الصدق منجاة

عايد القزلان التميمي
1442/07/07 - 2021/02/19 05:05AM
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أمر بالصدق جميع المؤمنين، ورفع ذكر الصادقين بين العالمين، وأهان الكاذبين، ووضع ذكرهم في الأسفلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في حكمه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه في هديه، وسلم تسليما. .
أما بعد فيا أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
عباد الله أخرج الإمام البخاري في صحيحه قصة الصحابيِّ الجليل كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم، حينما تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، جاء إليه كعب بن مالك رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، إنِّي واللَّهِ لو جَلَسْتُ عِنْدَ غيرِكَ مِن أهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أنْ سَأَخْرُجُ مِن سَخَطِهِ بعُذْرٍ ؛ ولقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، ولَكِنِّي واللَّهِ، لقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليومَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى به عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ ، ولَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إنِّي لَأَرْجُو فيه عَفْوَ اللَّهِ، لا واللَّهِ، ما كانَ لي مِن عُذْرٍ، واللَّهِ ما كُنْتُ قَطُّ أقْوَى، ولَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا هذا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ. فَقُمْتُ،  ثم يقول كعب بن مالك: وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، فهجَرَنا الناسُ، حتى كمَلتْ لنا خمسون ليلةً، يقول: فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وأَنَا علَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِن بُيُوتِنَا ، فَبيْنَا أنَا جَالِسٌ علَى الحَالِ الَّتي ذَكَرَ اللَّهُ، قدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وضَاقَتْ عَلَيَّ الأرْضُ بما رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ : أوْفَى علَى جَبَلِ سَلْعٍ بأَعْلَى صَوْتِهِ: يا كَعْبُ بنَ مَالِكٍ أبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وعَرَفْتُ أنْ قدْ جَاءَ فَرَجٌ،  وآذَنَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا،  وانْطَلَقْتُ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنُّونِي بالتَّوْبَةِ،  قال كعب : فَلَمَّا سَلَّمْتُ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ: رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَبْرُقُ وجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: أبْشِرْ بخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ ولَدَتْكَ أُمُّكَ، قَالَ: قُلتُ: أمِنْ عِندِكَ يا رَسولَ اللَّهِ، أمْ مِن عِندِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِن عِندِ اللَّهِ .
وقال كعب رضي الله عنه وأنزل اللهُ على رسوله: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ ﴾، إلى قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
عباد الله جاءت توبة الله على كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم؛ بسبب صدقهم مع الله، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، وإيمانهم أن الصدق هو طريق النجاة، وأن الله سبحانه لا تَخفى عليه خافية.
عباد الله إن الصدق منجاة لمن اتَّصَفَ بِه، فقد عُرِفَ الرسول صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه بالصِّدق، ووُصِف به صاحبه أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه ، فقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}  
وقال صلى الله عليه وسلم (( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا.)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فالذي يتعوَّد الصدقَ يُوفَّق للبرِّ في أعماله، والصدق في أعماله، والاستقامة في أعماله، والذي يُبتلى بالكذب يجرّه الكذبُ إلى الفجور والمعاصي الكثيرة.
فالواجب على المؤمن أن يتحرى الصدق، ويبتعد عن الكذب، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .
عباد الله وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حينما بويع للخلافة: (أيها الناس، إني قد وُلِّيت عليكُم، ولست بِخيركُم، فإن أحسنت فَأعِينُوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدقُ أمانة، والكذبُ خيانة)  .
- وقال عمر رضي الله عنه : (لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وهو محقٌّ، ويدع الكذب في المزاح ).
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (ذَرْ مَا لَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ، وَلا تَنْطِقْ فِيمَا لا يَعْنِيكَ، وَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ دَرَاهِمَكَ).
- وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ  (أي لا تخلطوا الصدق بالكذب. ألا فاجعَلوا الصدقَ لكم شعارًا في السر والجهر بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أمر بالصدق ورفع درجات الصادقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها المؤمنون واعلموا أن أعظم ما في الصدق أنه يقود صاحبه إلى الجنة، وهذا هو الفوز العظيم قال  : أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحًا، وَببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ)) حديثٌ صحيحٌ، رواه أَبُو داود بإِسنادٍ صحيحٍ. ، أسأل الله تعالى أن يجعلنا مع الصادقين وأن يحشرنا معهم وأن يعصمنا من الكذب والزلل، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....
المرفقات

1613710994_الصدق منجاة.docx

المشاهدات 655 | التعليقات 0