القِــصَّــةُ اليُــــوسُـــفِــيَّـــة

راشد بن عبد الرحمن البداح
1443/04/13 - 2021/11/18 11:11AM

الحمدُ للهِ على لُطفِه الخفيِ، وفضلِه الجليِ، والحمدُ للهِ على إنزالِ هذا القرآنِ، وعلى إرسالِ خيرِ ولَدِ عَدنانَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ تسليمًا، أما بعدُ:

فاتقوا اللهَ؛ فتقوى اللهِ ما     جاورَتْ قلبَ امرئٍ إلا وَصَلْ

سورةٌ منَ القرآنِ اشتملتْ على قصةٍ واحدةٍ عجيبةٍ من أولِها إلى آخرِها. إنها قصةُ يوسُفَ التي افتُتِحتْ بمدحِ القرآنِ، وخُتمتْ بمدحِ القرآن. سُطِّرتْ في ثلاثَ عشرةَ صفحةً، وجَرى فيها ثلاثةٌ وعشرونَ حِوارًا. وفيها كلماتٌ لم تَرِدْ إلا فيها: حَصحَصَ – أَمّارةٌ بالسُوء – صُواعَ – سِقاية – أَعصِرُ – قَطعْنَ – سِكينًا – عِجافٌ – الدَلو - بِضاعة – نَكتَلْ – نَمِيرُ – بَعير - حَاشَ للهِ – مَعاذَ اللهِ.

وبَرزتْ فيها ثلاثُ صفاتٍ للهِ تعالى: حكمةُ اللهِ – عِلمُ اللهِ – لُطفُ اللهِ.

ولكنَّ أبرزَ مَعْلَمٍ بالسورةِ هو العِلمُ، ولذا ذُكرتْ لفظةُ مادةِ (العِلْمِ) إحدى وثلاثونَ مرةً، واسمُ اللهِ (العليمِ) مذكورٌ ثَمانَ مراتٍ.

وأما لُطفُ اللهِ بيوسفَ فهو العَجَبُ العُجابُ، حيث أوصَلَه إلى أعلى الغاياتِ ورفيعِ الدرجاتِ، عن طريقِ الشدائدِ والبلياتِ.

طفلٌ يُحسدُ ويُهددُ بالقتل، ويُروَّعُ ويُرمَى في بئرٍ، ثم يكونُ فتىً خادمًا، ثم يُفتنُ شابًا بشهوةِ الفرجِ وبشهوةِ المالِ وبشهوةِ المنصبِ، ثم يُبتَلى بالسِجنِ والغُربةِ وفُرقةِ الأبوينِ، ثم النتيجةُ التي يَخرجُ منها يوسفُ قائلاً: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ}

يا عجبًا! كيفَ يكونُ اللُطفُ مع هذهِ القلاقلِ والمشاكلِ؟!

الجوابُ انظُرهُ في تتمةِ الآيةِ: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.

وكمْ بينَ رؤيا يوسفَ وسجودِ إخوتهِ وأبيهِ؟ قال ابنُ عباسٍ: بينَهما أربعونَ سنةً.

فلنتأملِ الآنَ هذهِ القصةَ اليوسفيةَ من زاويةٍ مختلفةٍ؛ فإنها مشتملةٌ على أرقامٍ وإحصاءاتٍ تَدلُكَ على عَظَمةِ كلامِ ربِ العالمينِ.

ثنائياتُ سورةِ يوسفَ:

كلمةُ (أرحمِ الراحمينَ) ذُكِرتْ مرتينِ {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}{يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

بِيعَ يوسفُ مرتينِ: إخوتُه باعوُه على السيارةِ، والسيارةُ باعُوهُ على الملِكِ.

امرأةُ العزيزِ ذُكِرتْ مرتينِ {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ}{قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ}.

والعزيزُ ذُكِرَ مرتينِ. والصبرُ الجميلُ مرتينِ.

التسويلُ مرتانِ: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}[يوسف18 و 83]

الإسرارُ مرتانِ {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً }{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ}.

الضلالُ المبينُ مرتانِ {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}{إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

حَاشَ لِلَّهِ مرتانِ- مَعَاذَ اللَّهِ مرتانِ-بضاعتانِ:{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً}{بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ}

ثلاثياتُ يوسفَ:

ثلاثةُ حيواناتٍ: الذئبُ والبقرُ والإبلُ.

ثلاثةُ تعبيراتٍ للإبلِ: العيرُ والبعيرُ والسيارةُ

ثلاثةُ تعبيراتٍ للقمحِ: السنبلاتُ الخبزُ والمَيرةُ.

وثلاثةُ قمصانٍ: قميصُ الكذبِ وقميصُ الفتنةِ وقميصُ الإبصارِ.

وثلاثُ سجناتٍ: غيابةُ الجبِ - وسجنُ العزيزِ - {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ}.

وثلاثةُ آباءٍ: إبراهيمُ وإسحاقُ ويعقوبُ.

