الدعاوى الكيدية-8-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ محمد الشرافي

محمد محمد
1445/07/07 - 2024/01/19 01:49AM

الدعاوى الكيدية-8-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ محمد الشرافي

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

إِنَّ مِمَّا يُعَانِي مِنْهُ مُجْتَمَعُنَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ مَا يُسَمَّى بِالدَّعَاوَى الْكَيْدِيَّةِ، وَالتَي لا أَسَاسَ لَهَا فِي الْوَاقِعِ، وَإِنَّمَا الْحَامِلُ عَلَيْهَا الْحِقْدُ وَالْكَرَاهِيَّةُ، وَرُبَّمَا الْحَسْدُ بِسَبَبِ نِعْمَةٍ أَنعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الآخَرِينَ، وَهَذَا وَاللهِ خُلُقٌ ذَمِيمٌ، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّءُ إِلَّا بِأَهْلَهِ.

إَنَّكَ لا تَرْضَى هَذَا التَّصَرُّفَ تُجَاهَكَ فَكَيْفَ تَرْضَاهُ لِلْآخَرِينَ؟ إِنَّهُ يُغِيظُكَ وَيَقُضُّ مَضْجَعَكَ أَنْ تُظْلَمَ فِي عِرْضِكَ أَوْ أَهْلِكَ أَوْ مَالِكَ، فَكَيْفَ تُرِيدُهُ لِغَيْرِكَ؟

إِنَّ دِينَنَا دِينُ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَلَيْسَ دِينَ الْحَيْفَ وَالظُّلْمِ، وإِنَّ اللهَ-عَزَّ وَجَلَّ-حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَهُ بَيْنَنَا مُحَرَّمًا-وَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلَمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

أَيْنَ نَحْنُ مِنَ الْأَخْلَاقِ السَّامِيَةِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الرَّفِيعَةِ، وَالْمُعَامَلَةِ الْعَالِيَةِ التِي كَانَ عَلَيْهَا سَلَفُنَا الصَّالِحُ-رَحِمَهُمُ اللهُ-وَقَبْلَهُمْ نَبِيُّنَا وَقُدْوَتُنَا-عليهِ الصلاةُ والسلامُ-حَيْثُ جَاءَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ مَا يَعْجَبُ لهُ الْإِنْسَانُ.

قالَ أَنَسٌ بْنِ مَالِكٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ".

وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-يَعْفُو عَمَّنَ قَذَفَ ابْنَتَهُ أمَّنا عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: "وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا".

وَهَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ بنُ حنبلٍ-رَحِمَهُ اللهُ-لَمَّا وَقَعَتْ فِتْنَةُ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ حُبِسَ وَضُرِبَ، وَاضْطُهِدَ وَأُوذِيَ، حَتَّى كَانَ يُضْرَبُ وَسْطَ نَهَارِ رَمَضَانَ فِي الْحَرِّ وَهُوَ صَائِمٌ حَتَّى يَفْقِدَ وَعْيَهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْقَلُ إِلَى مَوْضِعِهِ فِي السّجْنِ، وَالدِّمَاءُ قَدْ لَطَّخَتْ ثِيَابَهُ، فلَمْ يَنْتَصِرْ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَغْضَبْ لها، وَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: "كُلَّ مَنْ ذَكَرَنِي فَفِي حِلٍّ، وَيَقُولُ: وَقَدْ جَعَلْتُ أَبَا إِسْحَاقٍ-يَعْنِي الْخَلِيفَةَ الْمُعْتَصِمَ وَهُوَ الذِي ضَرَبَهُ وَجَلَدَهُ-فِي حِلٍّ، رَأَيْتُ اللهَ يَقُولُ: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)".

فَهَذِهِ هِيَ الْأَخْلَاقُ التِي يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَحَلَّى بِهَا، لِنَنَالَ رِضَا اللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-وَنَكْسَبَ مَحَبَّةَ النَّاسِ، وَأَمَّا التَّشَفِّي وَالْأَحْقَادُ وَالْمَكَائِدُ، فَوَالله لا تُكْسِبُكَ حَسَنَاتٍ فِي آخِرَتِكَ، وَلا تَعِيشُ مُرْتَاحًا فِي دُنْيَاكَ، وَإِنَّمَا هُوَ الْغَمُّ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَرَاتُ.

 قَالَ-تَعَالَى-: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).

وَهَذَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللهُ-أُوذِيَ وَرُمِيَ بِالْعَظَائِمِ، وَكَفَّرَهُ عُلَمَاءُ، وَأَفْتَوْا السُّلْطَانَ بِقَتْلِهِ، حَتَّى ضَرَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: اقْتُلْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَدَمُهُ فِي عُنُقِي، دَمُهُ حَلَالٌ.

وَكَانَ مِنَ أَلَدِّ أَعْدَائِهِ الذِينَ أَفْتَوْا بِقَتْلِهِ، وَبِحِلِّ دَمِهِ، رَجُلٌ فقيه يُقَالُ لَهُ: (ابْنُ مَخْلُوفٍ)، فَمَاتَ ابْنُ مَخْلُوفٍ هَذَا فِي حَيَاةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللهُ-فَعَلِمَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ تِلْمِيذُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، فَجَاءَ يُهَرْوِلُ إِلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ يُبَشِّرُهُ بِمَوْتِ أَكْبَرِ أَعْدَائِهِ، وَأَلَدِّ أَعْدَائِهِ ابْنِ مَخْلُوفٍ، فلَمْ يَفْرَحْ وَيَتَشَفَّ بِمَوْتِ عَدُوِّهِ، بَلْ اسْتَرْجَعَ وَقَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ثُمَّ قَامَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهِ فَعَزَّاهُمْ، وَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ مَكَانَهُ، وَلا يَكُونُ لَكُمْ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى مُسَاعَدَةٍ إِلَّا وَسَاعَدْتُكُمْ فِيهِ، فَسُرُّوا بِهِ وَدَعْوَا لَهُ.

وَاللهِ لَوْ تَحَلَّيْنَا بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ لَاسْتَطَعْنَا أَنْ نَكْسَبَ كَثِيرًا مِنَ الْقُلُوبِ، لَكِنَّنَا قَدْ نسبُ هَؤُلاءِ الذِينَ نَخْتَلِفُ مَعَهُمْ، وَنَتَعَامَلُ مَعَهُمْ بقسوةٍ؛ فَنَكُونُ بِهَذَا أَشِدَّاءَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَاللهُ وَصَفَ أَصْحَابَ نَبِيِّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بِأَنَّهُمْ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، وقالَ لِنَبِيِّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ).

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فاعْلَمُوا أَنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ الْمَكْرَ السَّيِّءَ لا يَحِيقُ إِلَّا بِأَهْلِهِ، فَاحْذَرُوا مِنْ إِيذَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، قَالَ-تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)، وَقَالَ-جَلَّ وَعَلَا-: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).

قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ".

إِنَّ الوَاجِبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَحَدًا مِنْ إِخْوَانِهِ يَعْمَلُ الْمَكَائِدَ لِلآخَرِينَ، وَيَسْعَى فِي إِيذَائِهمْ، الوَاجَبَ عليهِ أَنْ يُنَاصِحَه وَيُخَوِّفَهُ بِاللهِ، ويُحَذِّرَهُ مِنْ الظُّلْمِ وِمِنْ سُوءِ عَاقِبةِ فِعْلِه، فَهَذَا هُوَ شَأْنُ المسْلِمينَ فِي مُنَاصَحَةِ بَعْضِهِمْ بعضًا.

اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ، وآتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبلغنا وإياهم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1705618234_الدعاوى الكيدية-8-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ محمد الشرافي.docx

1705618235_الدعاوى الكيدية-8-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ محمد الشرافي.pdf

المشاهدات 852 | التعليقات 0