسِ وَحُضُورَ المُنتَدَيَاتِ ، وَقَد يَكُونُ لِبَعضِ الأُسَرِ حَفَلاتٌ لِلمُعايَدَةِ ، يَجتَمِعُونَ فِيهَا لِلسَّلامِ وَتَبَادُلِ التَّهَاني بِإِتمَامِ شَهرِ الصِّيَامِ ، وَيَستَقبِلُونَ فِيهَا المُهَنِّئِينَ وَالمُحِبِّينَ ، وَقَد تَمتَدُّ أَيَّامًا فَيَطُولُ اللِّقَاءُ بَينَ الحَاضِرِينَ ، فَتَطِيبُ لِلنُّفُوسِ الأَحَادِيثُ وَيَحلُو لها السَّمَرُ ، وَلا بُدَّ أَن يَكُونَ ثَمَّةَ طَرحٌ لِبَعضِ القَضَايَا ، سَوَاءٌ مَا يُهِمُّ الأُسرَةَ أَو يَخرُجُ عَن دَائِرَةِ اهتِمَامِهَا ، يَكتَنِفُهُ أَخذٌ وَرَدٌّ وَنِقَاشٌ ، وَيَصحَبُهُ حِوَارٌ وَتَفصِيلٌ وَجِدَالٌ ، وَقَد تَتَطَوَّرُ بَعضُ تِلكَ المُنَاقَشَاتِ وَالمُحَاوَرَاتِ حَتَّى تَكُونَ مُلاسَنَاتٍ حَادَّةً وَتَرَاشُقًا بَذِيئًا ، وَمِن ثَمَّ كَانَ لا بُدَّ مِنَ التَّذكِيرِ بِأَهَمِّيَّةِ الكَلِمَةِ وَقِيمَتِهَا وَوُجُوبِ وَزنِهَا ، وَالتَّنبِيهِ إِلى عِظَمِ شَأنِ اللِّسَانِ وَلُزُومِ ضَبطِهِ وَفَدَاحَةِ إِطلاقِهِ . إِذِ اللِّسَانُ هُوَ مَصدَرُ الكَلِمَةِ ، وَالَّتي قَد تَكُونُ طَيِّبَةً فَيُكتَسَبُ بها الأَجرُ وَتُسَبِّبُ صَلاحًا وإِصلاحًا ، وَقَد تَكُونُ خَبِيثَةً فَتُسقِطُ هَيبَةَ قَائِلِهَا وَتُحَمِّلُهُ الوِزرَ ، أَو تَدعُو لِفَسَادٍ أَو إِفسَادٍ ، وَقَد جَعَلَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِدَايَةَ الاستِقَامَةِ كَلِمَةً ، فَلَمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ أَن يُوصِيَهُ قَالَ لَهُ : " قُل آمَنتُ بِاللهِ ثُمَّ استَقِمْ "
وَلَمَّا سَأَلَهُ مَعَاذٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَن عَمَلٍ يُدخِلُهُ الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُهُ عَنِ النَّارِ ، ذَكَرَ لَهُ أُصُولَ العِبَادَاتِ مِنَ التَّوحِيدِ وَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَالصَّومِ وَالحَجِّ وَالجِهَادِ ، ثُمَّ أَكَّدَ لَهُ أَنَّ كَفَّ اللِّسَانِ وَضَبَطَهُ وَحَبَسَهُ هُوَ أَصلُ الخَيرِ كُلِّهِ ، وَأَنَّ مَن مَلَكَ لِسَانَهُ فَقَد مَلَكَ أَمرَهُ وَأَحكَمَهُ ، فَقَالَ لَهُ : " أَلا أُخبِرُكَ بِمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ : " كُفَّ عَلَيكَ هَذَا "
وَضَمِنَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ الجَنَّةَ لِمَن أَمسَكَ لِسَانَهُ فَقَالَ : " مَن يَضمَنْ لي مَا بَينَ لَحيَيهِ وَمَا بَينَ فَخِذَيهِ أَضمَنْ لَهُ الجَنَّةَ "
وَلَمَّا سُئِلَ عَن أَكثَرِ مَا يُدخِلُ النَّاسَ النَّارَ قَالَ : " الفَمُ وَالفَرجُ "
وَمَن أَلانَ الكَلامَ وَطَيَّبَهُ ، كَانَ حَرِيًّا بِسُكنى غُرَفِ الجَنَّةِ ، الَّتي قَالَ فِيهَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِن ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَن أَلانَ الكَلامَ وَأَطعَمَ الطَّعَامَ وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ "
