خطبة : ( طلقها أو خلعته )

عبدالله البصري
1444/04/23 - 2022/11/17 12:46PM

طلقها أو خلعته    24/ 4/ 1444

 

الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثم تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ  "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن أَقدَسِ العِلاقاتِ الَّتي لها في الإِسلامِ تَقدِيرٌ وَشَأنٌ كَبِيرٌ ، العِلاقَةُ بَينَ الزَّوجِ وَزَوجِهِ ، وَالرَّابِطَةُ بَينَ الرَّجُلِ وَامرَأَتِهِ ، وَقَد سُمِّيَت في القُرآنِ مِيثَاقًا غَلِيظًا ، إِشَارَةً إِلى وُجُوبِ النَّظَرِ إِلَيهَا بِإِعزَازٍ وَإِجلالٍ ، وَحَثًّا عَلَى عَدَمِ انتِقَاصِهَا أَو إِضعَافِهَا ، أَو قَطعِهَا لأَتفَهِ سَبَبٍ وَاجتِثَاثِهَا بِلا مُسَوِّغٍ مَقبُولٍ  .

وَإِنَّ مِن حَسَنِ أَخلاقِ المُسلِمِينَ عَلَى امتِدَادِ العُصُورِ ، أَنَّ هَذِهِ العِلاقَةَ الكَرِيمَةَ ، قَد حَظِيَت بِالتَّقدِيرِ وَالإِجلالِ ، مِن قِبَلِ الزَّوجَينِ وَمِن أُسرَتَيهِمَا وَمِنَ المُجتَمَعِ بِعَامَّةٍ ، وَحَرِصَ أَقَارِبُ الزَّوجَينِ وَمَن حَولَهُمَا عَلَى دَوَامِ تِلكَ العِلاقَةِ وَتَقوِيَتِهَا ، وَرَدمِ مَا قَد يَحدُثُ فِيهَا مِن فَجَوَاتٍ وَسَدِّ مَا يَظهَرُ مِن ثَغَرَاتٍ ، وَكَانَت هُنَالِكَ رَغبَةٌ مِنَ الجَمِيعِ في تَقرِيبِ وُجهَاتِ النَّظَرِ عِندَ أَيِّ خِلافٍ ، وَعَزِيمَةٌ صَادِقَةٌ لإِعَادَةِ التَّوَافُقِ بَعدَ كُلِّ اختِلافٍ ، وَسَعيٌ حَثِيثٌ لِلإِصلاحِ مَعَ بِدَايَةِ أَيِّ فَسَادٍ ، وَهَذِهِ نَتَائِجُ لأَحكَامٍ مُحكَمَةٍ وَحُدُودٍ عَظِيمَةٍ ، وَتَعَالِيمَ وَاضِحَةٍ وَإِرشَادَاتٍ كَرِيمَةٍ ، أَخَذَهَا المُسلِمُونَ عَن كِتَابِ رَبِّهِم وَسُنَّةِ نَبِيِّهِم ، وَنَشَرَهَا فِيهِم عُلَمَاؤُهُم وَفُقَهَاؤُهُم ، فَكَانَت أَحوَالُ غَالِبِ الأُسَرِ مُستَقِرَّةً هَادِئَةً ، وَحَيَاتُهَا مُطمَئِنَّةً هَانِئَةً ، قَائِمَةً عَلَى رِعَايَةِ المَصَالِحِ المُشتَرَكَةِ ، وَالعِنَايَةِ بما يُبقِي عَلَى البِنَاءِ وَيُصلِحُ شَأنَ الأَبنَاءِ ، وَقَد كَانَ مِن أَسوَأِ مَا يَمُرُّ بِأُسرَتَيِ الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ ، أَن يَنفَصِلَ الزَّوجَانِ بِخُلعٍ أَو طَلاقٍ ، وَأَن تَنتَهِيَ حَيَاتُهُمَا بِتَبَاعُدٍ وَافتِرَاقٍ ، وَخَاصَّةً حِينَمَا يَكُونَانِ قَد رُزِقَا أَبنَاءً وَبَنَاتٍ ، يَكُونُ مَصِيرُهُم بَعدَ تَفَرُّقٍ أَبَوَيهِم الضَّيَاعَ وَالشَّتَاتَ ، وَتَتَنَغَّصُ عِيشَتُهُم وَتَتَكَدَّرُ ، وَتَنكَسِرُ خَوَاطِرُهُم وَتَتَغَيَّرُ ، فَإِنِ انحَازُوا إِلى أَبِيهِم ضَاعُوا ، وَإِن بَقُوا مَعَ أُمِّهِم جَاعُوا  .

أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَتِ الحَيَاةُ الزَّوجِيَّةُ وَالعِلاقَةُ الأُسْرِيَّةُ بِنَاءً قَوِيًّا يُهِمُّ الجَمِيعَ ارتِفَاعُهُ ، وَيَصعُبُ عَلَى المُفسِدِينَ اجتِثَاثُهُ وَاقتِلاعُهُ ، حَتى أَصَابَ العَالَمَ في وَقتِنَا الحَاضِرِ مَا أَصَابَهُ مِن تَغَيُّرَاتٍ اجتِمَاعِيَّةٍ وَاقتِصَادِيَّةٍ ، وَطَرَأَ عَلَيهِ مَا طَرَأَ مِنِ انحِرَافَاتٍ فِكرِيَّةٍ وَسُلُوكِيَّةٍ ، وَفَشَا فِيهِ مَا فَشَا مِن ضَعفِ تَمَسُّكٍ بِالدِّينِ وَفَسَادٍ في القُلُوبِ والفِطَرِ وَضُمُورٍ في العُقُولِ ، فَظَهَرَت مَنَاهِجُ شَاذَّةٌ ، وَاستَقَرَّت في الأَذهَانِ آرَاءٌ مُخَالِفَةٌ لِلفِطرَةِ ، كَانَت مَحصُورَةً في مُجتَمَعَاتٍ تَقَادَمَ فَسَادُهَا وَكَثُرَ إِفسَادُهَا ، لَكِنَّهَا لم تَلبَثْ أَنِ انتَشَرَت بِانتِشَارِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وَأَجهِزَةِ الاتِّصَالِ ، وَاطَّلَعَ النَّاسُ عَلَيهَا فِيمَا هُوَ مُسَجَّلٌ وَمُصَوَّرٌ ، وَتَأَثَّرَ بها بَعضُ ضُعَفَاءِ الأَلبَابِ وَضَعِيفَاتِ العُقُولِ مِنَ الأَزوَاجِ وَالزَّوجَاتِ ، مِمَّن انخَدَعُوا وَانحَرَفُوا وَتَشرَّبُوا التَّغيِيرَاتِ ، وَتَعَجَّلُوا في اتِّخَاذِ القَرَارَاتِ دُونَ إِدرَاكٍ لِلمَآلاتِ وَلا نَظَرٍ في النِّهَايَاتِ ، فَحَدَثَ في السِّنِينِ المُتَأَخِّرَةِ طَلاقُ أَزوَاجٍ لِزَوجَاتِهِم عَلَى أَتفَهِ الأَسبَابِ ، وَظَهَرَت قَضَايَا خَلعِ زَوجَاتٍ لأَزوَاجِهِنَّ تَأَثُّرًا وَانجِرَافًا مَعَ التَّيَّارِ المَادِيِّ المُنتِنِ ، الَّذِي عَادَتِ الزَّوجَةُ بَعدَ أَن شَرِبَت مِنهُ لا تَرَى الزَّوجَ إِلاَّ خِزَانَةً تَفتَحُهَا مَتى شَاءَت ؛ لِتَتَمَتَّعَ في دُنيَاهَا تَقلِيدًا لأَخَوَاتِهَا أَو زَمِيلاتِهَا أَو قَرِيبَاتِهَا ، أَو لِمَشهُورِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ المَفتُونِينَ وَالمَفتُونَاتِ ، مِمَّن بَاعُوا لأَجلِ الظُّهُورِ دِينَهُم ، وَطَرَحُوا في سَبِيلِ الشُّهرَةِ قِيَمَهُم وَشِيَمَهُم ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ، وَصَارُوا مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ وَالفِتنَةِ ، نَوَافِذَ مَفتُوحَةً لِجِهَاتٍ مَشبُوهَةٍ ، تُرسِلُ مِن خِلالِهَا أَضَوَاءَهَا الفَاتِنَةَ ، وَتَخدَعُ بِبَرِيقِهَا الغَافِلِينَ وَالغَافِلاتِ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ وَالإِخوَةِ الكِبَارِ وَالأَخَوَاتِ العَاقِلاتِ ، تَدَارُكُ مَن حَولَهُم مِن أُسَرٍ ، وَخَاصَّةً الأُسَرَ الجَدِيدَةَ ، الَّتي دَخَلَ أَطرَافُهَا الحَيَاةَ بِأَفكَارٍ مُنتَكِسَةٍ وَفُهُومٍ قَاصِرَةٍ ، ظَانِّينَ أَنَّ الحَيَاةَ الَّتي سَيَكُونُونَ عَلَيهَا ، هِيَ تِلكَ الَّتي يَرَونَهَا في وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ ، وَيَنقُلُهَا لَهُمُ المَشَاهِيرُ بِالتَّصوِيرِ الفَاتِنِ ، نَعَم أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، عَلَينَا أَن نَتَدَارَكَ أَنفُسَنَا وَمَن حَولَنَا ، وَنَنظُرَ إِلى حَيَاتِنَا نَظرَةَ جِدٍّ وَاهتِمَامٍ وَتَقدِيرٍ ، وَشُعُورٍ بِعِظَمِ المَسؤُولِيَّةِ وَثِقَلِ الأَمَانَةِ ، فَاللهُ قَد أَمَرَنَا بِوِقَايَةِ أَنفُسِنَا وَمَن تَحتَ أَيدِينَا ، وَحَذَّرَنَا مِن أَن يَكُونَ مَن نُحِبُّهُ عَدُوًّا لَنَا ، وَحَمَّلَنَا الأَمَانَةَ وَنَهَانَا عَنِ الخِيَانَةِ ، وَجَعَلَ لِلرِّجَالِ القِيَامَ عَلَى النِّسَاءِ ، وَأَمَرَهُم عِندَ خَشيَةِ الشِّقَاقِ وَفَسَادِ الحَيَاةِ الزَّوجِيَّةِ بِخُطُوَاتٍ لِلإِصلاحِ ، إن هُمُ اتَّبَعُوهَا وَأَخَذُوا بِهَا عَن إِرَادَةٍ صَالِحَةٍ وَنِيَّةٍ حَسَنَةٍ ، صَلَحَت حَيَاتُهُم وَوَفَّقَ اللهُ بَينَهُم ، قَالَ سُبحَانَهُ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ " وَقَالَ جَلَّ وَعَلا : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِن أَزوَاجِكُم وَأَولادِكُم عَدُوًّا لَكُم فَاحذَرُوهُم " وَقَالَ تَعَالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ . وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ " وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهجُرُوهُنَّ في المَضَاجِعِ وَاضرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعنَكُم فَلا تَبغُوا عَلَيهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا . وَإِنْ خِفتُم شِقَاقَ بَينِهِمَا فَابعَثُوا حَكَمًا مِن أَهلِهِ وَحَكَمًا مِن أَهلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَينَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا  "

