الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَاللَّعْنُ 27 جُمَادَى الآخِرَةِ 1444هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1444/06/25 - 2023/01/18 16:38PM

الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَاللَّعْنُ 27 جُمَادَى الآخِرَةِ 1444هـ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَهْدِي إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ، َوَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَيَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَشْرَفُ الْخَلْقِ وَأَزْكَاهُمْ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإْحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْفَظُوا جَوَارِحَكُمْ، وَصُونُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْ سَفِيهِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإنَّا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعوَججْنا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ. وَمَعْنَى [تُكَفِّرُ اللِّسَانَ] أَيْ: تَلُومُهُ وَتَعْذِلُهُ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَه.

فَاللِّسَانُ مِنْ نِعَمِ اللهِ الْعَظِيمَةِ، وَلَطَائِفِ صُنْعِهِ الْغَرِيبَةِ، فَهُوَ صَغِيرُ الْحَجْمِ عَظِيمُ الطَّاعَةِ وَالْجُرْمِ، لَهُ فِي الْخَيْرِ مَجَالٌ رَحْبٌ، وَلَهُ فِي الشَّرِّ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَقْدَ تَسَاهَل كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي حِفْظِ أَلْسِنَتِهِمْ فَأَطْلَقُوا لَهَا الْعَنَانَ، وَتَسَاهَلُوا فِي الاحْتِرَازِ مِنْ آفَاتِهِ وَغَوَائِلِهِ، وَالْحَذَرِ مِنْ مَصَائِدِهِ وَحِبَالِهِ، فَكَمْ مِنْ آفَاتٍ تَوَلَّدَتَ مِنْهَا الْأَحَقَادُ، وَثَارَتِ الضَّغَائِنُ، وَهَاجَتْ بِسَبَبِهَا رِيَاحُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ, آفَاتٌ عَظِيمَةٌ تُغْضِبُ الرَّبَّ جَلَّ وَعَلَا، وَتُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ دِيوَانِ الصَّالِحِينَ، وَتُدْخِلُهُ فِي زُمْرَةِ الْعُصَاةِ الْفَاسِقِينَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فَمِنْ هَذِهِ الآفَاتِ الْغِيبَةُ وَهِيَ خَصْلَةٌ ذَمِيمَةٌ لا تَصْدُرُ إِلَّا مِنْ جَبَانٍ، وَعَنْ نَفْسٍ خَبِيثَةٍ، نَفْسٍ دَنِيئَةٍ، وَهِيَ كَمَا عَرَّفَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ) وَحَذَّرَ مِنْهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَ ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾، وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَطْعَنُ وَيَغْتَابُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَيَعِيبُ فِي عِرْضِهِ، إِمَّا لِحِقْدِهِ أَوْ لِحَسَدِهِ، أَوْ لِتَطَفُّلِهِ وَقِلْةِ حَيَائِهِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ هَذَا وَأَمْثَالُهُ، وَلْيَعْلَمَ الْمُغْتَابُ أَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِسَخَطِ اللهِ تَعَالَى وَمَقْتِهِ، وَأَنَّ الْغِيبَةَ آكِلَةٌ لِحَسَنَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَعَلَيْكَ أَخِي أَنْ تَتَدَبَّرَ وَتَشْتَغِلَ بِعُيُوبِكَ عَنْ عُيُوبِ غَيْرِكَ، فَرُبَّمَا أَنْتَ أَكْثَرُهُمْ عَيْبًا, وَهَلْ تَرْضَى أَخِي أَنْ يَغْتَابَكَ أَحَدٌ ؟ كَلَّا وَاللهِ فَكَيْفَ سَيَرْضَى غَيْرُكَ بِذَلِكَ  ؟

وَإِنَّ مِنْ أَشَدِّ الغِيبَةِ ضَرَرٍا الكَلَامَ فِي وُلَاةِ الأَمْرِ أَوِ العُلَمَاء, لِأَنَّهُ شَرٌّ مُتَعَدٍّ, وَمِنْ أَسْبَابِ ضَيَاعِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا, قَالَ شَيْخُنَا العُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ : إِنَّنَا إِذَا احْتَرَمْنَا عُلَمَاءَنَا حَفِظْنَا دِينِنَا, وَإِذَا احْتَرَمْنَا أُمَرَاءَنَا حَفِظْنَا أَمْنَنَا.

 أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الآفَاتِ (النَّمِيمَةُ)، وَهِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ بَيْنَ النَّاسِ لِقَصْدِ الْإِفْسَادِ وَإِلْقَاءِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ، فَتَجِدُ بَعْضَ الرِّجَالِ أَوِ النِّسَاءِ يَذْهَبُ إِلَى فُلَانٍ وَيَقُولُ: قَالَ فِيكَ فُلانٌ كَذَا وَكَذَا، وَيَذْهَبُ إِلَى الآخَرِ وَيَقُولُ قَالَ فُلانٌ فِيكَ كَذَا وَكَذَا، فَيُثِيرُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَهُمْ وَالْبَغْضَاءَ وَالْحِقْدَ، فَالنَّمِيمَةُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَسَبَبٌ فِي عَذَابِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ, فَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ. أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ. وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَانْظُرْ أَخِي إِلَى النَّمَّامِ وَمَا أُعِدَّ لَهُ مِنْ عُقُوبَاتٍ، فَلا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَهُوَ مُعَذَّبٌ فِي قَبْرِهِ، بَعَيِدًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهَلَّا ابْتَعَدْتَ أَخِي عَنْ هَذَا الْعَمَلِ الْمَذْمُومِ، وَأَنْكَرْتَ وَنَصَحْتَ وَحَذَّرْتَ مَنْ نَقَلَ إِلَيْكَ كَلَامَ النَّاسِ فِيكَ، وَرَفَضْتَ تَصْدِيقَهُ وَتَأَكَّدْتَ مِنْ صِحَّةِ كَلَامِهِ، قَالَ تَعَالَى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾، وَلَقَدْ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْحَلَّافِينَ وَالنَّمَّامِينَ فَقَالَ ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾  وَاعْلَمْ أَخِي أَنَّ مَنْ نَقَلَ إِلَيْكَ كَلامَ النَّاسِ فِيكَ أَنَّهُ سَيَنْقُلُ لَهُمْ عَنْكَ مَا لَمْ تَقْلُهُ. أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، الْحَلِيمِ الْعَظِيم، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ : فَمِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ (اللَّعْنُ)، وَمَعْنَى اللَّعْنِ: الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي اللَّعْنِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَتَهْدِيدٌ أَكِيدٌ، فَعَنْ ثَابِتٍ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ، فَتَأَمَّلْ أَخِـي فِي جَرِيمَةِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ التِي شَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّعْنَ بِهَا، وَتَأَمَّلْ شِدَّةَ قُبْحِهَا، وَمَا رَتَّبَ اللهُ عَلَيْهَا مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَاللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ لِتَعْرِفَ بِذَلِكَ خُطُورَةَ اللَّعْنِ وَالتَّمَادِي فِيهِ, قَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾، فَأَيُّ جُرْمٍ هَذَا الْجَرْمُ؟ وَأَيُّ خَطِيئَةٍ هَذِهِ الْخَطِيئَةُ؟!. وَلَقَدْ أَخَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَأَخُّرِ مَنَازِلِ اللَّعَّانِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُفَعَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم، وَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ عِبَادَ اللهِ لَمْ يَسْلَمُ مِنْهُ حَتَّى الْجَمَادُ وَالْحَيَوَانُ وَغَيْرُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللهِ، فَتَرَاهُ يَسُبُّ وَيَلْعَنُ وَيَضْرِبُ كُلَّ شَيْءٍ حَوْلَهُ، وَلَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّ أَوْ لَعْنِ كُلِّ شَيْءٍ لا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ حَيَوانًا أَوْ جَمَادًا، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (لَا تَلْعَنُوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ, وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : هَلْ تَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ اللَّعْنَةُ ؟ هَلْ تَدْرِي أَيُّهَا اللَّعَّانُ أَنَّ لَعْنَتَكَ تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ, ثُمَّ إِنَّهَا تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا تَجِدُ مَكَانٍا تَذْهَبُ فِيهِ, ثُمَّ تَعُودُ إِلَيْكَ إِذَا كَانَ مَنْ لَعْنَتَ لا يَسْتَحِقُّ لَعْنَتَكَ ! عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا, ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا, ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ فَإِنْ كَانَت لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

