خُطْبَةُ الجُمُعَةِ 13 ذِي الحِجَّةِ 1442هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1442/12/11 - 2021/07/21 14:46PM

الابْتِلَاءُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ 13 ذِي الحِجَّةِ 1442هـ

الْحَمْدُ للهِ مُسْبِغِ الآلاءِ، كَاشِفِ اللَّأْوَاءِ، مُعِيدِ الْبَرَكَاتِ وَالنِّعَمِ، مُبِيدِ الشُّرُورِ وَالنِّقَمِ، يَبْتَلِي عِبَادَهُ بِجَدْبِ الدِّيَارِ وَنَقْصِ الْأَمْطَارِ لِلابْتِلَاءِ وَالاخْتِبَارِ، سُبْحَانَهُ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الْأَطْهَارِ وَصَحاَبَتِهِ الْأَبْرَارِ، الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ وَالْأَنْصَارِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَسَلَّم تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاسْتَعِدُّوا لِلْاخْتِبَارِ فَالدُّنْيَا دَارُ بَلاءٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين}.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمُوَفَّقَ حَقًا وَالْمُصِيبَ صِدْقًا مَنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكِرَ وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ، فَإِنَّ هَذِهِ الثَّلاثَ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ، وَإِنَّنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ بَيْنَ فِتَنٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْذَرَنَا ذَلِكَ فَقَالَ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ, وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، فَكَمَا أَنَّ الْبَلَاءَ يَكُونُ بِالشَّرِّ فَكَذَلِكَ يَكُونُ بِالْخَيْرِ، فَالْخَيْرُ يُقَابَلُ بِالشُّكْرِ وَاسْتِعْمَالِهِ فِي طَاعَةِ اللهِ لِيَدُومَ وَيَكْثُرَ، وَالشَّرُّ يُقَابَلُ بِاتِّقَائِهِ وَاللُّجُوءِ إِلَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَفْعِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}، وَأَيْضًا بِالنَّظَرِ إِلَى النَّفْسِ فِيمَا عَمِلْتَ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُصَابُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَيُعَاقَبُ بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فِي نِعْمَةٍ عَظَيمَةٍ لا يَعْرِفُ قِيمَتَهَا إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، فَعِنْدَنَا أَمْنٌ فِي الْوَطَنِ وَصِحَّةٌ فِي الْبَدَنِ وَرُخْصٌ فِي الْمَعِيشَةِ لا يَنَالُهُ مُعْظُمُ سُكَّانِ الْعَالَمِ، وَمَنْ نَظَرَ حَوْلَهُ عَرَفَ ذَلِكَ، وَمَنْ جَهِلَ فَلْيَسْأَلْ إِخْوَانَهُ مِنْ غَيْرِ السُّعُودِيِّينَ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ، وَمَا يَفْقِدُهُ مُعْظَمُ سُكَّانِ الْعَالَمِ.

فَإِنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ فَلْيَقُدْهَا بِمَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ مِنَ التَّوْجِيهَاتِ لِكَي يَرْضَى وَيَعْرِفَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلُوا هَذَا التَّوْجِيهَ النَّبَوِيَّ الْكَرِيمَ، فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى إِخْوَانِكَ الْفُقْرَاءِ عَرَفْتَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ غِنًى، وَمَهْمَا كَانَ الْإِنْسَانُ مُحْتَاجًا فَإِنَّهُ يُوجَدُ مَنْ هُوَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنْهُ.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: إِنَّهُ قَدْ مَرَّ عَلَى بِلادِنَا السُّعُودِيَّةِ خِلَالَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً الْمَاضِيَةِ طَفْرَةٌ فِي الْمَالِ لَمْ يَكُنْ أَجْدَادُنَا يَحْلُمُونَ بِهِ حَتَّى فِي الْخَيَالِ، وَلَكِنَّنَا فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِنَا لَمْ نُقَابِلْ هَذِهِ النِّعْمَةَ بِالشُّكْرِ وَصَرْفِهَا فِي الْوُجُوهِ الْمَشْرُوعَةِ، إِنَّهُ بَلَغَ بِنَا الثَّرَاءُ حَتَّى تَفَنَّنَا فِي تَرْفِيهِ أَنْفُسِنَا وَالسَّعْيِ وَرَاءَ رَاحَةِ أَبْدَانِنَا، وَرُبَّمَا نَسِينَا آخِرَتَنَا وَالْعَمَلَ لَهَا.

إِنَّنَا تَفَنَّنَا فِي عِمَارَةِ الْبُيُوتِ وَالْمَنَازِلِ حَتَّى إِنَّ بَيْتَ الْعَائِلَةِ الْوَاحِدَةِ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْوِي عَشْرَ عَائِلَاتٍ، بَيْنَمَا مَنْ حَوْلَنَا مَنَازِلُهُمُ الْخِيَامُ وَبُيُوتُ الطِّينِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْكُنُ فِي الْعَرَاءِ ... إِنَّنَا أَسْرَفْنَا فِي الْمَرَاكِبِ حَتَّى إِنَّهُ وُجِدَ عِنْدَنَا مَنْ يَرْكَبُ كُلَّ سَنَةٍ سَيَّارَةً جَدِيدَةً, وَلا يَرْضَى بِرُكُوبِ السَّيَّارَةِ التِي مَرَّ عَلَيْهَا سَنَةٌ، بَيْنَمَا غَيْرُنَا يَزْدَحِمُونَ فِي رُكُوبِ الْحَافِلَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَقْدَامِهِ فَلَيْسَ عِنْدَهُ مَالٌ يَرْكَبُ بِهِ الْحَافِلَةَ.

 إِنَّنَا قَدْ خَدَمَنَا غَيْرُنَا مِنَ الْعُمَّالِ وَالْخَادِمَاتِ حَتَّى وُجِدَ فِي بَعْضِ الْبُيُوتِ خَادِمِتَانِ أَوْ ثَلاثٌ, وَسَائِقٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَقَلَّ بَيْتٌ عِنْدَنَا فِي الْمَمْلَكَةِ إِلَّا وَفِيهِ خَادِمَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ نَنْدِبُ حَظَّنَا وَنَشْكُوا عِوَزَنَا.

