بِـــشَـــارات للأمــــوات

راشد بن عبد الرحمن البداح
1442/11/14 - 2021/06/24 16:58PM

الحمدُ للهِ جعلَ في تصرمِ الشهورِ والأعمارِ نُذُرًا، أحمدُه تعالى وأشكرُه على نِعَمٍ تَتْرَى، وعلى أرزاقٍ لا نُطيقُ لها حَصْرًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةً لنا يومَ المعادِ ذُخْرًا، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المخصوصُ بالفضائلِ الكبرَى، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آلهِ وأصحابهِ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الأُخرى. أما بعدُ:

 فإن للمؤمنِ عندَ اللهِ مكانةٌ، فقد أكرمهُ ربهُ بكلِ كرامةٍ، أما في الدنيا فمحفوظٌ في دينهِ ونفسهِ وعرضهِ ومالهِ وعقلِهِ. فإذا ما ماتَ توالتْ عليهِ الكراماتُ، وأقبلتْ عليه البشاراتُ. ولئن كان المؤمنُ يَوْجَلُ من عذابِ القبرِ فليطِب نفسًا ولْيَنْعَمْ بنعيمِ القبرِ الذي ينتظرُه قبلَ نعيمِ الجنةِ. وخذْ أُوْلَى تلكَ البشارَاتِ:

فَهَلْ تَعْلَمُ أنَّ الْمَلاَئِكَةَ تتَلَقَّى رُوحِ المُؤْمِنِ لَحْظَةَ خُرُوجِها؟

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا. فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ. وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ، وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ([1]).رواه مسلم.

أما إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ فَيَتَنَعَّمُ بِأَصْنَافِ النَّعِيْمِ.

قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ [ إِذَا انْصَرَفُوا]؛ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ [ فَيُجْلَسُ غَيْرَ فَزِعٍ وَلاَ مَشْعُوفٍ ]([2]). [يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: دَعُونِي أُصَلِّي]([3]) قَلبُه معَ الصلاةِ. فيَسألانِهِ برفِقٍ أسئلةً سهلةً يَعرِفُها كلُ مؤمنٍ

 [يُقَالُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ؟ فَيَقُولُ: مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَرَى اللَّهَ! فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ. ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ قِبَلَ الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ. وَيُقَالُ لَهُ: عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مُتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ]([4]).

فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ لِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ. فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا،]([5]). ويُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ [سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَيُمْلأُ عَلَيْهِ خَضِرًا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ]([6]). ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ. فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ؟ فَيَقُولاَنِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ([7]).

ثم يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ مَرَّةً بِالْغَدَاةِ وَأُخْرَى بالْعَشِيِّ

وحتى الذينَ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، يتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُمْ، ببشارةٍ من رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- فقدْ رأَى رُؤْيَا فَقَالَ: فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ، وَلَبِنِ فِضَّةٍ.. فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ.. وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ.. فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ([8]).
الحمدُ للهِ على لُطفِهِ الخَفي، وفضلِهِ وإحسانِهِ الحَفِي، والصلاةُ والسلامُ على النبيِ الأميِ أما بعدُ: نَعَمْ؛ كلُّنا نكرهُ الموتُ، لكننا نحبُ لقاءِ ربنا الأرحمِ بنا من أنفسِنا. فهلْ يتعارضُ هذا معَ هذا؟

الجَوابُ: لا. واسمعْ البشارةَ من نبِيِّكَ -صلى الله عليه وسلم-: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ! فقَالَ: لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ. متفقٌ عليهِ.

والمؤمنُ الراسخُ يستبشرُ بقربِ لقاءِ اللهِ، ويرجو من ربٍ كريمٍ خيرًا أنه سيثبِّتهُ بالقولِ الثابتِ. وانظرْ لعظيمِ إيمانِ عمرَ –رضيَ اللهُ عنهُ- فإنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ فَتَّانَ القُبُورِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: نَعَمْ، كَهَيْئَتِكُمُ اليَوْمَ. فَقَالَ عُمَرُ -رضيَ اللهُ عنهُ-: بِفِيهِ الحَجَرُ([9]).

يعنيْ: من رسوخِ إيمانهِ وثِقَ أنهُ سيُجيبُ بالجوابِ الصوابِ الذي يُسكتُ الفتانُ([10]).

·فاللهم ارزقْنا قبلَ الموتِ توبةً، وعند الموتِ شهادةً، وبعد الموتِ جنةً. اللهم ارزقْنا حسنَ الخاتمةِ.

· اللَّهُمَّ إِنَّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ. اللَّهُمَّ إِنَّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ([11]).

·الحمدُ للهِ على كلِ حالٍ، ونعوذُ باللهِ من عذابِ النارِ، وعذابِ القبِر.

·اللهم نسألُكَ أن تقبلَنا ساعةَ القيلولةِ هذه، وأن تُجيرَنا من النارِ برحمتِكَ.

·اللهم خابتْ الظنونُ إلا فيكَ أنتَ ملاذُنا إذا انقطعَ الأملَ وملجؤُنا إذا ضاقتِ الحيلُ.

·اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا.

·اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنا بِدُعَائِكَ أَشْقِيَاءَ، وَكُنْ بِنا رَءُوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ.

·اللهم زدْ محسنَ أمةِ محمدٍ إحسانًا وراجِعْ بمُسيئهمْ إلى التوبةِ.

·اللهم وفقْ إمامَنا ووليَ عهده بتوفيقِك.

·اللهم احفظْ جنودَنا، واجزِ خيرًا عيونَنا الساهرةَ في الدفاعِ الجويِ.

·   اللهم صلِ وسلمْ على نبيِنا محمدٍ.



([1])مفردات مسلم.
([2])ابن ماجه وصححه البوصيري والألباني.
([3])ابن ماجه وصححه ابن حبان، وحسنه البوصيري. وقال الهيثمي: إسناده حسن.
([4])ابن ماجه وصححه البوصيري والألباني.
([5]) رواه أبو داود وصححه الحاكم والبيهقي، وحسنه المنذري. وقال ابن القيم: الحديث صحيح لا شك فيه.
([6])متفق عليه. وما بين المعقوفين عند مسلم.
([7]) رواه الترمذي
([8])متفق عليه.
([9]) رواه أحمد وقال ابن حجر: إسناده حسن.
([10])الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (8/ 107)
([11])مسند أحمد ( 15492)

المرفقات

1624553857_بشارات للأموات.pdf

1624553873_بشارات للأموات.docx

المشاهدات 1202 | التعليقات 0