(خطبة) أهمية الاستغفار وقت الفتن .
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( أهمية الاستغفار وقت الفتن ) 26/7/1444
أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله وراقبوه ، واعلموا أنكم موقوفون بين يديه ، ومحاسبون على أعمالكم ، فاجتهدوا رحمكم الله في التوبة ، والعمل الصالح ، فما هذه الدنيا إلا مزرعة للآخرة فلا تنشغلوا عن الزرع ، فيفوتكم الخير وتندموا حين لا ينفع الندم .
أيها الناس : إن الخير والشر في صراع منذ أن خلقهما الله ، فإذا استشرى الشر ورفع عقيرته فلا تجزعوا وعليكم بالتمسك بالشرع حتى تنجلي الغمة ، بعد أن يفعل المسلم ما بوسعه ، مما شرعه الله له ، وإن من أفضل مايشتغل به العبد وقت انتشار المنكر وليس بيده التغيير ، الاستغفار لينجو العبد من تبعة ذلك المنكر ، بل حتى لو وقع هو في المنكر ، فليستغفر لينجو من العقوبة ، كما قال سبحانه ( وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون ) فالعبد إذا أذنب وهو يعلم أنه مذنب ، ويخشى العقوبة ، ويسارع بالتوبة ، فهو على خير ويرجى له أن ينجو من العقوبة ، ولكن المصيبة فيمن يذنب ويرى أنه على خير ولا يفكر في التوبة ولا يستغفر ، ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا )
عباد الله : إن من علامة الإيمان أن يمتعض العبد عندما يرى منكرا أو يسمع به ، بل ربما بكى منه ، بل البعض يعلوه الحزن أياما إذا سمع بظهور المنكر وانتشاره ، وقد كان سفيان الثوري رحمه الله يدخل السوق فيرى المنكر فيرجع للبيت ويبول دما .
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إيمان وإحسان
والحذر الحذر من تبلد الإحساس ، وإلف المنكر ، حتى لا تستحكم المنكرات ، ويطبع على القلوب ، وإن الاستغفار المطلوب من العبد ليس هو مجرد تحريك باللسان فقط ، بل لا بد أن يصحبه ندم في القلب ، وإقلاعٌ عن الذنب ، وتوبةٌ منه ، فإنها أمور متلازمة لا تنفك عن بعضها البعض .
أيها المؤمنون : إن الاستغفار من أفضل العبادات التي يرجى نفعها للعبد في الدنيا والآخرة ولهذا حكى الله عن أنبيائه وأصفيائه أنهم كانوا يستغفرون الله كثيرا ويسعون في طلب المغفرة فهذا آدم أبو البشر وزوجه يقولان (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وهذا نوح يقول ( رب اغفرلي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ) وهذا إبراهيم أبو الأنبياء يقول ( رب اغفرلي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) وهذا موسى يقول (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
وهذا سليمان يقول (َ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)
أيها الناس : إن المستغفر يجني ثمرة استغفاره في الدنيا قبل الآخرة فمن ثمرته في الدنيا أنه يمنع من وقوع العذاب على صاحبه (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ومن ثمراته أنه يجلب رحمة الله للمستغفر ( لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون) ومن ثمرته أن سبب لنزول المطر فهو من مجاديح السماء (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً) ومن ثمراته أنه سبب للرزق وكثرة الأموال والأولاد (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) فمن حرم الذرية أو كان عليه دين أو لم يجد وظيفة أو غارت المياه في أرضه فعليه بالاستغفار .
ومن ثمراته في الآخرة أن الله يغفر ذنوب المستغفر ويدخله الجنة ولنعم الثمرةُ هي )وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)
اللهم اعصمنا من الذنوب والآثام فيما بقي من الأعمار ، وارزقنا التوبة والاستغفار
الخطبة الثانية
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله .......
أما بعد فيا أيها الناس : لا شيء أشد على الشيطان من الاستغفار ، فقد روي في بعض الآثار أن الشيطان يقول ( أهلكت ابن آدم بالذنوب وأهلكوني بالاستغفار ولا إله إلا الله ، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) .
عباد الله : إن لزوم الاستغفار يسقط عن العبد تبعة الذنب ، ومن ترك الاستغفار تكاثرت ذنوبه وأُتي من كل جهة ، ولربما طبع على قلبه وهو لا يشعر .
ولنعلم أن للاستغفار أحوالا وأوقاتٍ فاضلةً فمن ذلك ما أخرج أحمد وأهل السنن من حديث عن أبي بكر قال r : ( ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله بذلك الذنب إلا غفر الله له )
ومنه أن يدعو بالأدعية الجامعة أخرج البخاري من حديث شداد بن أوس قال r : (سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي و أبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة و من قالها من الليل و هو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة ) .
قال الطيبي : لما كان هذا الدعاء جامعاً لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد وهو في الأصل للرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في المهمات و قال ابن أبي جمرة : جمع في الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار ففيه الإقرار للّه وحده بالألوهية والعبودية والاعتراف بأنه الخالق والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه والرجاء بما وعده به والاستغفار من شر ما جنى على نفسه وإضافة النعم إلى موجدها وإضافة الذنب إلى نفسه ورغبته في المغفرة واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا هو وكل ذلك إشارة إلى الجمع بين الحقيقة والشريعة لأن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا إذا كان عون من اللّه قال : ويظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد الاستغفار إذا جمع صحة النية والتوجه والأدب .
ومن أنواع الاستغفار الذي ينبغي للعبد أن يداوم عليه كفارة المجلس وهي ما أخرج الحاكم من حديث عائشة كان r لا يقوم من مجلس إلا قال : سبحانك اللهم ربي و بحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك و قال : لا يقولهن أحد حيث يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس .
قال عياض : وكان السلف يواظبون عليه ويسمى ذلك كفارة المجلس .
معاشر المسلمين إن المداومة على الاستغفار تفتح للعبد أبواب الخير كلها أخرج أبو داود في سننه بإسناد فيه ضعف ومعناه صحيح : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا و من كل ضيق مخرجا و رزقه من حيث لا يحتسب )
عباد الله : ومن لوازم الاستغفار الإقلاع عن الذنب وعدم العودة إليه ،قال الفضيل بن عياض : استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين .
وقالت رابعة العدوية : استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير .
تعني أننا نستغفر ونحن مصرون على الذنوب ، وإذا استغفرنا كان في استغفارنا تقصير عظيم
استغفر الله ذنبا لست محصيه **رب العباد إليه القول والعمل
ومن فوائد الاستغفار : أنه يزيل الوحشة التي بين العبد وربه ، فإن أهل الذنوب يقذف الله في قلوبهم وحشة من الخلق ، بل إنهم ليستوحشون من أنفسهم .
تقول أمنا عائشة رضي الله عنها : طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها …
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم أعز الإسلام ….
اللهم أنج المستضعفين
ربنا اغفر لنا ولإخواننا ………
المرفقات
1676467767_أهمية الاستغفار في وقت الفتن.docx