المصائب والأمراض ( تعميم الوزارة )
محمد بن سليمان المهوس
« المصائب والأمراض : دروس وعبر ( تعميم الوزارة )»
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
15/4/1446هـ
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ بِالْمَصَائِبِ الَّتِي تَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ أَنْوَاعِهَا، فَتَارَةً تَكُونُ فِي الْبَدَنِ، وَتَارَةً تَكُونُ فِي الْمَالِ، وَتَارَةً تَكُونُ فِي الذُّرِّيَّةِ ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة : 155 ]
وَكَمَا قِيِلَ :
ثَمَانِيَةٌ تَجْرِيْ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ** وَلا بُدَّ لِلإِنْسَانِ يَلْقَى الثَّمَانِيَهْ
سُرُوْرٌ وَحُزْنٌ، وَاجْتِمَاعٌ وَفُرْقَةٌ ** وَعُسْرٌ وَيُسْرٌ، ثُمَّ سُقْمٌ وَعَافِيَهْ
وَفِي ظِلِّ هَذَهِ الْمَصَائِبِ تَبْرُزُ مُسَلَّمَاتٌ مَتِينَةٌ، وَأُصُولٌ عَظِيمَةٌ فِي عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِ يَجِبُ الإِيمَانُ بِهَا !
مِنْ أَهَمِّهَا: الإِيمَانُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّ مَا أَصَابَكَ -أَيُّهَا الْعَبْدُ- لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّ هَذَا الْخَلْقَ كُلَّهُ طَوْعُ تَدْبِيرِ خَالِقِهِ ، وَتَصْرِيفِ مُوجِدِهِ جَلَّ فِي عُلاَهُ؛ ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق:12]
رَوَى التَّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا, وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ ، عَنِ الوَلِيدِ ابْنِ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى وَالِدِيِ، وَهُوَ مَرِيضٌ أَتَخَايَلُ فِيهِ الْمَوْتَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ أَوْصِنِي وَاجْتَهِدْ لِي ، فَقَالَ: أَجْلِسُونِي ؛ فَلَمَّا أَجْلَسُوهُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَطْعَمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ، وَلَنْ تَبْلُغَ حَقَّ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ بِاللهِ ،حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّه.ِ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ وَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ مَا خَيْرُ الْقَدَرِ مِنْ شَرِّهِ؟ قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ . يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمُ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ ، فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، يَا بُنَيَّ إِنْ مِتَّ وَلَسْتَ عَلَى ذَلِكَ دَخَلْتَ النَّارَ.
وَمِنَ الْمُسَلَّمَاتِ الَّتِي يَجِبُ الإِيمَانُ بِهَا فِي ظِلِّ الابْتِلاَءِ بِالْمَصَائِبِ مِنْ أَمْرَاضٍ وَغَيْرِهَا: الْوُقُوفُ مَعَ النَّفْسِ وَمُحَاسَبَتُهَا ؛ فَقَدْ يَكُونُ الْعَبْدُ مُقَصِّرًا أَوْ مُهْمِلًا لِبَعْضِ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَكُونُ الْمَصَائِبُ عِقَابًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ ! لِيُصْلِحَ حَالَهُ وَيَتُوبَ إِلَى رَبِّهِ. ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [ النساء : 123 ]
وَقَالَ تَعَالَى : ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [ الأنعام : 42 ]
وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْمَصَائِبُ كَفَّارَةً لِلذُّنُوبِ الَّتِي صَدَرَتْ مِنَ الْعَبْدِ؛ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - « ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَة يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ » [ متفق عليه ] وَقَدْ تَكُونُ رِفْعَةً لِهَذَا الْمُصَابِ فِي الْآخِرَةِ ؛ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْزِلَةُ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ ، فَمَا يَزَالُ اللهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبْلِغَُهُ إِيَّاهَا » [ حسنه الألباني ]
وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْمَصَائِبُ فِي دَفْعِ مَكْرُوهٍ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [ البقرة : 216 ]
اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو فَلا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنَ الْمُسَلَّمَاتِ الَّتِي يَجِبُ الإِيمَانُ بِهَا فِي ظِلِّ الابْتِلاَءِ بِالْمَصَائِبِ وَالَّتِيِ مِنْهَا الأَمْرَاضُ : التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ، وَتَفْوِيضُ الأَمْرِ إِلَيْهِ فِي هَذَا الأَمْرَاضِ بَعْدَ فِعْلِ الأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ لِلْوِقَايَةِ مِنْهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَالأَخْذِ بِأَسْبَابِ الشِّفَاءِ وَالْعَافِيَةِ بَعْدَ الإِصَابَةِ بِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا تُقَدِّمُهُ وَزَارَةُ الصِّحَّةِ فِي بِلاَدِنَا مِنْ حَمَلاَتٍ تَوْعَوِيَّةٍ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الْأَمْرَاضِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَرَضُ الْإنْفُلُوَنْزَا الْمُوسِمِيَّةِ ، وَتَهْدِفُ هَذِهِ الْحَمَلَاتُ إِلَى إِبْرازِ أَهَمِّيَةِ أَخْذِ اللُّقَاحِ كَوَسِيلَةٍ فَعَّالَةٍ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الْإِصَابَةِ بِالْمَرَضِ، وَتَخْفِيفِ حِدَّةِ الْأَعْرَاضِ لَدَى مُخْتَلَفِ فِئاتِ الْمُجْتَمَعِ – بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْجَهْدَ يُعَدُّ دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى حِرْصِ وُلَاةِ أَمْرِنَا عَلَيْنَا فِي هَذَا الْبَلَدِ الْمُبَارَكِ ؛ فَجَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرَ الْجَزَاءِ، وَبَارَكَ فِي أَعْمَالِهِمْ وَأَعْمَارِهِمْ. ؛ هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].
المرفقات
1728987757_المصائب والأمراض.doc
1728987771_المصائب والأمراض.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق