(خطبة) التحذير من الظلم
خالد الشايع
1
الخطبة الأولى التحذير من الظلم 20/5/1446
أما بعد فيا أيها المؤمنون : أتقوا الله وتأملوا في تدبيره وقدره وكيف أنه يعز من يشاء ويذل من يشاء ، وأنه المتصرف الذي لا يسأل عما يفعل جل في علاه .
عباد الله : إن لله عادة في خلقه فهو يمهل ولا يهمل ، وإن أخذه أليم شديد .
ولقد حث الله عباده على السير في الأرض وأخذ العبرة بما حل بالقوم الظالمين ، وكيف كان مصيرهم .
( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وقال (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ).
فالظلم عباد الله عاقبته وخيمه وشره مستطير وهو من الذنوب التي يعجل الله بعقوبتها في الدنيا قبل الآخرة ، وغالبا ما تكون العاقبة هي هلاكهم ()وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ) وقال ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) .بل يكون هلاكهم بعقاب أليم ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) والظالم بغيظ إلى الله غير محبوب (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) كما أن الظالم ولو طالت مدته فإن الله لا يمكن له في الأرض (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) كما أن الظالم تحل عليه اللعنة ( ألا لعنة الله على الظالمين ) وقد يعاقب بأن الله يمد له في طغيانه ولا يهديه للتوبة والرجوع ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) ولو أخذنا في ذكر ما أعده الله للظالمين مما ذكره في كتابه لطال الأمر فلقد تكاثرت الآيات في كتاب الله في بيان حالهم ومآلهم أعاذنا الله منهم ومن صفاتهم .
أيها المؤمنون : إن ما حدث ويحدث في الأرض مليء بالعبر والدروس التي ينبغي للمسلم أن لا يشغل عنها ، فإنه لما افتحت المسلمون قبرص فُرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض قال جبير بن نفير فرأيت أباالدرداء جالسا يبكي فقلت له يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال ويحك ياجبير ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه وضيعوا أمره فبينما هم أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فالمؤمن العاقل الناصح لنفسه هو الذي يترك ما يخشى أن يكون فيه ظلما ، فضلا عن الظالم نفسه .
قال عمر بن عبد العزيز : إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك .
لا تظلمن إذا ماكنت مقتــدرا . فالظلم آخـره يأيتيك بالنــدم
واحذر أخيّ من المظلوم دعوته لا تأخذنك سهام الليل في الظلم
نامـت عيونك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعيــن الله لم تنم
وجد خمارويه أحمد بن طولون ـ أحد الأمراء ـ مرة في جيبه رقعة لم يعرف من رفعها، ولا من قالها، فإذا فيها مكتوب: أما بعد، فإنكم ملكتم، فأسرتم، وقدرتم فأشرتم، ووسع عليكم، فضيقتم، وعلمتم عاقبة الدعاء، فاحذروا سهام السحر، فإنها أنفذ من وخز الإبر، لا سيما وقد جرحتم قلوباً قد أوجعتموها، وأكباداً أجعتموها، وأحشاء أنكيتموها، ومقلاً أبكيتموها، ومن المحال أن يهلك المنتظِرون ويبقى المنتظَرون، فاعملوا إنا عاملون،
وجوروا إنا بالله مستجيرون، واظلموا فإنا إلى الله متظلمون وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]، فبكى هذا الأمير بكاء شديداً، وجعل يتعهد قراءتها في غالب أوقاته، ويستعين بها على إجراء عبراته.
اللهم نعوذ بك أن نظلم أو نظلم ، أقول..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين .........
أما بعد أيها المؤمنون : لقد حذر المصطفى r من الظلم أيما تحذير فمن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر مرفوعا ( اتقوا الظلم لإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) وأخرج البخاري ومسلم واللفظ له عن أبي موسى قال: قال رسول الله : ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)) قال ثم قرأ: وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر قال r قال الله تعالى : ( يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته محرما بينكم فلا تظالموا يا عبادي) .
وإن مما يبق الظالم والعلم عند الله هو دعاء الناس عليه ، فإن الله ينتقم له ، أخرج الطبراني من حديث خزيمة بن ثابت أن النبي r قال (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله : و عزتي و جلالي لأنصرنك و لو بعد حين ) .
قال الزبيدي : ( إن المظلوم إذا شكا إلى الله تعالى اقتضى عدل الله تعالى الإيقاع بظالمه فيحب الله تعالى أن يجهر المظلوم بالشكوى ، ليكون الإيقاع بالظالم مبسوط العذر عند الخلق ، وزاجراً لأمثاله عن أمثال فاعله ) .
معاشر المسلمين : لقد حكى الله لنا في كتابه قصص الظالمين لعتبر بها فنهرب من الظلم صغيره وكبيره ، فهذا فرعون الذي بلغ من الطغيان والجبروت ما بلغ، حتى إنه استعبد أهل مصر كلهم، وبلغ به من صلفه وغروره ما قاله الله جل وعلا: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملاَ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ فَٱجْعَل لّى صَرْحاً لَّعَلّى أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنّى لاظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ)
قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه قال : (( إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى اشتُرِيَ ، وبسطا الجور حتى افتُدِيَ)
أورد ابن كثير في البداية والنهاية عن وهب بن منبه هذه القصة، قال ركب ابن ملك من الملوك في جند من قومه وهو شاب فصرع عن فرسه فدقت عنقه فمات في أرض قريبة من قرية من القرى، فغضب أبوه وحلف أن يقتل أهل تلك القرية عن آخرهم وأن يطأهم بالأفيال، فما أبقت الأفيال وطئته الخيل، فما أبقت الخيل وطئته الرجال، فتوجه إليهم بعد أن سقى الأفيال والخيل خمراً، وقال: طؤوهم بالأفيال، فما أبقت الأفيال فلتطأه الخيل، فما أخطأته الخيل فلتطأه الرجال ، فلما سمع بذلك أهل تلك القرية وعرفوا أنه قد قصدهم لذلك، خرجوا بأجمعهم فجأروا إلى الله سبحانه وعجّوا إليه وابتهلوا يدعونه تعالى ليكشف عنهم شر هذا الملك الظالم وما قصده من هلاكهم، فبينما الملك وجيشه سائرون على ذلك، وأهل القرية في الابتهال والدعاء والتضرع إلى الله تعالى إذ نزل فارس من السماء فوقع بينهم، فنفرت الأفيال فطغت على الخيل وطغت الخيل على الرجال فقتل الملك ومن
معه وطئاً بالأفيال والخيل، ونجى الله أهل تلك القرية من بأسهم وشرهم
أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء ٱلأرْضِ أَءلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
ألا عباد الله فلنجتنب الظلم ، ولنمنع وقوعه ، فلا تظلم نفسك بالمعاصي ، ولا تظلم غيرك إذا دعتك لذلك ، فإن البغي يصرع أهله، والبغي مصرعه وخيم، فلا نغتر بإبطاء الغياث من ناصر متى شاء أن يغيث أغاث، فإنما يملي لهم كي يزدادوا إثماً.
أما والله إن الظلـم شـؤم . ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصـوم
اللهم أعذنا من الظلم ، وارزقنا قول الحق في السر والعلن يارب العالمين
المرفقات
1732197243_عاقبة الظلم.doc