الى أي شيء ينظرون؟

شايع بن محمد الغبيشي
1445/07/13 - 2024/01/25 15:31PM

إلى أي شيء ينظرون؟

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ))
إخوة الإيمان قرأتها حيرتني وادهشتني وتعجبت منها أعدت قراءتها فازددت عجباً منها، توافدت على الأسئلة ودارت بفكري تلك التساؤلات، فأعدت قراءتها للثالثة والرابعة والخامسة، حقاً لقد استوقفتني هذه الآيات: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} لعلكم تتساءلون ما الذي حيرك في هذه الآيات؟ ما الذي دار في عقلك من التساؤلات؟ سأعرضه عليكم ذلك يا عباد الله، دار في فكري: إلى أي شيء ينظرون وهم في جنة الله تعالى في قمة الملك والنعيم والسعادة؟ ما الذي رسم نضرة النعيم على وجوههم؟ ما الذي شده عقولهم وسحر أعينهم؟ على أي شيء يطلون من تلك الأرائك العالية؟ ماذا رأوا حتى اكتست وجوههم كل تلك النضارة التي وصفهم الله بقوله: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ }؟

إلى أي شيء ينظرون؟

أهم ينظرون إلى القصور والخيام والغرف التي أعدها الله لهم فسلبت عقولهم بجمالها وبهائها وسعتها وعظمتها التي وصفها رسول الله صلى الله عليه فقال: "لَبِنَةٌ ذهَبٌ، ولَبِنَةٌ فِضَّةٌ، وملاطُها المسْكُ، وحَصْباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوتُ، وتُرابُها الزعْفَران، مَنْ يدخُلُها يَنْعَمُ ولا يَبْأَسُ، وُيخلَّدُ؛ لا يموتُ، لا تبْلى ثِيابُه، ولا يَفْنى شَبابُه" رواه أحمد وحسنه الألباني

ويخبر عن خيامها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول:"إنَّ في الجنَّة خَيْمةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مجوَّفَةِ، عَرْضُها ستّونَ ميلاً، في كلِّ زاويةٍ منْها أهلٌ ما يرونَ الآخَرين، يَطوفُ عليهم المؤْمِنُ، وجنَّتانِ مِنْ فِضَّةٍ آنيتُهما وما فيهِما، وجنَّتانِ مِنْ ذَهبٍ آنِيَتُها وما فيهِما) رواه البخاري ومسلم

إلى أي شيء ينظرون؟

أهم ينظرون إلى خدمهم من الوالدان كاللؤلؤ بالمئات يسارعون إلى خدمتهم في حركة دائبة لا يملون من التطواف عليهم كما أخبر عنهم جل و علا بقوله :{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا } يحدثنا عن منظر هذا التطواف عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فيقول "إنَ أدْنَى أهْلِ الجنَّةِ منزلةً مَنْ يَسْعى عليه ألْفُ خادمٍ، كلُّ خادِمٍ على عمَلٍ ليسَ عليه صاحبُه. قال: وتلا هذه الآية {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} رواه البيهقي و صححه الألباني

إلى أي شيء ينظرون؟

أهم ينظرون إلى ما أعد الله لهم من الأطعمة و الأشربة التي يطوف بها عليهم الوالدان كما أخبر عن ذلك ربنا جل و علا بقوله: {يطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} وقال سبحانه {لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون}. ويكشف لنا نبينا صلى الله عليه وسلم جانباً من ذلك النعيم في الحوار الذي دار بينه وبين اليهودي حين سأله اليهودي فقال: يا أبا القاسِم! ألسْتَ تزعُم أنَّ أهلَ الجنَّة يأكُلون فيها ويشْرَبون؟ -ويقولُ لأَصْحابِه: إنْ أقَرَّ لي بهذا خصَمْتُه-، فقالَ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بلى والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده، إنَّ أحَدهُم لَيُعْطى قوةَ مِئَةِ رجلٍ في المطْعَمِ والمشْربِ والشهوَةِ والجِماعِ".فقال اليهوديُّ: فإنَّ الذي يأْكُل ويشْرَبُ تكونُ له الحَاجةُ! فقال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:"حاجَتُهم عَرَقٌ يَفيضُ مِنْ جُلودِهِمْ مثلَ المسْكِ، فإذا البطْنُ قد ضَمَرَ" ورواه ابن حبان وصححه الألباني