فُقدانُ ثلاثةِ إخوةٍ: يوسفُ وصغيرُهم وكبيرُهم.

الرُباعياتُ: أربعُ وظائفَ ليوسفَ: النبوةُ والوزارةُ وتأويلُ الرؤى ‏والدعوةُ.

وأربعُ رُؤى: رؤياهُ، وصاحبَيهِ بالسجنِ، ورؤيا الملِكِ. وكلُهُن فسَّرهُنَ يوسفُ.

وأربعُ فتراتٍ لحياةِ يوسفَ: {هَذَا غُلَامٌ}{تُرَاوِدُ فَتَاهَا}{بَلَغَ أَشُدَّهُ}{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا}

الخُماسياتُ: كلمةُ المحسنينَ خمسُ مراتٍ - كلمةُ الملِكِ خمسُ مراتٍ.

والسُداسياتُ: المراودةُ ستُ مراتٍ، منها حَسَنٌ ومنها قَبيحٌ.

ورقمُ سبعةٍ ذُكرَ سبعَ مراتٍ، ولما تَكررتِ الثامنةُ عَبّرَ عنها بقولِ:{وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}.

والثُّمانياتُ: الكَيدُ مذكورٌ ثمانَ، والكَيدُ كَيدانِ:كيدُ الخائنينَ وكيدُ الصادقينَ.  والتأويلُ ذُكرَ ثمانَ مراتٍ.

وفي آخرِ آيةٍ منها ذَكَرَتْ ثمانَ فوائدَ لقصةِ يوسفَ: العبرةُ – العقلُ – الصدقُ – التصديقُ – التفصيلُ – الهدىُ – الرحمةُ – الإيمانُ.
 
الحمدُ للهِ مُولِينا، ومُعطِينا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا وهادِينا، أما بعدُ:

فليسَ في القرآنِ قصةٌ تتضمنُ ما تتضمنُ قصةُ يوسفَ، لأنَّ فيها ذكرَ الملوكِ والملائكةِ، والجنِ والإنسِ، والرجالِ وتسويلِهم، والنساءِ وكيدِهن، والبكاءِ والفرحِ، والحزنِ والبشارةِ، والتعبيرِ والتدبيرِ، والبُعدِ واللقاءِ، والسِياسةِ والكَياسةِ، والمعاشرةِ والمحاورةِ([1]). ولاشتمالِها على ذكرِ حاسدٍ ومحسودٍ، ومالكٍ ومملوكٍ، وشاهدٍ ومشهودٍ، وعاشقٍ ومعشوقٍ، وحبسٍ وإطلاقٍ، وسجنٍ وخلاصٍ، وخِصْبٍ وجَدبٍ([2]).

وفيها تعويضاتٌ ربانيةٌ جليلةٌ؛ فقد ابتلَى ربُنا يوسفَ بفراقِ أبيهِ، وعوَّضهُ بلقائهِ، وابتلاهُ بجفاءِ إخوتهِ، ثم عوَّضهُ سجودَهم له، وابتلاهُ بالعبوديةِ، وعوضهُ عبوديةَ أهلِ مصرَ، وابتلاهُ بالنسوةِ، وعوَّضَهُ بتصديقِهن {مَا عَلِمْنَا عَلَيهِ مِنْ سُوءٍ} وابتلاهُ بالسجنِ وعوَّضهُ المُلْكَ([3]).

o فاللهم الطفْ بنا في تيسيرِ كلِ عسيرٍ فإن تيسيرَ كلِ عسيرٍ عليك يسيرٌ([4]).

o اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا.

o اللهم ادفعْ عنا الوباءَ والبلاءَ والغلاءَ والبِغاءَ، وسوءَ الفتنِ، ما ظهرَ منها وما بطنَ.

o اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمين في كل مكان, واهد ضالَهم, واكْسُ عاريَهم,وأطعم جائَعهم.

o اللهم مَن أرادَنا أو أرادَ بلادَنا ومقدساتِنا وحرماتِنا بسوءٍ فأشغلْه بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ.

o اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودورنِا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرج لهم في المضائق, واكشف لهم وجوهَ الحقائق.

o اللهم احفظْ وسددْ جنودَنا في حدودِنا، واحفظ عليهم كل غائبة بخير.

o نستغفرُ اللهَ الحيَ القيومَ ونتوبُ إليهِ(3مرات)«اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا»([5])

o اللهم يا ذا النعمِ التي لا تُحصَى عددًا نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ أبدًا.

 



([1])مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (1/ 472)
([2])غرائب التفسير وعجائب التأويل (1/ 526)
([3])مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (1/ 481)
([4])المعجم الأوسط (2/ 61)
([5])صحيح البخاري (1013)

المرفقات

1637233872_القصة اليوسفية.docx

1637233885_القصة اليوسفية.pdf

المشاهدات 1200 | التعليقات 0