تعظيم قدر العلماء والذب عن أعراضهم
إبراهيم بن سلطان العريفان
إن الحمد لله، نحمده ...
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى ]وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[
إخوة الإيمان والعقيدة ... للعلم والعلماء مكانة في الدين لا تنكر، وفضل كبير لا يكاد يحصر، جاءت نصوص الشرع تعزز من مكانتهم، وتبين فضلهم، فهم من شهود الله على أعظم مشهود به وهو توحيد الله U ] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ ويكفيهم شرفاً أن الله تعالى رفع شأنهم، فجعلهم أهل خشيته من بين خلقه ]إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ[ ورفعهم الله تعالى درجات ]يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[ وأوجب الله طاعتهم فقال ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ[ وأولو الأمر الأمراء والعلماء.
وبيَّن رسولُ الله ﷺ عن مكانة العلماء وفضلهم وعلو درجتهم، فقال رسولُ الله ﷺ (إن العالِم ليستغفر له مَنْ في السموات ومن في الأرض حتى الحيتانُ في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر) وقال ﷺ (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ) ثُمَّ قَالَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ).
أيها المسلمون ... العلماء هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب.
ولما كان أهل العلم بهذه المنزلة فقد جاء الشرع بتكريمهم والحض على توقيرهم، قال رسول الله ﷺ (ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه).
توقير العلم والعلماء؛ من إجلال الله تعالى، وتعظيم شريعته، وامتثال أمره، قال رسول الله ﷺ (إِنَّ من إِجْلَالِ الله إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فيه وَالْجَافِي عنه، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ) وعلماء السلف من السابقين، ومَن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
تعظيم العلماء وتقديرهم من تعظيم شعائر الله قال تعالى ]ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ[ والشعيرة كما قال العلماء: كل ما أذن وأشعر الله بفضله وتعظيمه. والعلماء بلا ريب يدخلون دخولاً أوليًّا فيما أذن الله وأشعر الله بفضلهم وتعظيمه.
وعلى هذا .. فالنيل من العلماء وإيذاؤهم يعد إعراضًا أو تقصيرًا في تعظيم شعيرة من شعائر الله.
ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير والإجلال وحفظ الحرمات، وما يوجد من بعض الناس في بعض المجالس أو المنتديات أو بعض وسائل الإعلام من انتقاصٍ أو ازدراء لأهل العلم بسبب خلافهم أو قولهم الحق والصدع به يجب إنكاره والرد على قائله ونصحه؛ لأن الوقوع في العلماء إسقاط لهم وحرمان للناس من الإفادة من علمهم (حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)
وسلف هذه الأمة وخير قرونها تمثلوا هذا التوقير والتعظيم في مواقف كثيرة امتلأت بها بطون كتب التراجم والتواريخ وتناقلها العلماء تذكيراً بهذا الأدب، وتعميقاً لهذا الأصل في القلوب وتنبيهاً على استعماله لكل سالك
اللهم احفظ علماءنا وأمراءنا وولي أمرنا.
أقول ما تسمعون ....
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين ... إن الجناية على العلماء خرق في الدين، فمَن استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومَن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، فالوقيعة في أهل العلم ولاسيما أكابرهم من كبائر الذنوب.
والطاعنون في العلماء لا يضرون إلا أنفسهم، وهم مفسدون في الأرض ]إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ[ الطاعنون في العلماء عرضة لحرب اللَّه (مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب)لأن العلماء هم من أولياء الله تعالى، قال ابن عباس رضي الله عنهما: مَن آذى فقيهًا فقد آذى رسول الله ﷺ، ومَن آذى رسول الله ﷺ فقد آذى الله U.
فليخش الطاعنون في العلماء المستهزئون بهم بعاقبة من جنس فعلهم؛ قال الإمام أحمد رحمه الله: لحوم العلماء مسمومة؛ مَن شمها مرض، ومَن أكلها مات.
عباد الله: إن من أعظم الآثار العاجلة لانتقاص العلماء والتهكم بهم موت القلب؛ نعوذ بالله تعالى من الضلال والهوى.
الطاعنون في علماء الشريعة هم أهل الأهواء والبدع والنفاق؛ لأن العلماء يحولون بينهم وبين نشر النفاق والفساد والابتداع في الدين؛ إذ ببيان العلماء يظهر العلم، ويرفع الجهل، وتزال الشبهة، وتصان الشريعة، ويكون الناس على طريق مستقيمة، ومحجة واضحة، لا غموض فيها ولا التباس؛ ولذا كان أئمة السلف الصالح إذا رأوا من يطعن في عالم رباني اتهموه في دينه، وجعلوا ذلك قاعدة عند الناس حتى لا يغتروا بطعنه، قال يحيى بن معين رحمه الله تعالى: إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة وعكرمة مولى ابن عباس فاتهمه على الإسلام.
لأن مثل هؤلاء إنما يبتغون بذلك تجهيل الناس بدينهم، وإبطال شريعة الله تعالى فيهم، وإطفاء نوره الذي استضاءوا به، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
فعلينا – يا مسلمون - محبة علماء الشريعة الربانيين، ومعرفة قدرهم، وحفظ مكانتهم، والصدور عن أقوالهم؛ فإنهم أقرب الناس إلى الحق، وأنصحهم للخلق بعد الأنبياء. والواجب علينا الذب عن أعراض العلماء، والانتصار لهم ممن بغى عليهم، وعدم تصديق هؤلاء المفسدين في أكاذيبهم، ولا الانسياق خلف أراجيفهم؛ فإنهم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها.
حفظ الله تعالى علماء الأمة الربانيين العاملين، وأعلى ذكرهم، وزادهم من فضله، ونفع بهم خلقه، ورد عنهم قالة السوء، إنه سميع قريب.المرفقات
1626978603_تعظيم قدر العلماء والذب عن أعراضهم.pdf
1626978611_تعظيم قدر العلماء والذب عن أعراضهم.docx