 

الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا  "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ بَيتَ الزَّوجِيَّةِ سُورٌ عَالٍ تُحفَظُ بِهِ الأُسرَةُ وَالأَبنَاءُ مِنَ الضَّيَاعِ ، لَكِنَّ مِن طَبِيعَةِ الحَيَاةِ أَن يَحصُلَ فِيهَا مَا يَحصُلُ مِن خِلافٍ أَوِ اختِلافٍ ، وَالنُّفُوسُ تُقبِلُ وَتُدبِرُ ، وَالقُلُوبُ تَتَوَادُّ وَتَأتَلِفُ ، وَقَد تَتَنَافَرُ وَتَختَلِفُ ، لَكِنَّ سَفَاسِفَ الأُمُورِ وَصَغَائِرَهَا يَجِبُ أَلاَّ تُكبَّرَ وَتُضَخَّمَ ، أَو تُتبَعَ وَيُهتمَّ بها ، حَتى تَكُونَ سَبَبًا لِلطَّلاقِ وَمُسَوِّغًا لِلفِرَاقِ ، وَبِدَايَةً لِخَرَابِ البُيُوتِ وَتَشَتُّتِ الأُسَرِ وَضَيَاعِ الأَبنَاءِ ، يَجِبُ عَلَى الزَّوجَينِ أَلاَّ يَتَسَرَّعَا في اتِّخَاذِ أَيِّ قَرَارٍ ، وَأَلاَّ يَستَعجِلا بِلَفظٍ أَو تَصَرُّفٍ قَبلَ أَن يُطِيلا النَّظَرَ في عَاقِبَتِهِ وَمَا يَؤُولُ إِلَيهِ الأَمرُ بَعدَهُ ، مَا أَجمَلَ التَّغَافُلَ عَمَّا يُمكِنُ التَّغَافُلُ عَنهُ مِنَ الزَّلاَّتِ ، وَأَلاَّ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوجَينِ مُتَتَبِّعًا لأَخطَاءِ صَاحِبِهِ مُكَبِّرًا لَهَا . لا خَيرَ في كَثرَةِ الجِدَالِ وَالخِصَامِ ، وَلا في اللَّجَاجَةِ وَعَجنِ الكَلامِ ، وَلا في تَردَادِ الشَّكوَى وَكَثرَةِ اللَّفِّ وَالدَّوَرَانِ ، فَهِيَ تُؤَدِّي إِلى النِّزَاعِ وَالشِّقَاقِ وَتُقسِي القُلُوبَ ، وَمِن ثَمَّ يَذهَبُ الحُبُّ وَتَقِلُّ المَوَدَّةُ وَتُنزَعُ الرَّحمَةُ ، وَيَتَمَسَّكُ كُلٌّ بِرَأيِهِ وَيَزدَادُ العِنَادُ وَالتَّضَادُّ ، ثم يَكُونُ الطَّلاقُ وَالفِرَاقُ . تَدَخُّلُ الأَهلِ في الشُّؤُونِ الخَاصَّةِ وَفي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرةٍ ، مَجَالٌ لِتَعَدُّدِ الآرَاءِ وَاختِلافِ الوُجهَاتِ وَتَشَعُّبِ الأُمُورِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ الأَفضَلَ وَالأَكمَلَ أَن يَحِلَّ الزَّوجَانِ مُشكِلاتِهِمَا بِأَنفُسِهِمَا قَدرَ الإِمكَانِ ، وَأَن يَتَصَارَحَا ثم يَتَسَامَحَا وَيَتَصَالَحَا ، مَعَ شَيءٍ مِنَ التَّنَازُلِ وَالتَّوَاضُعِ ، وَعَدَمِ نِسيَانِ مَا بَينَهُمَا مِنَ الفَضلِ وَالخَيرِ عِندَ أَدنى خِلافٍ ، مَا أَجدَرَ الزَّوجَ أَن يَكُونَ كَرِيمًا حَلِيمًا صَبُورًا ، وَأَلاَّ يَكُونَ غَضُوبًا سَلِيطَ اللِّسَانِ مَنَّانًا  ، كَثِيرَ التَّأنِيبِ وَاللَّومِ عَلَى أَخطَاءٍ قَد مَضَت وَانتَهَت . وَحَذَارِ حَذَارِ مِنَ التَّخبِيبِ لِلزَّوجَينِ ، وَهُوَ أَن يُذكَرَ لأَحَدِهِمَا مِن عُيُوبِ الآخَرِ مَا يُكَرِّهُهُ فِيهِ وَيُقَلِّلُ مِن شَأنِهِ لَدَيهِ ، وَإِنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَ هَذَا مِن بَعضِ الأَقَارِبِ عَن حُسنِ نِيَّةٍ وَغَفلَةٍ ، لَكِنَّهُ خَطَأٌ وَلا شَكَّ ، بَل هُوَ جَرِيمَةٌ عَظِيمَةٌ وَكَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " لَيسَ مِنَّا مَن خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَو عَبدًا عَلَى سَيِّدِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَإِنَّ مِنَ التَّخبِيبِ غَيرِ المُبَاشِرِ مَا يَنشُرُهُ المَشَاهِيرُ في وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ ، فَيَرَاهُ المُغَفَّلُونَ وَيُصَدِّقُونَهُ ، وَهُوَ في حَقِيقَتِهِ تَمثِيلٌ وَخِدَاع ٌ، وَبِسَبَبَهِ تَتَغَيَّرُ الزَّوجَاتُ عَلَى أَزوَاجِهِنَّ أَوِ العَكسُ  ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمَا يُرِيدُ أَن يَكُونَ قَرِينُهُ كِمِثلِ ذَاكَ الَّذِي رَآهُ في صُورَةٍ أَو مَقطَعٍ تَمثِيلِيٍّ ، وَالحَقُّ أَنَّهُ لا يَظهَرُ في هَذِهِ الخِدَعِ إِلاَّ الوَجهُ الحَسَنُ لِحَيَاةِ النَّعِيمِ وَالتَّرَفِ ، وَالوَاقِعُ أَنَّ الحَيَاةَ الحَقِيقِيَّةَ لِكُلٍّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ، فِيهَا الحَسَنُ وَفِيهَا السَّيِّئُ ، وَفِيهَا الجَمِيلُ وَفِيهَا القَبِيحُ ، فَمَا أَحرَى كُلَّ فَردٍ وَكُلَّ أُسرَةٍ أَن يَعِيشُوا حَيَاتَهُمُ الَّتي قَسَمَ اللهُ لَهُم ، وَأَن يَبتَعِدُوا عَن حَيَاةِ المَشَاهِيرِ في وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ ، أَو حَيَاةِ غَيرِهِم مَمَّن وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِم ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الضَّحَايَا هُمُ المُقَلِّدُونَ ، وَالرِّضَا بِمَا قَدَّرَ اللهُ هُوَ مِفتَاحُ الفَلاحِ ، وَالقَنَاعَةُ كَنزٌ لا يَفنى ، وَالنَّظَرُ مِن كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوجَينِ في حَسَنَاتِ الآخِرِ وَشُكرُهَا ، يَزِيدُهَا وَيُنَمِّيهَا ، وَيُبعِدُ الشَّيطَانَ وَيَحُلُّ كَثِيرًا مِنَ العُقَدِ ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " لا يَفرَكْ -أَيْ لا يُبغِضْ- مُؤمِنٌ مُؤمِنَةً ، إِن كَرِهَ مِنهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنهَا آخَرَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا ، وَخِيَارُهُم خِيَارُهُم لِنِسَائِهِم " أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلْيَعرِفْ كُلٌّ مِنَّا مَا لَهُ وَمَا عَلَيهِ مِنَ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ ، وَلْنُحسِنْ مَعَ ذَلِكَ التَّعَامُلَ بِحَسَبِ مَا يُوجِبُهُ الدِّينُ وَالفِطرَةُ وَالعَقلُ ، لا بِحَسَبِ مَا تُملِيهِ النَّفسُ وَالهَوَى وَالشَّيطَانُ ، وَلْنَحذَرِ التَّطَلُّعَ إِلى الكَمَالِ ؛ فَإِنَّ النَّقصَ مِن طَبِيعَةِ البَشَرِ ، وَلْنَحرِصْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَعَدَمِ مَعصِيَتِهِ ، فَإِنَّ المَعَاصِيَ تُزِيلُ الخَيرَ وَالنِّعَمَ ، وَهِيَ سَبَبُ حُصُولِ الشَّرِّ وَقِلَّةِ البَرَكَاتِ وَحُلُولِ النِّقَمِ ، قَالَ أَحَدُ السَّلَفِ : إِنِّي لأَعصِي اللهَ تَعَالى فَأَعرِفُ هَذَا في خُلُقِ زَوجَتي وَدَابَّتي  .

المرفقات

1668678371_طلقها أو خلعته.docx

1668678384_طلقها أو خلعته.pdf

المشاهدات 2234 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا