(خطبة) حفظ النفس من الضرورات الخمس

خالد الشايع
1444/02/19 - 2022/09/15 16:56PM

الخطبة الأولى ( حفظ النفس من الضرورات الخمس )      20/2/1444

أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن الله جل وعلا خلقكم لعبادته ، ويسر لكم أسباب ذلك ، وأمركم بما يعينكم على عبادته ، ونهاكم عما يصدكم عنها ، فمن التزم الطريق الذي رسمه له الشرع أفلح ونجا ، ومن حاد عن الطريق ضل وغوى  .

معاشر المسلمين : إن مما حث عليه الشرع وأكد عليه ، حفظ النفس ، بل جعله من الضرورات الخمس ، وذلك بالنهي عن كل ما يضر النفس أو يهلكها ، ودعا إلى كل ما يحفظها ، وينميها ، والضرورات الخمس تعرف بالكليات الخمس، وهي: الدين، والعقل، والنسل، والمال، والنفس.
ومقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم، وأن يحفظ عليهم أنفسهم، وأن يحفظ عليهم عقولهم، وأن يحفظ عليهم نسلهم، وأن يحفظ عليهم أموالهم.
فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على هذه الضرورات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل". [الموافقات: 1/31].
 وحفظ الدين أولها، وأكبر الكليات الخمس وأرقاها، لأن الغاية التي خلق الخلق لها هو هذا،  قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وضياعه ضياع بقية المقاصد ، وخراب الدنيا بأسرها، وقد شبه الله حال الأمم التي خلت من الدين الصحيح بالأموات، وشبه الدين بالحياة للأمم، قال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 122].
لذا فقد شرع الله من الوسائل ما يتمم به حفظ الدين، ومن ذلك: تعلمه، والعمل به، والدعوة إليه، والحكم به، والجهاد من أجله، ورد ما يخالفه، والصبر على الأذى في سبيل تحقيق ذلك.
ويكون حفظ الدين ، بفعل كل ما من شأنه تثبيت الدين، وتقويته ، كالقيام بأصول العبادات: الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، أركان الإسلام الخمسة ، ثم بالدعوة إليه .

ثم يأتي بعد حفظ الدين في المرتبة الثانية حفظ النفس ، وهو ما نحن بصدد الحديث عنه ، فالشريعة حرمت العدوان على النفس:  (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً[النساء: 93

فقتل النفس جريمة بشعة وعظيمة الجرم عند الله ، حتى حكم على القاتل بالخلود في نار جهنم والعياذ بالله ، وجاءت الأحاديث الكثيرة التي تنص على شناعة القتل وعظيم جرمه ، وذلك للتنفير من هذه الفعلة النكراء ، وجعل حد القاتل في الدنيا القتل ، حتى يرتدع الناس ، فتكون للناس حياة بذلك ، فنقتل القاتل ، لتحيا الأمة ( ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب )

عباد الله : لقد تهاون البعض في القتل ، فأصبحت الدماء تراق بأدنى سبب ، كنعرات قبلية ، أو عرقية ، أو هوشات تافهة ، ثم تخطئ العاقلة بجمع الدية عن القاتل وتكون بعشرات الملايين ، مما جعل البعض يتساهل في القتل ، لأن عاقلته سيجمعون له ما يعتق رقبته ، فاجتمعت عدة أخطاء ، التهاون بالقتل ، ثم المغالاة في الدية وكأن أولياء الدم يبيعون حق المقتول ليتنعموا به ، ثم تجمع الناس عن طريق المباهاة ، والقبلية ، والمناشدات ، لجمع تلك الملايين ، والغريب أن الناس يتسارعون في الدفع ، وإخوانهم المرضى والمشردون في كل مكان لا يجدون من يساعدهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فالأولى بأولياء المقتول أن يعفوا عن القاتل إن كان أهلا للعفو ، أو يقبلوا الدية التي فرضها الله في كتابه ، أو يقتصوا منه بقتله .

اللهم فقهنا في الدين ، واحفظ علينا ديننا ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم

 

الخطبة الثانية

أما بعد  فيا أيها الناس :

لقد كرم الله الإنسان وفضله على كثير من خلقه، وسخر له الكون بما فيه، ومنحه نعمة العقل وحسن الهيئة وشمله بالرعاية والحفظ منذ تكوينه نطفة في داخل الرحم، ووهبه وسائل الإدراك وتفضل عليه ببعثه الأنبياء، وإنزال الكتب لهديه، وإرشاده بما فيه خيره في الدنيا والآخرة، وهذا كله دال على مكانة الإنسان وعظيم شأنه في هذا الكون، وقد وضع له الضمانات لوجوده واستمراره وبيان المصالح والمضار له في تحصيل مطالبه، وبيان حالات الضيق والسعة، والانتقال من العسر إلى اليسر بمقتضى ما وضع له من قواعد في الشريعة الإسلامية، كل ذلك حفاظا على الوجود الإنساني وضمانا لاستمراره،

فمن حفظ النفس تشريع دفع الصائل، ويقصد بالصائل؟ المعتدي، فشرع دفعه ولو بقتله، حماية للنفس، سواءً كان المعتدي إنساناً أو حيواناً، وحكم على من قتل دون نفسه بأنه شهيد كما جاء في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (من قُتل دون دمه فهو شهيد[

 ونحذر الجميع خصوصا الشباب ، من حمل الأسلحة النارية أو البيضاء في السيارات ، فإن الشيطان ينزع في العبد وقت الغضب ، ثم يندم ولات حين مندم .

كما ينهى العبد من مشاهدة الأفلام التي تساعد على العنف وتدعو إليه ، وتسهل القتل في أعين الشباب .

ومن حفظ النفس النهي عن الانتحار، حتى إن أهل الفضل والعلم لا يصلون على المنتحر، ردعاً لأمثاله ممن يريدون الانتحار:  وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ۝ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء: 29-30].

ومن صور حفظ النفس ، نهي العبد أن يلقي بنفسه إلى التهلكة ، كالإلقاء بها في المخاطر ، وتجشم الأماكن الخطرة ، وكالسرعة الجنونية بالسيارة ، أو شرب الدخان ، أو تعاطي المخدرات ، وكل ما يتلف النفس أو يكون سببا في إتلافها ، حرم  على العبد من باب حفظ النفس ، ونهي العبد أن ينام فوق سطح ليس له جدار ، أو يبيت لوحده أو يسافر لوحده ، كلها من باب حفظ النفس ، وكذلك ينبغي للعبد أن يتخذ طرق السلامة ، فيتعلم من وسائل السلامة ما ينقذ به نفسه أو غيره عند الضرورة ، وكل ما يتصور منه الخطر فالعبد منهي عنه ، وكل ما يتصور منه السلامة فالعبد مأمور به .

عباد الله : إن النفس البشرية ليست ملكا للبشر ، إنما هي عارية وأمانة لدى العبد ، فيجب عليه المحافظة عليها ، وتنميتها ، وأن لا يصنع بها شيئا يقودها للتلف ، أو النقص ، وعلى الجميع السعي الحثيث في تربية الأبناء والبنات على حسن الخلق والعفو والصفح وعدم الانتقام للنفس ، فكم نسمع من شجارات في المدارس والشوارع انتهت بموت البعض ثم لا يكون إلا الندم حيث لا ينفع الندم ، فبادروا الأولاد بالتربية والتحذير من الهوشات والمنازعات ، وصحبة الأخيار والبعد عن الأشرار .

اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .......

المرفقات

1663250200_خطبة عن حفظ النفس والعناية بها.docx

المشاهدات 5758 | التعليقات 0