حبُّ الحبيب المصطفى بين الاتباع والابتداع

د . فيصل بن عبدالرحمن الشدي
1444/03/04 - 2022/09/30 00:07AM
حبُّ الحبيب المصطفى بين الاتباع والابتداع          4/3/1444هـ 
اللهم لك الحمد أنت القوي فلا قوي يدانيك .. اللهم لك الحمد أنت العزيز فلا عزيز يضاهيك.. اللهم لك الحمد أنت العظيم فلا عظيم يساويك .. أشهد أن لا إله حق إلا أنت .. وأشهد أن شمس الدنيا ونورَها محمد صلى الله عليه وسلم عبدك طاهر الأطهار . أما بعد : فاتقوا الله  
يشهدُ الله ما اكفهرتْ سماءُ // وتراءتْ على المدى الجوزاءُ
وأضاء الزمان دهراً وباتـت // ترقبُ المجدَ والعُلى العليـاءُ
أنك البدر في ظلام الليالـي // وسماء ما طاولتها السمـاءُ
يا رسولَ الإله هـذا بيانـي // أثقلَ الحرفَ موقفي والحياءُ
ها هو عظيم الأكوان كلها يتكلم عن عظيم البشر بل ويقسم عليه { وَالنّجْمِ إِذَا هَوَىَ } يقسم فيزكي عقله { مَا ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىَ } يقسم فيزكي لسانه { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىَ } يقسم فيزكي شرعه { إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَىَ } يقسم فيزكي معلمه { عَلّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىَ * ذُو مِرّةٍ فَاسْتَوَىَ } يقسم فيزكي قلبه { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىَ } يقسم فيزكي بصره { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىَ } .. وبالصفتين العظيمتين يصفهُ { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ } بل ويزكيه كلَّه { وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ } .
شرح الله له صدره ، ووضع عنه وزره ، ورفع له ذكره ، وأتم أمره ، وأكمل دينه، وبرَّ يمينه.. ما ودعه ربه وما قلاه .. بل أرسله وهداه ، وبارك له مسعاه ، وخيره بين الخلد في الدنيا ولقاه، فأعلنها شوقاً لمولاه ( بل الرفيق الأعلى ) ( بل الرفيق الأعلى ).
إنه محمد بن عبد الله سموٌ لا يُسامى وعلو لا يدانى .. أوفر الناس عقلاً ، وأسخى القوم يداً ، وأجودهم نفساً ، يبيت على الطوى وقد وهب المئين، ينادي صاحبه : ( أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ) ، أرحب الناس صدرا ، وأوسعهم حلماً ، يمسك بغرة النصر وينادي أسراه في كرم وإباء ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .
أعظم الناس تواضعاً يُخالط الفقير والمسكين ، يُجالس الشيخ والأرملة ، تذهب به الجارية إلى أقصى سكك المدينة فيذهب معها ويقضي حاجاتها . ألين الناس عريكة وأسهلهم طبعاً ، ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن محرماً ، لا يغضب لنفسه ، فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء .
أعف الناس لساناً وأوضحهم بياناً ، أعدل الناس حكماً ، وأعظمهم إنصافاً ، يقسم وهو الصادق (والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)ولذا كانت محبته صلى الله عليه وسلم من أوجب الواجبات بل دين بحمله يؤمن المرء وبضده يكفر .
أَخرجَ الطبرانيُّ عن عائشةَ ـ رضي اللهُ عنها ـ قالت : جاء رجلٌ إلى النبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ فقال : يا رَسولَ اللهِ ، إِنَّكَ لأَحَبُّ إِليَّ مِن نَفسِي ، وَإِنَّكَ لأَحَبُّ إليَّ مِن وَلَدِي ، وَإِني لأَكُونُ في البَيتِ فَأَذكُرُكَ فَمَا أَصبِرُ حتى آتِيَ فَأَنظُرَ إِلَيكَ ، وَإِذَا ذَكَرتُ مَوتي وَمَوتَكَ عَرَفتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلتَ الجنةَ رُفِعتَ مَعَ النَّبِيَّينَ ، وَإِني إِذَا دَخَلتُ الجنةَ خَشِيتُ أَلا أَرَاكَ ، فَلَم يَرُدَّ عليه النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ شَيئًا حتى نَزَلَ جبريلُ ـ عليه السلامُ ـ بهذِهِ الآيةِ : " وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا" ولي ولكم أستغفر الله فاستغفروه إنه كان غفارا .
الخطبـة الثانيــة
الحمد لله على إحسانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشآنه وأشهد أن محمداً الداعي لرضوانه اللهم صلِّ وسلم عليه وآله وإخوانه وبعد : إخـوة الإسلام : إن الله عز وجل يقول { فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
نعم إن محبته تعبدٌ بما شرع واتباع لا ميل لهوى أو ابتداع ، إنه حبٌ كما بين الله في القرآن وكما جاءت السنة فيه بالبيان وكما عمل صحابته عليهم من الله الرضوان .
أما وإن تاريخ مولده مرَّ عليه في حياته بأبي هو وأمي سنين عددا ما وربي به احتفل ولا لذلك شرع اجتماعاً ولا نشيداً ولا طعاماً ولا خياماً ولا وربي بأيِّهن اشتغل ، بل عن ذلك نهى صلوات ربي وسلامه عليه و قَالَ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ : ” لا تُطرُونِي كَمَا أَطرَتِ النَّصَارَى ابنَ مَريَمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبدُهُ فَقُولُوا عَبدُاللهِ وَرَسُولُهُ ”
وعلى ذلك السَنن مضى الصحابة فما عطلوا الأعمال ، ولا بذلوا في هذه البدعيات الأموال وهم والله له أحبُّ وأصفى ، وأنقى وأتقى ، وعلى ذلك سير القرون المفضلة مضى .
أو هو خيرٌ وجده الأواخر غاب عن أولي الفضل الأكابر ؟! حاشا وكلاَّ ، فيا أحباب المصطفى فاز من بقوله اقتفى ” فَعَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَةٌ ، وَإِنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ ” رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .  
إن الحُبَّ المبتغى هو لمن اتبع سُنَّته و بهداه اهتدى ، هو فيمن وحَّد الله العظيم الأعلى ، وتعبَّده  كما شرع المصطفى ، فعند أمره ائتمر وعند نهيه انتهى ، حتى ورد حوضه يوم القيامة فطاب به صلى الله عليه وسلم الملتقى ، فَعَن عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهَا – قَالَت : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ وَهُوَ بَينَ ظَهرَانَي أَصحَابِهِ : ” إِنِّي عَلَى الحَوضِ أَنظُرُ مَن يَرِدُ عَلَيَّ مِنكُم ، فَوَاللهِ لَيُقتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ ، فَلأَقُولَنَّ أَيْ رَبِّ مِن أُمَّتِي ، فَيَقُولُ : إِنَّكَ لا تَدرِي مَا أَحدَثُوا بَعدَكَ ، مَا زَالُوا يَرجِعُونَ عَلَى أَعقَابِهِم ” رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .  
اللهم صل وسلم عليه .. اللهم صل وسلم عليه .. اللهم صل وسلم عليه .
المرفقات

1664485603_حبُّ الحبيب المصطفى بين الاتباع والابتداع 4.docx

1664485632_حبُّ الحبيب المصطفى بين الاتباع والابتداع 4.pdf

المشاهدات 1069 | التعليقات 0