و يصف صلى الله عليه و سلم الطير الذي يأكله أهل الجنة كما أخبر الله بقوله: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} فيقول : "إنَّ طيرَ الجنَّة كأمْثال البُخْتِ ترعى في شجرِ الجنَّةِ" فقال أبو بكْرٍ: يا رسول الله! إنَّ هذه لطيرٌ ناعِمَةٌ. فقال: "أكَلَتُها أنْعَمُ منها -قالها ثلاثاً-، وإنِّي لأرْجو أنْ تكونَ مِمَّنْ يأكُلُ مِنْها" رواه أحمد بإسناد جيد.

إلى أي شيء ينظرون؟

أهم ينظرون إلى حدائق الجنة وأشجارها التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجنَّةِ شجرةً يسيرُ الراكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ عام لا يقْطَعُها، إنْ شئْتُم فاقْرؤوا: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} "رواه البخاري والترمذي. وأخبر عن ساق تلك الأشجار فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما في الجنَّة شجَرةٌ، إلا وساقُها مِنْ ذَهبٍ". رواه الترمذي. وأخبر عن ثمرها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فقال: "عُرِضَتْ عليَّ الجنَّة فذهبتُ أتناوَلُ منها قطْفاً أُريكُموه، فحيلَ بيْني وبينَه". فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! ما مَثَلُ الحبَّة مِنَ العِنَبِ؟ قال: "كأعْظَم دَلْوٍ فَرَتْ أُمُّك قَطُّ". رواه أبو يعلَى و حسنه الألباني

وهذا البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنه يفسر قوله تعالى: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} فيقول: "إن أهل الجنة يأكلونَ من ثمار الجنةِ قياماً وقعوداً ومضطجعين [على أي حال شاؤوا] رواه البيهقي وصححه الألباني.

ويصف النبي صلى الله عليه وسلم سدر الجنة فيقول: "أليسَ الله يقول: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ}، خَضَدَ الله شوْكَهُ، فجعلَ مكانَ كلِّ شوْكَةٍ ثمرةً؛ فإنَّها لتُنْبِتُ ثَمراً، تَفَتَّق الثمرةُ مِنْها عنِ اثْنَيْنِ وسبْعينَ لَوْناً مِنْ طعامٍ، ما فيها لونٌ يُشْبِه الآخَرَ" رواه ابن أبي الدنيا وصححه الألباني 

إلى أي شيء ينظرون؟

أهم ينظرون إلى أنهارها و عيونها التي أخبر الله جل و علا عنها فقال: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ }

ووصف صلى الله عليه وسلم تلك الأنهار في الجنة فقال: (إن اللهَ عز وجلَّ أحاطَ حائطَ الجنةِ لبنةً من ذهبٍ، ولبنةً من فضةٍ، ثم شقق فيها الأنهار، وغرسَ فيها الأشجار، فلما نظرت الملائكة إلى حُسنها قالت: طوبى لك منازل الملوك) رواه البيهقي وصححه الألباني.

وأخبر عن أحدها رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "الكوثَرُ نهرٌ في الجنَّةِ، حافَّتاهُ مِنْ ذَهبٍ، ومَجْراهُ على الدرِّ والياقوتِ، تُرْبتُه أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، ومَاؤه أحْلى مِنَ العَسلِ، وأبَيضُ من الثَّلْجِ". رواه ابن ماجه، والترمذي وصححه الألباني، طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن شرب من تلك الأنهار وأغترف.

الخطبة الثانية

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمد عبده ورسوله أما بعد:
عباد الله إلى أي شيء ينظرون؟

أهم ينظرون إلى الحور اللاتي وصفهن الله فقال: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ *كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} فيحار الطرف من حسنهن وجمالهن:

حور حسان قد كملن خلائقاً   *** ومحاسناً من أجمل النسوان

حتى يحار الطرف في الحسن الذي ... قد ألبست فالطرف كالحيران

 ويقول لما أن يشاهد حسنها ... سبحان معطي الحسن والإحسان

إنها الحوراء التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه و سلم فقال: ( يُرَى ‌مُخُّ ‌سَاقِهَا ‌مِنْ ‌وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الْحُسْنِ) رواه البخاري.