إِنَّنَا قَدْ أَسْرَفْنَا فِي الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ، فَمَا فِي مَخْزَنِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ يَكْفِى لِإِعَاشَةِ قَرْيَةٍ شَهْرًا كَاِملًا، ثُمَّ إِنَّ فَائِضَ الْأَطْعِمَةِ قَدْ غَصَّتْ بِهِ صَنَادِيقُ الْقُمَامَةِ، وَلا يُكَلِّفُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ لِنَقْلِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ حِفْظِهِ لِنَفْسِهِ لِيَسْتَخْدِمَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً، لِأَنَّنَا تَعَوَّدْنَا عَلَى الْبَذْخِ وَالْإِسْرَافِ وَالتَّفَنُّنِ فِي أَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ قَدْ وَصَلَ عِنْدَنَا التَّرَفُ وَالْتَّصُّرْفُ فِي الْأَمْوَالِ حَدًّا لا يَكَادُ يُوصَفُ، فَبَعِيرٌ يُبَاعُ بِعَشَراتِ الْمَلَايِينِ، وَسَيَّارَةٌ تُشْتَرَى بِمِلْيُونِ رِيَالٍ، وَتَيْسٌ يُبَاعُ بِعَشَرَاتِ الآلَافِ، وَرَقَمُ لَوْحَةِ سَيَّارَةٍ يُعْرَضُ لِلْمَزَادِ بِمِئَاتِ الآلافِ، وَمَعَازِيمُ يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ بِدُهْنِ الْعُودِ الْمَلَكِي الذِي ثَمَنُهُ يَتَجَاوَزُ الْحَدَّ، تَفَاخُرًا أَمَامَ أَعْيُنِ الْمَلَأ.
إِنَّ هَذَا مِمَّا تَحِلُّ بِهِ الْعُقُوبَاتُ وَتَنْزِلُ بِهِ النِّقَمُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}، أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ وُجِدَ مِنْ شَبَابِنَا مَنْ يَرْمِي الْفُلُوسَ وَعُقُودَ الذَّهَبِ عَلَى صُدُورِ الرَّاقِصَاتِ وَالْمُغَنِّيَاتِ, وَيَسْتَعْرِضُونَ بِالْفَارِهِ مِنَ السَّيَّارَاتِ فِي شَوَارِعِ لَنْدَنْ وَبَارِيس ؟ فَهَلْ أَمِنَّا العُقُوبَةَ وَانْقِلابِ الأَحْوالِ ؟
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ وَجِدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلادِ التِي تُعَانِي الْيَوْمَ مِنَ الْفَقْرِ الْمُطْبِقِ، وُجِدَ فِيهَا غِنَىً فَاحِشٌ، فَفَسَقَ السُّفَهَاءُ وَبَذَّرُوا الْأَمْوَالَ وَأَسْرَفُوا فَنَزَلَتْ بِهِمُ الْعُقَوبَةُ، إِنَّهُ فِي بِلَادِ الصُّومَالِ كَانَ يَذْبَحُ الْأَغْنَيَاءُ الْخَرُوفَ لِيَأْكُلُوا كَبِدَهُ فَقَطْ وَيَرْمُونَ بِبَاقِيهِ فِي الزِّبَالَةِ, وَالآنَ فِي مَجَاعَةٍ مُنْذُ عُقُودٍ ... وَأَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا يَقُولُونَ: ﻻ فَقْرَ فِي حُضُورِ النَّفْطِ وَالتَّمْرِ، وَالآنَ فِي فَقْرٍ مَعَ وُجُودِ النَّفْطِ وَالتَّمْرِ ... وَفِي لُبْنَانَ كَانَ السُّفَهَاءُ يَرْكُلُونَ الْخُبْزَ كَالْكُرْةِ تَحْتَ الْأَقْدَامِ وَالآنَ فِي فَقْرٍ وَبَطَالَةٍ وَغَلاءٍ وَتَهْجِيرٍ وَبلاءٍ ... وَفي أَفْغَانِسْتَانَ كَانَتِ الْفَوَاكِهُ الْمُلَوَّنَةُ وَالنَّعِيمُ الدَّائِمُ, ثُمَّ أَصَابَهُمُ الْجَفَافُ وَالْحُرُوبُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ وُجِدَتْ وَثَائِقُ وَمَخْطُوطَاتٌ قَرِيبَةٌ الْعَهْدِ كَانَ عُلَمَاءُ الصُّومَالِ يَحُثُّونَ النَّاسَ فِي بِلَادِهِمْ عَلَى التَّبَرُّعِ لِأَهْلِ نَجْدٍ وَمَا حَوْلَهَا، وَيُفْتُونَ الْأَغْنِيَاءَ بِجَوَازِ نَقْلْ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى بِلَادِنَا، ثُمَّ انْقَلَبَتِ الْحَالُ وَتَغَيَّرَتِ الدِّيَارُ، فَهَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ؟

أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَجْدَادِنَا الْقَرِيبِينَ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي بِلَادِ الْهِنْدِ وَالْبَاكِسْتَانِ، وَهَا نَحْنُ نَرُدُّ لَهُمُ الْكَيْلَ وَنُوفِي لَهُمُ الصَّاعَ، فَهَلْ أَمِنَّا مِنْ رُجُوعِ أَحْوَالِنَا إِلَى مَا سَبَقَ ؟؟؟

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}, أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتِغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ, وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَقَابِلُوا نِعَمَهُ بِالشُّكْرِ وَتَجَمَّلُوا عِنْدَ الْبَلاءِ بِالصَّبْرِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ فِي الْأَعْوَامِ الْأَخِيرَةِ فِي بِلَادِنَا السُّعُودِيَّةِ - حَرَسَهَا اللهُ - ظَهَرَ بَعْضُ النَّقْصِ فِي الاقْتِصَادِ وَازْدَادَتْ أَسْعَارُ بَعْضِ السِّلَعِ، وَمَوَاقِفُ النَّاسِ مُتَفَاوَتِةٌ، بَيْنَ عَاقِلٍ يَنْظُرُ بِحِكْمَةٍ وَرَوِيَّةٍ، وَبَيْنَ طَائِشٍ لا يُفَكِّرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَإِنَّمَا يَصِيحُ وُيُزْبِدُ وَيُرْعِدُ وَيَشْتِمُ فُلانًا وَيَلْعَنُ فُلانًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصٍ فِي عَقْلِهِ وَجَهْلٍ فِي دِينِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ مَوْقِفَنَا مِنَ الْغَلَاءِ الذِي حَصَلَ يَتَلَخَّصُ فِيمَا يَلِي:

(أَوَّلًا) يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِ اللهِ وَأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَصَلَ حَتَّى فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

(ثَانِيًا) يَجِبُ أَنْ نَرُدَّ مَا أَصَابَنَا مِنْ نَقْصٍ إِلَى أَنَّهُ ابْتَلَاءٌ بِسَبَبِ ذُنُوبِنَا نَحْنُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} فَيَجِبُ أَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا وَنَتَدَارَكَ دِينَنَا الذِي صِرْنَا نُقَطِّعُهُ لِأَجْلِ دُنْيَانَا، فَتَهَاوُنٌ فِي الصَّلَوَاتِ وَانْتِهَاكٌ لِلْحُرُمَاتِ وَانْغِمَاسٌ فِي الشَّهَوَاتِ وَتَقَاعُسٌ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ.

(ثَالِثًا) إِنَّ مِنَ الْأَسْبَابِ الْوَاضِحَةِ لِهَذَا التَّغَيُّرِ فِي اقْتِصَادِنَا: هَذِهِ الْحَرْبُ التِي خَاضَتْهَا حُكُومَتُنَا مُكْرَهَةً لِرَدِّ عُدْوَانِ الْحُوثِيِّينَ، خَاضَتْهَا حِمَايَةً لِبِلادِ الْحَرَمِينِ، وَحِمَايَةً لِلْمُواطِنِينَ وَحُرُمَاتِهِم وَمُمْتَلَكَاتِهِمْ، وَالْحَرْبُ مُكَلِّفَةٌ جِدًا، فَيَجِبُ أَنْ نَقِفَ صَفًّا وَاحِدًا مَعَ دَوْلَتِنَا وَنَدْعَمَهَا بِكُلِّ مَا نَسْتَطِيعُ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا نُقِدِّمُ الدُّعَاءَ لِوُلاةِ أَمْرِنَا وَلِجُنُودِنَا الْمُقَاتِلِينَ، فَإِنْ عَجَزْنَا حَتَّى عَنِ الدُّعَاءِ فَلا أَقَلَّ مِنْ أَنْ نَكُفَّ أَلْسِنِتِنَا عَنِ الْكَلَامِ فِي الْدَوْلَةِ، فَالْمُسْلِمُ حَقًّا مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ.

فَنَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفَظَ بِلادَنَا وَبِلَادَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا أَمْنَنَا وَأَنْ يَحْفَظَ دِينَنَا وَيُسْبِغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَنَا عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى، وَأَبْعِدْ عَنَّا طُرَقَ الرَّدَى، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أَمْرِنَا وَأَصْلِحْ لِوُلاتِنَا بِطَانَتَهُمْ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكِ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنَا الْمُقَاتِلِينَ فِي الْيَمَنِ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى الظَّالِمِينَ الْمُعْتَدِينَ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ وَصَوِّبْ رَأْيَهُمْ وَوَحِّدْ صَفَّهُمْ، وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُمْ وَاجْعَلْهُمْ عِنْدَكَ شُهَدَاءَ، اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَاهُمْ وَثَبِّتْ قُلُوبَهُمْ وَاخْلُفْهُمْ بِخَيْرٍ فِي أَهَالِيهِمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

المرفقات

1626878783_خُطْبَةُ الجُمُعَةِ 13 ذِي الحِجَّةِ 1442هـ.doc

المشاهدات 3527 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا