جحر الضب !
تركي بن عبدالله الميمان
جحر الضب!
الْخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَمَنْ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاه! فـ﴿اتَّقُوااللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
عِبَادَ الله: إِنَّهُ جُحْرُ ضَبٍّ خَرِب، لَيْسَ فِيْهِ إِلَّا الضِّيْقُ والتَّعَب! إِنَّهُ جُحْرُ التَّبَعِيَّةِ لِلْكُفَّار، والدُّخُوْلُ مَعَهُمْ في كُلِّ دَارٍ وقَرَار! قال صلى الله عليه وسلم: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ؛ تَبِعْتُمُوهُمْ).
وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّبَعِيَّةِ، لِشَرِّ البَرِيِّة: مُشَابَهَتُهُمْ في أَعْيَادِهِمُالمَوْسِمِيَّة! فقَدْ كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي السَنَةِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا؛فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ قَالَ: (قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الفِطْرِ، وَيَوْمَ الأَضْحَى).
فَالعِيْدُ قَضِيَّةٌ عَقَدِيَّةٌ. وَتَخْصِيصُ أَزْمِنَةٍ بِأَعْيَادٍ حَوْلِيَّةٍ؛ لَيْسَ إِلَّا لِرِبِّ البَرِيّة! ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾.
وَهِذِهِ الأَعْيَادُ: مِنْ أَخَصِّ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّرَائِعُ، وَالمُسْلِمُونَتَمَيَّزُوا بِدِينِهِمْ وَعِيْدِهِمْ، قال تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾. وفي الحديث: (إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا).
والأَعْيَادُ فِي الإِسْلام: شَعِيْرَةٌ وَعِبَادَةٌ، لا تَقْبَلُ التَّحْرِيْفَ وَالزِّيَادَة، وَهِيَ أَعْيَادُ شُكْرٍ وَذِكْر، لا غَفْلَةٍ وَشِرْك! وَأَعْيَادُ المُشْرِكِيْن: زُوْرٌ وَبُهْتَان، وَفُسُوْقٌ وَعِصْيَان، لا تَلِيْقُ بِـ(عِبَادِ الرَّحْمَن!). قالَ تعالى: ﴿والَّذِينَ لا يَشْهَدُوْنَ الزُّوْر﴾. قال مُجَاهِد: (يَعْنِي أَعْيَادَ المُشْرِكِيْن!).
وَمِنْ أَعْيَادِ الكُفَّارِ: عِيْدُ الكِرِسْمِسِ، وَرَأْسِ السَّنَةِ المِيْلَادِيَّةِ! الَّذِي يَحْتَفِلُ فِيْهِ النَّصَارَى بِمِيْلَادِ المَسِيْحِ، الَّذِي يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ الرَّبُّ، أو ابْنُ الرَّب! ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾.
وأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ الأَخْيَار، عَلَى إِنْكَارِ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ: قال عُمَرُ رضي الله عنه: (اِجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللهِ فِي عِيدِهِمْ، فَإِنَّ السُّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ!).
َفمَنْ شَارَكَ الكفار فِي أَعْيَادِهِمْ، وَلَوْ بِالتَّهْنِئَةِ؛ فَقَدْ أَلْقَى بِدِيْنِهِ إِلَىالتَّهْلُكَة! يَقُوْلُ ابْنُ القَيِّم: (أَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الكُفْرِ؛فَحَرَامٌ بِالاِتِّفَاق، مِثْلُ: أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ! فَمَنْهَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ؛ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللهِ!). وقال ابنُ عُثَيْمِيْن: (تَهْنِئَةُ الكُفَّارِ بِعِيْدِ الكِرِسْمِس: إِقْرَارٌ لِمَا هُمْعَلَيْهِ مِنْ شَعَائِرِ الكُفْرِ. وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِمْ بِهَذِهِالمُنَاسَبَةِ: أَعْظَمُ مِنْ تَهْنِئَتِهِمْ. وَيَحْرُمُ إِقَامَةُ الحَفَلَاتِ، أو تَبَادُلِ الهَدَايَا، أَو التَّهْنِئَةُ بِالشَّعَائِرِ الدِّيْنِيَّةِ:كَأَعْيَادِهِم الَّتِي تَكُونُ على رَأْسِ السَّنَةِ المِيْلَادِيَّة).
