خطبة التحذير من الظلم في الميراث

د. ماجد بلال
1446/07/01 - 2025/01/01 10:35AM

خطبة التحذير من الظلم في الميراث

ماجد بلال شربه – جامع النور بتبوك 1-7-1446

جبلت النفس البشرية على صفات حيوانية طبيعية من الجشع والطمع وحب الانا والذات والاقتتال على الطعام والشراب، وجاء الإسلام وهذبها، فالكريم يخفيها واللئيم يبديها.

من هذه الأشياء التي جُبل الانسان عليها: حب للمال قال تعالى : {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 19، 20]

وقال تعالى: (وَجَمَعَ فَأَوۡعَىٰٓ 18 ۞ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا 19 إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعٗا 20 وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا 21 إِلَّا ٱلۡمُصَلِّينَ ﵞ [المعارج: 18-22] 

وعن عمرو بن عوف رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنِّي أخشى أَنْ تُبْسَط عليكم الدُّنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتَنَافَسُوها كما تَنَافَسُوها، وتهلككم كما أهلكتهم)

عن أنس بن مالك t ان النبي r قال: ( لَوْ أنَّ لِابْنِ آدَمَ وادِيًا مِن ذَهَبٍ أحَبَّ أنْ يَكونَ له وادِيانِ، ولَنْ يَمْلَأَ فاهُ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ. )

: أخرجه البخاري (6439)، ومسلم (1048)

ومن هذا الدافع دافع الطمع والجشع يُقدم بعض الناس -هداهم الله- على أكل أموال الميراث وخاصة النساء والأطفال، والبعض اذا سالته لماذا اكلت أموال المراة فيرد قائلاً: ااني اتصلت عليها وسالتها اذا كانت تريد شيئاً من الميراث؟ فاجابت بالرفض وعدم رغبتها في الميراث. ونقول ان هذا الفعل محرم ولا يجوز سؤالها واحراجها، بل يجب إيداع الأموال مباشرة ف حسابها، ومن ثم هي حرة في ارجاع المال او اخذه.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْعَلُونَ الْمَالَ لِلرِّجَالِ الْكِبَارِ، وَلَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الْأَطْفَالَ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ [وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا]

تُوفي أوْس بن ثابت، وترك امرأته أم كجة وثلاث بنات فقام رجلان هما ابنا عمه، ووصيَّان ـ قتادة وعرفجة ، فأخذا المال وحدهما ، فشكت الأم إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مسجد الفضيخ، فاستدعى النبي r عميهما فقالا: أولادها لا يركبن فرسًا، ولا يحملن كَلًّا، ولا يُنكين عدواً، فنزلت الآية: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)

-                      واكل الميراث هو من أكل المال الحرام

كعب بن عجرة  t ان النبي r قا له : ( يا كعبُ بنَ عُجْرةَ إنَّه لا يدخُلُ الجنَّةَ لحمٌ ودمٌ نبَتا على سُحتٍ النَّارُ أَوْلى به )  صحيح ابن حبان5567
 

واكل أموال الميراث ظلم لا يرضاه الله تعالى : قال تعالى: (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)  سورة آل عمران57، وقال ايضاً: ( إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) سورة الأنعام21

وقال تعالى : ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) سورة الزخرف65، وقال ايضاً : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) سورة الشعراء227، وقال ايضاً ( فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) سورة المؤمنون41،وقال تعالى: ( أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)  سورة هود18 وبشرهم بالخيبة فقال : (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ..... وقال: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ

...  وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء

واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب

قال r : (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار قال: المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الجبال فيأتي وقد شتم هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا وقذف هذا وضرب هذا فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار"(رواه مسلم).

 

قَالَ الله تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، 

(وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ، وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً)[النساء:2]؛ والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه.

اكل الحرام لا تقبل دعوته ولا صدقته

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51]، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!» (رواه مسلم).

 

 

 

الخطبة الثانية

أيها الأحباب: الميراث هو وصية الله -تعالى- لعباده والذي يتأمل في فرائض الإسلام ليرى أمرا عجيبا فالله -تعالى- فرض علينا الصلاة ولم يبن في القران عدد الركعات وتركها لنبيه – -صلى الله عليه وسلم- ليبينها لنا عن طريق السنة التي هي المصدر الثاني للتشريع وكذا الزكاة، أما الميراث فبينه –سبحانه وتعالى– الأنصبة فبين لنا نصيب كل فرد بنفسه سبحانه وبيّنه بالتفيصل الدقيق الذي لا مجال فيه للخطا او الالتباس.

ومن تأمل الآيات الثلاث الواردة في تفصيل أنصبة الورثة رأى أنها جميعا ختمت بصفة العلم ففي الآية الأولى: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النساء: 11]، وفي الآية الثانية: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ)[النساء: 12]، وفي الآية الثالثة: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[النساء: 176].

ويقول سبحانه: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)[النساء: 11]؛ إنه سبحانه يوصي بتقسيم الميراث تقسيمًا إسلاميًّا على منهج القرآن الكريم، وهذا يعني أنه سبحانه وإن كان قد وصَّى بالتوحيد والتقوى -وهما من أعظم أمور الدين- مرة واحدة؛ فقد وصَّى وما زال يوصي إلى الآن -بل إلى قيام الساعة- بالْتِزام المنهج القرآني عند تقسيم الميراث، فقال: (يُوصِيكُمُ) بالفعل المضارع الذي يدلُّ على التجدُّد والاستمرارية، وفي ذلك إشارة واضحة إلى الاهتمام البالغ من القرآن بتقسيم الميراث تقسيمًا شرعيًّا مصدره الوحي المعصوم.

أيها الناس: إن من عادة كل إنسان أن يُنَفِّذ وصيَّة مَن له مكانة عنده، وكلما عَلَت مكانة الموصِي، كان تَنفيذ وصيَّته ألْزَمَ، ولا سيَّما إن كرَّر نفس الوصية وأمَر بتنفيذها.

لذا كان الميراث هو وصية الله للناس.

صلو وسلموا ....

 

المرفقات

1735716907_خطبة الظلم في الميراث ماجد شربه.docx

1735716907_خطبة الظلم في الميراث ماجد شربه.pdf

المشاهدات 1474 | التعليقات 0