إنها الحوراء التي أخبر النبي صلى الله عليه و سلم عنها بقوله :( ولو اطّلَعتِ امْرأَةٌ مِنْ نساءِ الجنَّةِ إلى الأرض لملأَتْ ما بينَهُما ريحاً ) لله تلك الرائحة الطيبة فكيف بقربها و مؤانستها ؟

إنها الحوراء الكاعب التي تكعّب واستدار ثديها لا يتدلى أبداً كما وصفها الله فقال (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا)

إنها الحوراء جميلة الملابس قد ألبست سبعون حلة فأي لون أردت أن تراه عليها رأيته أما منديلها الذي تضعه على رأسها يشع وجهها نوراً وضياء كما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال: ( ولو اطّلَعتِ امْرأَةٌ مِنْ نساءِ الجنَّةِ إلى الأرض لملأَتْ ما بينَهُما ريحاً، ولأضاءَتْ ما بيْنَهُما، ولَنَصيفُها -يعني خِمارَها- على رأسِها خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها) رواه البخاري ومسلم.

 إنها الحوراء العروب المتحببة إلى زوجها بأجمل عبارات الوداد وأحسن ألفاظ الحب و الغرام و صفها الله بقوله: { عُرُبًا أَتْرَابًا }

إنها الحوراء التي إذا اشتقت إلى سماع الغناء قامت تغني عند رأسك فتتحرك الأشجار لرقصها وغنائها فتصدر صوتاً ما سمع مخلوق بمثله، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (إنَّ أزْواجَ أهْلِ الجنَّةِ ليُغَنِّينَ أزْواجَهُنَّ بأحْسنِ أصواتٍ ما سمِعَها أحدٌ قَطُّ، إنَّ مِمّا يُغَنِّينَ به: نحنُ الخيْراتُ الحِسَانُ، أزواجُ قومٍ كِرام، ينظُرونَ بقُرَّةِ أعْيان، وإن مِمّا يُغَنِّينَ به: نحنُ الخالِداتُ فلا نَمُتْنَهْ. نَحنُ الآمِناتُ فلا نَخَفْنَهْ. نحنُ المُقيماتُ فلا نَظْعَنَّهْ" رواه الطبراني وصححه الألباني إنها الحوراء التي وصفها الله بقوله: { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا }([1]) إي كلما وطأت عادت بكراً ، يجيب رسول الله r من قال : أنطأ في الجنة ؟ قال : ( نعم والذي نفسي بيده دحماً دحماً ، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا ) رواه ابن حبان وصححه الألباني

إلى أي شيء ينظرون ؟

أهم ينظرون إلى وجه ربهم جل وعلا  كما أخبرهم  جل و علا بقوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } و يصف رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظرهم إلى ربهم فيقول : "إذا دخَل أهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، يقولُ الله عزَّ وجلَّ: تُريدون شيْئاً أزيدُكم؟ فيقولون: ألَمْ تبيِّضْ وجوهَنا؟ ألَمْ تُدخلْنا الجنَّةَ وتُنَجِّنا مِنَ النارِ؟ قال: فيُكْشَفُ الحِجابُ، فما أُعْطوا شيْئاً أحبَّ إليْهِم من النظَرِ إلى ربِّهم. ثُمَّ تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} " رواه مسلم والترمذي والنسائي.

إن الذي يستعرض هذه الجولة يظهر له بوضوح قول الله جل وعلا : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وقول الله جل وعلا : (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنُ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ) رواه البخاري. عبد الله بعد هذه الجولة، ألا تمني نفسك أن تكون من أصحاب الأرائك والنضرة ؟ ألا شوقٌ يحدو الأرواح ويهيج المشاعر وينهض بالعزائم فيدفعها للمسارعة إلى التوبة والعمل والانطراح بين يدي الله و الإلحاح عليه في طلب الفوز بالجنان، اللهم اجعلنا من أهلها بمنك وكرمك يا حي يا قيوم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل يا قريب يا مجيب.

 

 



([1]) [الواقعة 35/36]

المرفقات

1706185888_إلى أي شيء ينظرون ؟.pdf

1706185890_إلى أي شيء ينظرون ؟.docx

المشاهدات 1261 | التعليقات 0