خطبة حياة قلب النبي وصيام شعبان

mhtsb-alajr
1443/08/01 - 2022/03/04 07:48AM

خطبة حياة قلب النبي وصيام شعبان ...

الخطبة الأولى :

الحمد لله والصلاة والسلام وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من اتبع هداه إلي يوم الدين : ﴿وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِی نَفۡسِكَ تَضَرُّعاً وَخِیفَةࣰ وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَـٰفِلِینَ﴾ [الأعراف ٢٠٥]

إنه توجيه من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لقلبه الحي الذي أحيا الله به قلوباً غلفاً وأعيناً عمياً وأذاناً صما ...

﴿أَوَمَن كَانَ مَیۡتࣰا فَأَحۡیَیۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورࣰا یَمۡشِی بِهِۦ فِی ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ لَیۡسَ بِخَارِجࣲ مِّنۡهَاۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ زُیِّنَ لِلۡكَـٰفِرِینَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام ١٢٢]

 

فكان قلب النبي حي متفاعل مع آيات الله الكونية والنقلية

عن عائشة أم المؤمنين:] ما رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ مُسْتَجْمِعًا ضاحِكًا، حتّى أَرى منه لَهَواتِهِ، إنَّما كانَ يَتَبَسَّمُ، قالَتْ: وَكانَ إذا رَأى غَيْمًا، أَوْ رِيحًا، عُرِفَ ذلكَ في وَجْهِهِ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، أَرى النّاسَ، إذا رَأَوْا الغَيْمَ فَرِحُوا، رَجاءَ أَنْ يَكونَ فيه المَطَرُ، وَأَراكَ إذا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ في وَجْهِكَ الكَراهيةَ؟ قالَتْ: فَقالَ: يا عائِشَةُ ما يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكونَ فيه عَذابٌ، قدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بالرِّيحِ، وَقَدْ رَأى قَوْمٌ العَذابَ، فَقالوا: {هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا}[الأحقاف:٢٤]. مسلم (ت ٢٦١)، صحيح مسلم ٨٩٩  •  [صحيح]

وعند سماع القرآن يتفاعل معه فعن عبدالله بن الشخيررضي الله عنه قال : انتهيْتُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ وهو يُصلِّي ولصدرِهِ أزيزٌ كأزيزِ المِرجلِ.  منَ البكاءِ أخرجه أبو داود

 

وذلك مصداق قول الله تعالى ﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مِن ذُرِّیَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحࣲ وَمِن ذُرِّیَّةِ إِبۡرَٰ⁠هِیمَ وَإِسۡرَٰۤءِیلَ وَمِمَّنۡ هَدَیۡنَا وَٱجۡتَبَیۡنَاۤ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَبُكِیࣰّا ۩﴾ [مريم ٥٨]

وقوله ﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِیثِ كِتَـٰبࣰا مُّتَشَـٰبِهࣰا مَّثَانِیَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَٰ⁠لِكَ هُدَى ٱللَّهِ یَهۡدِی بِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ﴾ [الزمر ٢٣]

أما القلوب الميتة فقد وصفها الله فقال ﴿ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰ⁠لِكَ فَهِیَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةࣰ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا یَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا یَشَّقَّقُ فَیَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَاۤءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا یَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡیَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ﴾ [البقرة ٧٤]

[عن أبي موسى الأشعري:] قال صلى الله عليه وسلم ( مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ.صحيح البخاري ٦٤٠٧ 

إنه للقلب الحي قلب محمد صلى الله عليه وسلم (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )

لقد كان من حياة قلب النبي صلى الله عليه وسلم تفاعله مع الكون وأحداثه وأناءه وأوقاته وشهوره وأعوامه فكان كما أمر الله ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّیۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡهُودࣰا ۝٧٨ وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةࣰ لَّكَ عَسَىٰۤ أَن یَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامࣰا مَّحۡمُودࣰا ۝٧٩﴾ [الإسراء ٧٨-٧٩]

﴿وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَیِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّیۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ یُذۡهِبۡنَ ٱلسَّیِّـَٔاتِۚ ذَٰ⁠لِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰ⁠كِرِینَ ۝١١٤ وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ ۝١١٥﴾ [هود ١١٤-١١٥]

 

يقلب نظره في السماء يتفكر ويتأمل ويخشع ويتأثر

 

روى الإمام مسلم في صحيحه صحيح مسلم (1/ 530)

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنه أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا»

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَاَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى الْهِلاَلَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ» مسند الدارمي ت الزهراني (1/ 547)

قلب حي متفاعل مع الكون والآيات فلتكن قلوبنا حية بذكر الله وطاعته .

 

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله وسلام على من اصطفى وبعد:

لقد كان من حياة قلب النبي صلى الله عليه وسلم ما يظهره من العبادات مما يحفز أصحابه إلى الاستفسار طلب للاقتداء به روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا " صحيح مسلم (2/ 811)

روى الإمام أحمد في مسنده عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنه  قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تَصُومُ لَا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ، وَتُفْطِرَ حَتَّى لَا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ إِلَّا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ وَإِلَّا صُمْتَهُمَا قَالَ: " أَيُّ يَوْمَيْنِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمُ الْخَمِيسِ. قَالَ: " ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " قَالَ: قُلْتُ: وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ: " ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " مسند أحمد ط الرسالة (36/ 85)

قال الشيخ ابن باز رحمه الله  : كان النبي ﷺ يصوم شعبان كله وربما صامه إلا قليلًا كما ثبت ذلك من حديث عائشة وأم سلمة، أما الحديث الذي فيه النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان فهو صحيح، كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة، والله ولي التوفيق

وقال : تخصيص يوم النصف من شعبان بالعبادة، أو الصيام، أو ليلة النصف لا أصل له، بل هو بدعة، الصحيح من أقوال العلماء أنه بدعة، والأحاديث التي فيه ضعيفة، ليلة النصف من شعبان كلها ضعيفة، وبعضها موضوع، لا صحة لها. انتهى .

عباد الله شمروا في هذا الشهر تهيئة للنفوس لشهر رمضان فإن من دخل عليه رمضان وهو غير معتاد للصيام والعبادة وقراءة القرآن ثقلت عليه العبادة في شهر رمضان . يقول "ابن رجب" في كتاب لطائف المعارف: (وقد قيل في صوم شعبان: إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط).

روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهل شهر شعبان أكبوا على المصاحف فقرءوها وأخذوا في زكاة أموالهم فقووا بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان، ودعا المسلمون مملوكيهم فحطوا عنهم ضرائب شهر رمضان، ودعت الولاة أهل السجون فمن كان عليه حد أقاموا عليه، وإلا خلوا سبيله".

 

وذكروا  أنفسكم أهليكم من كان عليه صيام لم يصمه فليصمه قبل دخول شهر رمضان عليه .

ومما نذكر به في هذه الأيام بداية الاختبارات التحريرية ولا شك أنها تحتاج منا إلى متابعة للأبناء من حيث حثهم وكذلك التأكد من عودتهم للمنازل بعد انتهاء الاختبارات والتحقق من أداء عباداتهم .

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وأجعلنا من الراشدين .

اللهم وفقنا للعمل الصالح في هذا الشهر وبلغنا بفضلك ورحمتك شهر رمضان ونحن والمسلمون في خير وبر وتقوى

اللهم من أرادنا في ديننا وعقيدتنا بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه 

المرفقات

1646650160_حياة قلب النبي وصيام شعبان.docx

1646650162_حياة قلب النبي وصيام شعبان.pdf

المشاهدات 710 | التعليقات 0