العشر الآواخر من رمضان 18-9-1442

محمد آل مداوي
1442/09/17 - 2021/04/29 20:40PM

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا كثيرًا..

 أما بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، و (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ)

أيّها المسلمون: أَسْبَغَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- على عِبادِهِ النِّعَم، ووَالى عليهمُ المِنَن، اتَّصَلَتْ خَيْرَاتُه، وتَتَابَعَتْ عَطاياه، قال رسولُ اللهِ r: "يدُ اللهِ مَلأى لا تَغِيضُها نفقة، سَحَّاءُ الليلِ والنهار" متفق عليه.

ومِنْ هِبَاتِهِ سبحانه: عَفْوُهُ عمَّنْ يَشَاءُ مِنْ عبادِه؛ قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) عَفُوٌّ يُحبُّ العفوَ، ويُحبُّ مِن خَلْقِه السعيَ في تحصيلِ أسبابِ عَفوِه، بالاستِغفار والتوبةِ، والإنابةِ والأعمالِ الصالِحة.

وفي رمضانَ؛ تَتجلَّى هِبَاتُ اللهِ وعَفْوُه؛ فيه تتضاعَفُ الأعمالُ، وتُكفَّرُ الخطايا والآثام.. شهرُ الصيامِ والقرآنِ، والبِرِّ والإحسان.

ولِصَلاةِ الليلِ شأنٌ في رمضان؛ قال r: "مَنْ قامَ رمضان إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبِه" متفق عليه.

ومَن لَزِمَ القِيامَ دَخَلَ الجنةَ بسلام؛ قال عليه الصلاة والسلام: "يا أيُّها الناس! أَفْشُوا السلامَ، وأَطعِمُوا الطعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نِيامٌ، تَدْخُلُوا الجنةَ بسلامٍ" رواه أحمد.

والصدقةُ بُرهانٌ على إيمانِ صاحبِها، وكلُّ امرِئٍ في ظلِّ صَدَقتِه يومَ القيامة، والمُنفِقُ موعُودٌ بالعِزِّ والمغفِرة؛ قال سبحانه: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ).

وأَجْرُها يَعْظُمُ في الأيام الفاضِلَة، "كان -عليه الصلاة والسلام- أجوَدَ الناسِ، وكان أجوَدَ ما يكونُ في رمضان" متفق عليه.

والدّعاءُ -عبادَ الله- هو العبادةُ ومُخُّها، وبه جَلْبُ الرَّخاءِ ودَفْعُ البلاء، وللصائِمِ دَعْوَةٌ لا تُرَدُّ؛ قال r: "ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم -وذَكَرَ منهم-: الصائِمُ حتى يُفطِر" رواه الترمذي.

وحَرِيٌّ بالمُسلمِ الحِرصُ في هذه الليالي على أنفَعِ الدُّعاءِ وأجمَعِه؛ قالت عائشةُ رضي الله عنها: يا رسولَ الله! أرأيتَ إنْ وافَقْتُ ليلةَ القَدر، ما أقولُ فيها؟ قال: "قُولِي: اللهمَّ إنَّك عفُوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي" رواه أحمد.

والقرآنُ حُجَّةٌ وشفيعٌ، وهُدًى وشِفاءٌ، وعَدَ اللهُ قارِئهُ بِوَافِرِ الأجْرِ، والمَزيدِ مِن الفَضْل، فقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)

وبعدُ عبادَ الله: فالأجورُ في رمضانَ مُضاعَفَة، وأبوابُ الجنةِ فيه مفتوحة، وقُدومُه عُبُورٌ لا يَقْبَلُ الفُتور، وشَهْرُهُ قصيرٌ لا يحتَمِلُ التقصير.. فسَابِقْ إلى الخيرات، وإنِ استطعتَ ألاَّ يَسْبِقَك إلى الله أحدٌ فافعَل.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

بارَك الله لي وَلكُم في القرآنِ العَظيم، ونفعني الله وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذّكر الحَكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفِر اللهَ لي ولَكم ولجميعِ المسلِمين من كلّ ذنب فاستغفِروه، إنّه هو الغفور الرّحيم.

 

الخطبة الثانية 

 

الحمدُ لله وحدَه، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

لَيالٍ مبارَكة، مَضَى نِصْفُها وزيادة، ليالٍ أوشَكَتْ على الرّحيلِ، العَشْرُ الأخيرةُ منها تاجُ اللّيالي، كان نبيُّنا r إذا دَخلَتْ أحيَا ليلَه، وأيقَظَ أهلَه، وشَدَّ مِئزَرَه.

وفي العَشرِ؛ ليلةٌ هِيَ أمُّ الليالي، كثيرةُ البرَكات، عزِيزَةُ السّاعات، القليلُ مِنَ العمَلِ فيها كَثير، والكثيرُ منه مُضَاعَف، (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) خَلْقٌ عَظيمٌ يَنْزِلُ مِنَ السماءِ لِشُهودِ تلك اللّيلة، (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) لَيلةُ سَلامٍ وبَرَكاتٍ على هذِهِ الأمّة، قال ابنُ كثيرٍ رحمه الله: "يَكْثُر نزولُ الملائِكَةِ في هذه الليلةِ لكَثرةِ برَكَتها".

فاتقوا الله عباد الله، واجتهدوا في الطاعات، وقدِّموا لأنفُسِكُم، (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

 ثمّ اعلموا أنّ الله أمرَكم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقالَ في محكمِ التّنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر إخواننا المؤمنين في كل مكان، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، اللهم احفَظ لهم دينَهم وأعراضَهم وأموالَهم، يا قوي يا عزيز.

اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، وأعنه وولي عهده على ما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا رب العالمين.

اللَّهم وفق رجال أمننا واحفظ جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم اِرْبِطْ على قلوبـهم، وثبِّت أقدامهم، وعاف جريحهم، وتقبّل شهيدهم، واخلفهم في أهليهم بخيرٍ يا رب العالمين.

اللهم اجعلنا ممن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابا، اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر إيماناً واحتسابا، واجعلنا اللهم من المقبولين، يا رب العالمين.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات

1619728804_العشر الاواخر 18-9-1442.docx

المشاهدات 1792 | التعليقات 0