توبة كعب بن مالك رضي الله عنه
عبدالله بن عبدالرحمن الرحيلي
توبة كعب بن مالك رضي الله عنه
ألقيت في جامع حمراء الأسد بالمدينة النبوية
بتاريخ 15/ ذو القعدة/ 1442
عبد الله بن عبد الرحمن الرحيلي
عناصر الخطبة:
1-منزلة خبر توبة كعب رضي الله عنه.
2- تخلفه عن غزوة تبوك وسببه.
3- صور من الابتلاء الذي لقيه كعب رضي الله عنه.
4- صدق كعب مع النبي صلى الله عليه وسلم.
5- هجر الصحابة لكعب رضي الله عنه.
6-لقاء كعب مع ابن عمه.
7-كتاب من ملك غسان.
8-نزول توبة كعب وأحداثها.
9-دروس من قصة كعب يرويها بنفسه رضي الله عنه.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد : فاتقوا الله أيها المسلمون، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.
عباد الله.. نبأ من أنباء الصادقين التائبين، وقصة من قصص أصحاب خير المرسلين ﷺ.
قصة فيها عبرة واصطفاء، ومحنة وبلاء، وشدة ونعماء.
إنها قصة الثلاثة الذين خلِّفوا في غزوة تبوك.
أخبار تخشع عند ذكرها المسامع، وتجري لأحداثها المدامع.
كان الإمام أحمد -رحمه الله- لا يبكيه شيء من القرآن كما تبكيه أحداث توبة كعب بن مالك وصاحبيه.
قال كعب رضي الله عنه ( لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وكَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ في تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا في تِلْكَ الْغَزْوَةِ.
والمسلمون مع رسول الله كثيرٌ، فقلَّ رجلٌ يريد أن يتغيب إلا ظنَّ أنّ ذلك سيخفى ما لم ينزل فيه وحيٌ من الله.
وغزا رسول الله تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أرغب، فتجهزَّ رسول الله والمسلمون معه، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، فهممت أن أرتحل فأدركهم، فيا ليتني فعلت).
إن الحزم أيها المؤمنون في المبادرة إلى الطاعات، وتركِ التسويف والتأخير في الخيرات؛
قبل أن تفوت بشغل أو مرض أو موت، فتبقى بعد ذلك حسرةُ الفوت.
ويحكي كعب رضي الله عنه ندمه على تخلفه فيقول: " فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ-، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ.
وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ: وَهُوَ جَالِسٌ فِي القَوْمِ بِتَبُوكَ: "مَا فَعَلَ كَعْبٌ" فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-.
قال كعب: فلما بلغني أنه توجه قافلاً من تبوك حضرني همي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي.
فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -ﷺ- قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي البَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ".
وقدم رسول الله ﷺ ، وجاءه المخلفون بأعذارهم فقبل منهم، ووكل سرائرهم إلى الله؛ قال كعبٌ: "حتى جئت، فلما سلمت تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المغضب، ثم قال: "تعالَ"، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه"
فقال لي: "ما خلَّفك؟! ألم تكن قد ابتعت ظهرًا".
أي اشتريت مركوبًا؟!
فَقُلْتُ: "بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا.
وَلَكِنِّي وَاللَّهِ، لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عقبى اللَّهِ.
لاَ وَاللَّهِ، مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى، وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-: "أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ" فَقُمْتُ".
الله أكبر! تأملوا صدق كعب رضي الله عنه مع ربه وصدقه مع نفسه، اعتراف بالخطأ، وصدق في الحديث، وقوة في الإيمان.
إن مراقبة الله تعالى في قلبه أصدق، ورجاءه فيه أوثق.
فلم يُسخط كعب ربه بالكذب لأجل أن يُرضى عنه، فإن من طلب رضا الناس بسخط الله - سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بطاعته رضي الله عنه، وكفاه أمر الناس فأرضاهم عنه.
ثم جاء إلى كعب رجالٌ من بني قومه يراودونه الاعتذار بما اعتذر به المتخلفون، قالوا له: "وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَكَ.
قال كعبٌ : "فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حتى هممت أن أرجع فأُكذِّب نفسي عند رسول الله، حتى علمت بخبر الرجلين الآخرين، مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وهما رجلان صالحان فيهما أسوةٌ"
قال كعب: "ونهى رسول الله عن كلامنا، فاجتنبَنا الناسُ، حتى تنكَّرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا خمسين ليلة.
فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشبَّ القوم وأجلَدَهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق فلا يكلمني أحد.
وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا ، ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي".
وعظم الابتلاء على كعب رضي الله عنه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت.
قال كعب: "حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ.
فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَسَكَتَ.
فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ".
لقد أعرض الناس جميعا عن ثلاثة أشخاص ، استجابة لأمر رسول الله ﷺ.
يقول الحسن رحمه الله "يا سبحان الله!! ما أكل هؤلاء الثلاثة مالاً حرامًا، ولا سفكوا دمًا حرامًا، ولا أفسدوا في الأرض، أصابهم ما سمعتم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر؟!".
ويشتد البلاء، فإذا بنبطي من نبط الشام يسأل أهل السوق بالمدينة: من يدلُّ على كعب بن مالك؟! قال كعب: "فطفق الناس يشيرون إليَّ حتى جاءني، فدفع إليَّ كتابًا من ملك غسان، فقرأته فإذا فيه: أما بعد: فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بِدَارِ هَوَانٍ، وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فالحق بنا نواسك. فقلت حين قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرتها".
وهكذا عباد الله.. إذا فُتن المؤمن في دينه، يلجأ إلى الله تعالى ربه، يجتنب طرق المعصية، مهما عظمت المغريات ودواعي الفتنة، فهذا كعب لم يحتفظ بالرسالة، بل أحرقها على الفور.
ولا يزال البلاء بكعب -رضي الله عنه- حتى جاءه رسولُ رسولِ الله -ﷺ- يأمره باعتزال امرأته، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَي كعب مثل ذلك.
عباد الله .. إن اشتداد البلاء دليل على قرب الفرج، فما بعد الليل إلا الفجر، ولا بعد العسر إلا اليسر.
فبعد خمسينَ ليلةً من الهجر والبلاء: يقول كعب: "فبينا أنا جالسٌ على الحال التي ذكر الله تعالى منا قد ضاقت عليَّ نفسي وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ.
وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ.
وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ.
قَالَ كَعْبٌ: " حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأنِي وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ...".
قال كعب: "فلما سلمت على رسول الله قال وهو يبرق وجهه من السرور: "أبشر بخير يوم مرَّ عليك مذ ولدتك أمُّك"، فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟! قال: "لا بل من عند الله".
الله أكبر يا عباد الله !
إن خَيْرَ أَيَّامِ الْعَبْدِ يَوْمُ تَوْبَتِهِ إِلَى اللَّهِ، وَتوبةِ الله عليه.
قال كعب: "يا رسول الله: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله"، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك".
قال الله تعالى (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 117-119]
عباد الله.. تخلف الثلاثة عن رسول الله ﷺ في غزوة واحدة، فجرى لهم ما سمعتم، فكيف بمن قضى عمره كله في التخلف عنه، وتركِ امتثالِ أمره.
جعلني الله وإياكم من عباده الصادقين، المستجيبين لأمر الله ورسوله، ومن التائبين المنيبين إليه في كل وقت وحين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله فتح باب التوبة للمذنبين، وقبل توبة التائبين، ونجى عباده الصادقين، ورفع ذكرهم بين العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقلد قال كعب رضي الله عنه: "يا رسول الله: إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدِّث أحدًا إلا صدقًا ما بقيت.
فوالله ما علمت أحدًا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمَّدت كَذِبَةً منذ قلت ذلك لرسول الله إلى يومي هذا.
وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي.
والله ما أنعم الله عليّ نعمةً قطُّ بعد إذ هداني للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي رسول الله أن لا أكون كذبته فأهلِك كما هلك الذين كذبوا.
إن الله تعالى قال للذين كذبوا حِينَ أَنْزَلَ الوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ؛ قال تعالى: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 95]
فاتقوا الله -معشر المسلمين-، اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، توبوا إلى ربكم أرحم الراحمين، وافزعوا إليه عند الشدائد داعين متضرعين، واصدقوا مع الله كما صدق أسلافكم من الصحابة والتابعين، وتصدقوا عند حصول النعم واندفاع الكرب شكرا لله تعالى على إحسانه، وسيجزي الله الشاكرين.
ثم صلوا وسلموا عباد الله؛ على نبينا محمد رسول الله.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.
المرفقات
1629986975_خطبة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه.docx
1629986976_خطبة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه.pdf