وَاسْتِعْمَالُ الشِّعَارَاتِ المُصَاحِبَةِ لِذَلِكَ العِيْدِ: كَاتِّخَاذِ شَجَرَةِ المِيْلَاِد، وَغَيْرِهَا مِنَ الطُّقُوْسِ وَالرُّمُوْزِ؛ تَشَبُّهٌ بِالنَّصَارَى في أَخَصِّ أَعْيَادِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إِلَّا المَرَح! فَالوَسَائِلُ لَهَا أَحْكَامُ المَقَاصِدِ؛ قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ).
وَتَحْرِيْمُ التَّشَبُّهِ بِأَعْيَادِ الكُفَّارِ: لا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِقَصْدِالتَّشَبُّهِ وَالإِقْرَار! يقولُ ابْنُ عُثَيْمِين: (إِذَا فَعَلَ فِعْلاً يَخْتَصُّ بِالكُفَّار؛ فَيَكُوْنُ مُتَشَبِّهًا بِهِمْ: سَوَاء قَصَدَبِذَلِكَ التَّشَبُّهَ، أَمْ لَمْ يَقْصِد؛ لِأَنَّ المَقْصُوْدَ هُوَالظَّاهِر).
وَإِذَا كانَ الاِحْتِفَالُ بِمِيْلادِ مُحَمَّدٍ ﷺ، لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ وَافَقَ النَّصَارَى في عِيْدٍ بِدْعِيٍّ شِرْكِيّ!قالَ شَيْخُ الإِسْلَام: (أَصْلُ ظُهُوْرِ الكُفْرِ: هُوَ التَّشَبُّهُبِالكَافِرِيْنَ، وَلِهَذَا عَظُمَ وَقْعُ البِدَعِ -وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيْهَا تَشَبُّهٌ بِالكُفَّارِ- فَكَيْفَ إِذَا جَمَعَتْ الوَصْفَيْن! فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بشَيْءٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِأَعْيَادِهِمْ).
وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً شَتَمَ أَبَاكَ، ثُمَّ احْتَفَلَ بِهَذَا الشَّتْمِ؛ فَهَلْ سَتُشَارِكُهُ الاِحْتِفَال؟! فَكَيْفَ بِمَنْ شَتَمَ رَبَّكَ، وَنَسَبَ لَهُ الوَلَد، ثُمَّ تَحْتَفِل مَعَهُ بِمِيْلَادِ ذَلِكَ الوَلَد! قالَ U -في الحديث القدسي-: (كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ،وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ! وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ! فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ؛ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي!، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ؛ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللهُوَلَدًا!).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.
عِِبَادَ الله: كَانَ نبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّىَ مُخَالَفَةَ المُشْرِكِيْنَفي خَصَائِصِهِمْ؛ حَتَّى قالَ الْيَهُودُ: (مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا؛ إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ!).
فَاعْتَزُّوا بِدِيْنِكُمْ، وَاقْتَدُوْا بِحَبِيْبِكُمْ! فَهَؤُلَاءِ الكُفَّار، مَهْمَا بَلَغُوْا مِنَ الإِعْلَامِ وَالإِبْهَار، وَالغُرُوْرِ والاِسْتِكْبَار؛ فَـ(هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ! نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ!). ﴿وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
*******
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
إعداد: قناة الخطب الوجيزة
https://t.me/alkhutab
المرفقات
1703058104_(جحر الضب) خط كبير.pdf
1703058104_(جحر الضب)- نسخة للطباعة.pdf
1703058104_(جحر الضب)- نسخة مختصرة منزوعة الحواشي.pdf
1703058104_(جحر الضب) خط كبير.docx
1703058105_(جحر الضب)- نسخة مختصرة منزوعة الحواشي.docx
1703058105_(جحر الضب)- نسخة للطباعة.docx