وَلَكُم أَن تَتَأَمَّلُوا آيَتَينِ مِن كِتَابِ اللهِ ، أُشِيرَ في إِحدَاهُمَا إِلى أَثَرِ الكَلِمَةِ في الإِفسَادِ بَينَ النَّاسِ ، وَدَلَّتِ الأُخرَى عَلَى مَكَانَةِ الكَلِمَةِ في إِزَالَةِ العَدَاوَةِ الَّتي بَينَهُم ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " اِدفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ "
إِنَّ الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ تُؤَلِّفُ بَينَ القُلُوبِ وَتَجمَعُ النُّفُوسَ ، وَتُذهِبُ الغَيظَ وَتَجلِبُ الرِّضَا ، وَتَزِيدُ السُّرُورَ وَتُزِيلُ وَحَرَ الصَّدرِ ، وَتَذهَبُ بِالشَّحنَاءِ وَتَمسَحُ آثَارَ البَغضَاءِ ، بَل وَتَفتَحُ أَبوَابًا مِنَ الخَيرِ كَبِيرَةً ، وَتُغلِقُ نَوَافِذَ شَرٍّ كَثِيرَةً ، فَكَيفَ إِذَا جَمَعَ صَاحِبُهَا إِلَيهَا ابتِسَامَةً صَادِقَةً ؟ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " تَبَسُّمُكَ في وَجهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ "
الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ رَقِيقَةٌ لَطِيفَةٌ ، لا تُؤذِي الشُّعُور وَلا تُضَيِّقُ الصُّدُورَ ، قَلِيلَةُ الحُرُوفِ خَفيفَةُ الظِّلِّ ، جَمِيلَةُ المَعنَى بَعِيدَةُ الأَثَرِ ، تَطرَبُ لَهَا الأُذُنُ وَيَنشَرِحُ لَهَا الصَّدرُ ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تَأسُو آلامَ الفِرَاقِ وَتُضَمِّدُ جِرَاحَ الهَجرِ ، وَتَجمَعُ مَا تَنَاثَرَ مِن الوُدِّ بَسَبَبِ القَطِيعَةِ ، وَتَجلُو صَدَأَ الأَفئِدَةِ وَتُعِيدُ إِلَيهَا نَقَاءَهَا وَصَفَاءَهَا ، فَلا عَجَبَ إِذًا أَن تَكُونَ مِن تَمَامِ الإِيمَانِ وَأَن تَرقَى إِلى مَنزِلَةِ الصَّدَقَةِ حَيثُ يَقُولُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ "
وَيَقُولُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ "
وَيَقُولُ : " اِتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ ، فَمَن لم يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ "
وَأَمَّا الكَلِمَةُ الخَبِيثَةُ عِيَاذًا بِاللهِ ، فَهِيَ لَفظٌ خَشِنٌ وَصَوتٌ نَشَازٌ ، ثَقِيلَةُ الوَقعِ قَلِيلةُ النَّفعِ ، تُصِمُّ الآذَانَ وَتُؤلِمُ الأَسمَاعَ ، وَتَجرَحُ الشُّعُورَ وَتُضَيِّقُ الصُّدُورَ ، وَتُفسِدُ الوُدَّ وَتَكسِرُ النُّفُوسَ ، وَتَجلِبُ الهَمَّ وَتَجمَعُ الغَمَّ ، وَتُوقِدُ الشَّحنَاءَ وَتُشعِلُ فَتِيلَ البَغضَاءِ ، وَتُوقِظُ الفِتَنَ وَتُجَدِّدُ الإِحَنَ ، وَتَبعَثُ جَاهِلِيَّاتٍ نَائِمَةً وَتَفتُقُ جُرُوحًا مَنسِيَّةً ، بَل وَتَفتَحُ أَبوَابًا مِنَ الشَّرِّ وَفَسَادِ ذَاتِ البَينِ ، وَتُغلِقُ أَبوَابًا مِنَ الصَّلِةَ وَالمَعرُوفِ وَالإِحسَانِ ، وَكَم مِن كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ أَو غَيرِ مَوزُونَةٍ ، أَلقَاهَا غِرٌّ جَاهِلٌ أَو رَمَى بها أَحمَقُ طَائِشٌ ، فَارتَعَدَت لَهَا أَنُوفُ قَومٍ ذَوِي أَحلامٍ فَجَهِلُوا ، أَو تَلَقَّفَهَا الشَّيطَانُ في عَجَلَةٍ وَطَارَ بها فَرَحًا ، لِيَقطَعَ بها صِلَةً بَينَ أَخَوَينِ أَو قَرِيبَينِ ، أَو لِيُفسِدَ وُدًّا بَينَ صَدِيقَينِ أو زَمِيلَينِ ، أَو لِيُهَيِّجَ كَوَامِنَ نَفْسَينِ فَيَبعَثَ بَينَهُمَا خِلافًا قَد دُفِنَ ، أَو لِيُلقِيَ بَينَهُمَا عَدَاوَةً جَدِيدَةً قَد تَمتَدُّ أَشهُرًا أَو سَنَوَاتٍ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن تَمَامِ الدِّيَانَةِ وَكَمَالِ العَقلِ وَرَجَاحَةِ الرَّأيِ ، أَن يَضبِطَ المَرءُ لِسَانَهُ وَخَاصَّةً في الاجتِمَاعَاتِ العَامَّةِ وَالمَحَافِلِ الكَبِيرَةِ ، وَأَن يُعَوِّدَهُ الكَلامَ الطَّيِّبَ وَاللَّفظَ الجَمِيلَ ، وَأَلاَّ يَستَخِفَّهُ الشَّيطَانُ فَيَعمَدَ إِلى سَيِّئِ الكَلامِ أَو يَتَعَمَّدَ خَشِنَ الحَدِيثِ ، فَيُلقِيَهُ غَيرَ عَابِئٍ بِهِ ، إِذ إِنَّ ذَلِكَ يُثِيرُ مِنَ المَفَاسِدِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ ، وَيَفتَحُ مَرَاتِعَ خِصبَةً لِلشَّيطَانِ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنَ القُلُوبِ ، فَيَجعَلَهَا قَاعًا صَفصَفًا ، لا تَرَى فِيهَا مِنَ الإِيمَانِ ذَرَّةً وَلا قِطمِيرًا ، وَلا تَجِدُ بِدَاخِلهَا مِنَ الحُبِّ وَالوُدِّ قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ـ وَلتَكُنِ الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ شِعَارًا لَكُم وَمَادَّةً لأَلسِنَتِكُم ، وَاسأَلُوا اللهَ أَن يَهدِيَكُم إِلَيهَا ؛ فَإِنَّهَا مِن فَضلِهِ لِمَن وَفَّقَهُ وَأَرَادَ بِهِ خَيرًا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ في وَصفِ أَهلِ الجَنَّةِ وَمُستَحِقِّيهَا : " وَهُدُوا إِلى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدُوا إِلى صِرَاطِ الحَمِيدِ "
وَاحذَرُوُا المِرَاءَ وَالجَدَلَ ، فَقَد قَالَ نَبِيُّكُم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ المِرَاءَ وَإِن كَانَ مُحِقًّا "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا ضَلَّ قَومٌ بَعدَ هُدًى كَانُوا عَلَيهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ "
وَقَالَ : " إِنَّ أَبغَضَ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ "
وَإِن كَانَ لا بُدَّ مِنَ النِّقَاشِ ، فَليَكُنِ الجِدَالُ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ ، في إِطَارِ الآدَابِ الإِسلامِيَّةِ لِلحِوَارِ ، بِهَدَفِ الوُصُولِ إِلى الحَقِّ وَالصَّوَابِ ، بِلا تَحَامُلٍ عَلَى المُخَالِفِ وَلا تَقبِيحٍ لَهُ ، وَبَعِيدًا عَن أُسلُوبِ الطَّعنِ وَالتَّجرِيحِ ، أَو الاستِهزَاءِ وَالسُّخرِيَةِ ، أَو الاحتِقَارِ وَالاستِصغَارِ ، أَو البَحثِ عَنِ مُجَرَّدِ الإِثَارَةِ وَمَحَبَّةِ الاستِفَزَازِ ، وَبِلا رَفعٍ لِلصَّوتِ أَو نَفخٍ لِلأَودَاجِ ، فَإِنَّ رَفَعَ الصَّوتِ لا يُقَوِّي حُجَّةً وَلا يَعضُدُ دَلِيلاً ، وَلا يُقِيمُ بُرهَانًا وَلا يَجلِبُ إِثبَاتًا ؛ بَل إِنَّ رَفعَ الصَوتِ في الغَالِبِ دَلِيلُ ضَعفِ الحُجَّةِ وَقِلَّةِ البَلاغَةِ ، وَإِنَّ هُدُوءَ الصَّوتِ لَعُنوَانٌ على رَجَاحَةِ العَقلِ وَكَمَالِ الاتِّزَانِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالحًا وَقَالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمِينَ . وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الإِسلامِ وَاحرِصُوا عَلَى طَيِّبِ الكَلامِ " لا يُحِبُّ اللهُ الجَهرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَولِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا "
وَاحذَرُوُا التَّنَاجِيَ فَإِنَّهُ " لا خَيرَ في كَثِيرٍ مِن نَجوَاهُم إِلاَّ مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعرُوفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النَّاسِ "
وَإِيَّاكُم وَنَقلَ الحَدِيثِ عَلَى وَجهِ الإِفسَادِ بِالنَّمِيمَةِ فَإِنَّهُ " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ "
أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيمُ ، صَحَّ عَن النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ : " لَيسَ المُؤمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا بِاللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا البَذِيءِ "
وَقَالَ : " إِيَّاكُم وَالفُحشَ وَالتَّفَحُّشَ ؛ فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَاحِشَ المُتَفَحِّشَ "
فَمَا أَحرَاكَ ـ أَخِي المُسلِمَ المُبَارَكَ ـ وَلا سِيَّمَا في العِيدِ أَن تَجعَلَ الصِّدقَ دِثَارَكَ وَالكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ شِعَارَكَ ، تُنَادِي مَن تَدعُوهُ بِأَحَبِّ الأَسمَاءِ إِلَيهِ ، وَتَتَجَنَّبُ التَّلقِيبَ وَالتَّعيِيرَ وَالتَّحقِيرَ ، تَشكُرُ كُلَّ مَن بَذَلَ مَعرُوفًا أَو أَسدَى جَمِيلاً ، تُبَلِّغُ آيَةً أَو تَروِي حَدِيثًا أَو تَنقُلُ فَتوَى ، تُحيِي سُنَّةً حَسَنَةً أَو تُمِيتُ بِدعَةً وَضَلالَةً ، تَأمُرُ بِمَعرُوفٍ أَو تَنهَى عَن مُنكَرٍ أَو تَدعُو لِخَيرٍ ، تُذَكِّرُ بِفَضِيلَةٍ أَو تُحَفِّزُ لِعَمَلٍ صَالحٍ ، تُقَدِّمُ نَصِيحَةً خَالِصَةً أَو تَبذُلُ مَشُورَةً صَادِقَةً ، تُبدِي رَأيًا نَافِعًا أَو تَقتَرِحُ فِكرَةً صَائِبَةً ، تَهدِي ضَالاًّ أَو تُذَكِّرُ غَافِلاً ، وَتُرشِدُ تَائِهًا أَو تُعَلِّمُ جَاهِلاً ، تَبذُلُ شَفَاعَةً حَسَنَةً أَو تَتَوَسَّطُ في نَفعٍ ، وَتَذَكَّرْ ـ أَخِي المُبَارَكَ ـ أَنَّ " الرِّفقَ لا يَكُونُ في شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلا يُنزَعُ مِن شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ "
اللَّهُمَّ أَلِّفَ بَينَ قُلُوبِنَا ، وَأَصلِحْ ذَاتَ بَينِنَا ، وَاهدِنَا سُبُلَ السَّلامِ ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ ، وَجَنِّبْنَا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ ، وَبَارَكَ لَنَا في أَسمَاعِنَا وَأَبصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا ، وَتُبْ عَلَينَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، وَاجعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعمَتِكَ مُثنِينَ بها قَابِلِيهَا وَأَتِّمَّهَا عَلَينَا .
المشاهدات 4991 | التعليقات 2
إضافة قيمة ـ شيخ مازن وفقك الله ـ
وددت لو أنك شفعتها بنقد للخطبة لكان أنفع .
نسأل الله أن يكفينا شر ألسنتنا فإنها مبعث كثير من الشرور التي لا يطفئها إلا صب ماء العفو عليها ، وغسل آثار الكلمة الخبيثة بكلمة طيبة من لسان صادق .