فَلِمَاذَا تُحَمِّلُ نَفْسَكَ أَخِي هَذَا الذَّنْبَ الْعَظِيمَ، وَتُصِرُّ عَلَى هَذَا الْجُرْمِ الْكَبِيرِ ؟ أَلَا تَخْشَى أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْكَ لَعْنَتُكَ، فَتُطْرَدَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَكُونَ مِنْ الْمُبْعَدِينَ الْمَقْبُوحِينَ؟ وَيَا مَنْ تَسُبَّ وَتَلْعَنَ أَبْنَاءَكَ, لِمَاذَا لا تُعَوِّدُ لِسَانَكَ عَلَى الدَّعَاءِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَالصَّلَاحِ ؟ فَكَمْ مِنْ شَابٍّ قَدْ غَرِقَ فِي لُجَجِ الْمَعَاصِي وَالآثَامِ، وَلَمْ يُوَفَّقْ فِي شَيْءٍ، فَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ لَعْنَةٍ لَعَنَها إِيَّاهُ وَالِدَاهُ فَوَافَقَتْ سَاعَةَ إِجَابَةٍ.

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: احْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، لا تُطْلِقُوا لَهَا الْعَنَانَ فَتُهْلِكَكُمْ، وَإِذَا أَرَدْتُمُ الْكَلَامَ فِي شَيْءٍ فَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تَعَالَى ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾، فَمَا تَلْفِظُ يَا عَبْدَ اللهِ مِنْ قَوْلٍ، وَلا تَعَمْلُ مِنْ عَمَلٍ، إِلَّا كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، فِي كِتَابٍ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كِبيرَةً، فَهَلَّا تَعَقَّلْنَا وَاتَّخَذْنَا مِنْ رَسُولِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُدْوَةً وَأُسْوَةً، وَرَطَّبْنَا أَلْسِنَتَنَا بِذِكْرِ اللهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ، وَهَذَّبْنَاهَا بِالتَّقْوَى، وَصُنَّاهَا وَحَفِظْنَاهَا مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَلْفَاظِ السَّيِّئَةِ، فَيَا لِقُرَّةِ عَيْنِ، مَنْ سَلَكَ بِلِسَانِهِ طَرِيقَ الْخَيْرِ؛ مِنْ ذِكْرٍ وَتِلاوَةٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَتَحْمِيدٍ وَتَسْبِيحٍ وَشُكْرٍ.

فَاللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَاحْم ِحَوْزَةَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أَمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ, اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَهُ بِطَانَتَهُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ, قَوْلٍ َعَمَلٍ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلْسِنَةً ذَاكِرَةً صَادِقَةً، وَقُلُوبًا سَلِيمَةً، وَأَخْلَاقًا مُسْتَقِيمَةً بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ, اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ثَبِّتْنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَأَصْلِحْ لَنَا أَعْمَالَنَا وَأَقْوَالَنَا، وَأَحْسِنْ أَخْلَاقَنَا وَطَهِّرْ قُلُوبَنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

المرفقات

1674049077_الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَاللَّعْنُ 27 جُمَادَى الآخِرَةِ 1444هـ.doc

المشاهدات 2386 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا