المَاءُ حَيَاةٌ ( حسب التعميم الوزاري - بثلاث صيغ)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1442/08/19 - 2021/04/01 08:47AM

الحمدُ للهِ بارئِ البرياتِ، وعالمِ الخفياتِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وله أعلَى الأسماءِ والصفاتِ، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، المؤيدُ بالآياتِ، اللهم صلِ وسلمْ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ السابقينَ للخيراتِ. أما بعدُ:

فاتقوا اللهَ-رحمكمُ اللهُ- وبادِروا آجالَكمْ بأعمالِكمْ، واستعدُوا للرحيلِ فقد جدَّ بكمْ، فالأجلُ فاجعٌ، والأملُ خادعٌ.

أيُها المسلمونَ: هذهِ وقفةٌ مع آيةٍ كبرَى من الآياتِ، ونعمةٍ واحدةٍ من أجلِّ النعمِ، أنعمَ اللهُ بها على خلقهِ، ومنها خَلَقَهمْ، وعليها أقامَ حياتَهمْ.

تلكمْ هيَ التي قالَ اللهُ عنها: {وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ}. والماءُ شرابُنا:{فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}. ومنَ الماءِ يَنشأُ طعامُنا: {فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ*أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً}.

وَلَمَّا قِيْلَ لِلشَّعْبِيِّ: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: أَشْتَهِي أَعَزَّ مَفْقُودٍ وَأَهْوَنَ مَوْجُودٍ. فَقَالَ: يَا غُلَامُ! اسْقِهِ الْمَاءَ([1]).

هذا الماءُ تصوُّرُه يُرطِّبُ القلوبَ، وتذوُّقُه حياةُ الأجسامِ. فهلا تذكرتَ نعمةَ اللهِ عليكَ، حينما يصيبُك وَهجُ الشمسِ اللاهبِ، وسَمومُها اللافحُ، ويَبلغُ بك العطشُ شدةً، ثم تتناولُ إناءَ الماءِ فتتلذذُ به، وتُسيغُه هنيئًا مريئًا، ولذا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- : إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، يَعْنِي العَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ ، أَنْ يُقَالَ لَهُ : أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ ، وَنُرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ البَارِدِ؟([2]).

عبادَ اللهِ: عجباً لهذا الماءِ! جعلهُ اللهُ وسيلةً لحسنِ الثوابِ في الدنيا، ففي التنزيلِ العزيزِ يقولُ اللُه: {وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} كما إنه وسيلةُ عقابٍ على المذنِبينَ المكذبِينَ: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}.

ومن أعظمِ أنواعِ النعيمِ في الجنةِ: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} ويشربونَ من: {مَاءٍ مَسْكُوبٍ}.

وعذابُ أهلِ النارِ: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}. كما أن عذابَهم حِرمانُهم من الماءِ القراحِ الباردِ.

ولما شَرِبَ ابْنُ عُمَرَ مَاءً بَارِدًا بَكَى فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ، فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: ذَكَرْتُ آيَةً فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} فَعَرَفْتُ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ لَا يَشْتَهُونَ إِلَّا الْمَاءَ الْبَارِدَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ U: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ  اللهُ}([3]).

أيُها المسلمونَ: إن الماءَ لم تنقصْ قيمتُه لا بتقدمِ الإنسانيةِ ولا بتخلُفِها، بلْ لقدْ زادتْ، حتى صاروا يَتحدثونَ عنِ الأمنِ المائيِ، وتناقُصِ مواردِ المياهِ ومصادِرِها ومنابِعِها.

وتأملُوا في سنةِ نبيِكمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد كَانَ يَغْتَسِلُ، بمثلِ هذهِ القارورةِ ( أحضِّرجيكة3لتر)، وَيَتَوَضَّأُ بمثلِ هذهِ القارورةِ (أحضِّرقارورةنص لتر)([4]).

وعندما يرَى المسلمُ كثيرًا من إخوانهِ المسلمينَ وهم يتوضؤونَ يشاهدُ عَجَبًا في إهدارِ الماءِ وكأنهمْ لا يَعلمونَ شيئًا عن سنةِ رسولِهِم محمدٍ eحيثُ يتوضأُ أحدُهم بما يكفيْ للاغتسالِ.

ولقد شَددَ أهلُ العلمِ في المنعِ من الإسرافِ بالماءِ، وقطعِ الوسواسِ على الموسوسينِ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «اقْتَصِدْ فِي الْوُضُوءِ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ. وقَالَ العُلَمَاءُ: «مِنْ وَهَنِ عِلْمِ الرَّجُلِ وُلُوعُهُ بِالْمَاءِ فِي الطَّهُورِ» ([5]).
الحمدُ للهِ مُولِينا، ومُعطِينا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا وهادِينا، أما بعدُ:

فإنَّ مِن آكدِ الوصايا الاقتصاديةِ توعيةَ أهلِ البيتِ والعمالِ والعاملاتِ بترشيدِ المياهِ، لا سيما عند غسلِ الأحواشِ والسياراتِ، والمنازلِ والمساجدِ وأماكنِ العملِ. فليأخذُوا على أيديهِم، ليسَ خوفًا من الفواتيرِ، بل خوفًا من التبذيرِ، وإلا اجتمعَ تبذيرانِ للمالِ وللماءِ.

وقُلْ مِثلَ هذا في صرفِ المياهِ على المسطحاتِ الخضراءِ والأشجارِ قليلةِ الفائدةِ.

فهلِ استَشعرْنا حقاً قدرَ الماءِ؟ نفتحُ الحنفيةَ، فيَنهالُ علينا الماءُ بكلِ سهولةٍ!

هلِ قَدَرْنا نعمةَ وُجودِه، ونعمةَ سهولةِ تحصيلِه، ونعمة رُخْصِهِ ونعمةَ عذوبتهِ؟

{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ(68)أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ(69)لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}

ولو نظرتَ في بعضِ البلادِ المنكوبةِ، لرأيتَ أطفالاً وإخواناً لكَ يقِفونَ طوابيرَ ليُحصِّلوا مذقةً من ماءٍ عَكِرٍ!!.

·         فاللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا.

·         اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.

·         اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.

·         اللهم سلمْ لنا رمضانَ الفائتَ، وسلِمْنا لرمضانَ الآتي.

·         اللهم واحفظْ علينا دينَنا، وأعراضَنا، وباركْ في أرزاقِنا واقضِ ديونَنا.

·         اللَّهُمُّ اِحْفَظْ بِلَادَنَا بِالْأَمْنِ وَالْإيمَانِ وبالسَّلامَةِ مِنَ الآفَاتِ ومِنَ المُحْدَثَاتِ.

·         اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْوَبَاءِ وَالْغَلَاَءِ.

·         اللَّهُمَّ عُمَّ أَوْطَانَ الْمُسْلِمِينَ بِالْخَيْرِ وَالسَّلامِ، وَحَقِّقْ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا اِجْتِمَاعَ كَلِمَتِهِمْ، وَصَلَاحَ أَحْوَالِهِمْ، وكِفايَةَ شَرِّ أَعْدَائِهِم.

·         اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا مَلِكَنَا وَأَمِدَّهُ بِالصِّحَّةِ فِي طَاعَتِكَ، وَمَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.

·         اللَّهُمَّ أَعِنْ وَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُ وَارْزُقْهُ بِبِطَانَةٍ صَالِحَةٍ نَاصِحَةٍ.

·         اللهم يا ذا النعمِ التي لا تُحصَى عددًا نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ أبدًا.



([1])المجالسة وجواهر العلم (2/ 236)
([2])سنن الترمذي (3358 ) وصححه ابن حبان والذهبي.
([3])شعب الإيمان 4294
([4]) أي بالصاع والمد كما في صحيح البخاري (201 ) ومسلم (226)
([5]) الطهور لابن سلام ( 109 ) ص 124

المرفقات

1617266798_الماء حياة.docx

1617266814_الماء حياة.pdf

المشاهدات 2436 | التعليقات 0