مبدؤها كلام / د. إبراهيم الحمد
هذا جزءٌ من بيت لنصر بن سيار يحذّر بني أمية من مغبة الحرب التي رأى نُذُرَهَا، وبداياتها الكلامية، يقول نصر:
أرى خللَ الرمادِ وميضَ جَمْرٍ ويوشكُ أن يكونَ لها ضرامُ
فإنّ النارَ بالعودين تُذْكى وإنّ الحربَ مبدؤُها كلامُ
فإنْ لم يطفها عقلاءُ قومٍ يكونُ وقودَها جثثٌ وهامُ
فقلتُ من التعجبِ ليت شعري أأيقاظٌ أميةُ أو نيامُ
وهذه أبيات جميلة غايةٌ في النصح والحكمة.
وأنت إذا تدبرت الأحداث العظام، والحروب الطاحنة عبر التاريخ وجدت أنها كانت بسبب كلام تدرّج بأصحابه حتى ألقاهم في مكان سحيق.
بل ربما يكون السبب يسيراً جداً، بل قد تكون أحداثاً عائليةً بحتةً داخلَ محيطِ أُسْرةٍ واحدة؛ فتكون سبباً لعداوات كثيرة، من شأنها أن تُغَيِّر مجرى التاريخ.
ولو استعرضنا التاريخ لوجدنا مصداق ذلك لائحاً واضحاً؛ فَأَوَّلُ قَتْلٍ حَصَل في الأرض إنما هو قتل أَحَدِ ابني آدمَ أخاه؛ حيث دار بينهما حديث بيَّنه الله -عز وجل- في قوله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)). (المائدة).
وإذا انتقلتَ من ذلك إلى حقب متطاولة، وأتيتَ إلى ما جرى بين يوسف وإخوته وجدتَ شاهد ذلك؛ فالذي حصل في تلك القصة أن إخوةَ يوسف -عليه السلام- حسدوه؛ لِحَظوته عند والده؛ فتشاوروا في ذلك الشأن، وأجمعوا على أن يجعلوه في غيابة الجُبِّ دون أن يفكروا في عاقبة الأمر، ودون أن يكون منهم مَنْ يُحذِّر مِنْ مَغَبَّةِ ذلك الصنيع ومآلاته الوبيلة.
فكان ما كان من تلك الأحداث العظام التي صارت نقطة تحوّل في حياة البشرية عموماً، وحياة بني إسرائيل خصوصاً؛ حيث انتقلوا من بلاد كنعان -فلسطين- إلى مصر، ثم ما كان لهم بعد ذلك من الاضطهاد في مصر، إلى غير ذلك مما قصّه القرآن الكريم، وورد في صحيح السُّنة.
ولا يخفى عليك حربُ البسوس، وحربُ داحسَ والغبراءِ، وأنها كانت بأسباب تافهة لا تستدعي سوى غضّ الطرف.
وإذا بحثت في أسباب الحروب العالمية الحديثة وجدت أنها حدثت بسبب كلام، وحماقات، ورعونات لأكابر الساسة؛ فكان عواقب ذلك حروباً طاحنةً أكلت الأخضر واليابس، وكان وقودُها الأبرياءَ من جميع الأطراف.
وقل مثل ذلك في كثير من المشكلات والعداوات التي تنشأ بين بعض الناس سواء كانت كبيرة أو صغيرة؛ إذ هي -غالباً- شراراتٌ صغيرة لا تزال تكبرُ شيئاً فشيئاً حتى تكون نيراناً موقدة يصعب إخمادها، والسيطرة عليها.
وهذا ما يؤكد لنا ضرورةَ الحكمةِ، والمسارعةِ في معالجة الأمور، والحذر من التهاون في البدايات، والحرص على وأد العداوات في مباديها؛ حتى لا يدفع ثَمَنَها جميعُ الأطراف.
وقد يكون المانعُ من القيام بتلك المبادرات حواجزَ وهميةً، وقد يكون العزةَ بالإثم؛ حيث يأبى كل طرف من القيام بذلك أو قبولـِه؛ عزةً وأنفةً.
وربما ندموا إذا رأوا مآلاتِ الأمور، وعِظَمَ حَجْمِ الخسائر، ولات ساعة مندم.
ولو أنهم نظروا في العواقب، وتدبّروا المآلات، وأصاخوا السمع لداعي الحكمة، وهبطوا يسيراً من عليائهم، وخفَّفُوا ولو شيئاً قليلاً من غلوائهم - لكان خيراً لهم وأحسن تأويلاً، ولكان ذلك أحفظَ لجاههم، وأموالهم، وأوقاتهم من أن تضيع سدًى.
المصدر: الإسلام اليوم
تعديل التعليق