الحياء خيرٌ كله

عبدالعزيز بن محمد
1442/07/27 - 2021/03/11 03:52AM

أيها المسلمون/ تتجلى الفضائل، وتكتمل الخصالُ، ويعلو مقام المرء.. حينما يسمو بنفسه إلى العلياء.. ويسلك بها سبيل الفالحين.. يعلو مقام المرءِ..  حينما يتحلى بخلقٍ عظيمٍ.. ويكتسي بحياءٍ كريم.. حياءٍ ينفي عنه الشوائبَ، ويُقصِي عنه النقائصَ،  ويضفي عليه جميلَ الصفات .

حياءٍ يتخلق به.. فيحميه من الذم، ويقيه من العيب، ويبوئوه مكانا علياً.. حياءٍ يسلك بالمرء دروب المكرمات، ويسير به على خُطى المرسلين.

فالحياءُ هو الحياةُ.. وما قام الحياءُ في نفسِ امرئٍ.. إلا أقام له في نفوسِ الناسِ أعلى مقامَ،   وأقام له في الآخرةِ أكرم نَعِيم.

* الحياء.. خلقٌ جميلٌ.. يمتزج بروحِ الكريمِ فلا ينفك عنها أبداً،   تُنتَزَعُ روحُ الشريفِ من جَسَدِه.. ولا يُنْتَزَعُ الحياءُ من نفسه.

* الحياءُ خلق المرسلين،    وأكملُ الناسِ خُلُقاً وأصدقُهم حياءً رسولُ الله r قال أبو سعيد t:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا» متفق عليه  * الحياءُ.. خلقٌ يُهَذِّبُ المرءَ وبه يرتقي.. ولم يتخلق بالحياءِ امرؤٌ إلا غَنِم. فليس في الحياءِ.. ما هو مذمومٌ بل الحياءُ كلُّه خير،  عن عمرانَ بن حُصينٍ t أن رسولَ الله r قال: «الحياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» أو قال: «الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ» رواه مسلم  

ومن يغدو في طُرُقِ الحياءِ..  يؤبُ بخير كسبِ «الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ» متفقٌ عَلَيْهِ

* ومن تخلى عن خصلةٍ من خصالِ الحياء.. تخلى عن خصلةٍ من خصال الإيمان.. عن ابن عمر t أن رسول الله r قال: "الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ" متفقٌ عَلَيْهِ  وعن أَبي هريرة t : أنَّ رسول الله r قَالَ: «الإيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً: فَأفْضَلُهَا قَوْلُ: لاَ إلهَ إِلاَّ الله، وَأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ». متفقٌ عَلَيْهِ

قال ابن القيِّم: (خُلق الحَيَاء مِن أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصَّة الإنسانيَّة، فمَن لا حياءَ فيه، فليس معه مِن الإنسانيَّة إلَّا اللَّحمُ والدَّم وصورتُهما الظَّاهرة، كما أنَّه ليس معه مِن الخير شيء)

عباد الله: وأكملُ الحياءِ.. وأتمُّه وأجملُه.. حياءُ العبدِ من رَبِه، فينظرُ العبدُ إلى عظيم إنعام الله عليه، وجميلِ إحسانِه إليه،   ويبصرُ النعمَ.. التي غَمَرَهُ  بها ربه ولم تزل تتوالى عليه.. نِعًمٌ لا يستطيعُ إن عَدَّ لها إحصاءً {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}.. يتأمل في صغيرها وكبيرها، في قديمها وحديثها، في ظاهرها وباطنها.. يتأمل في هذه النِعَم.. معترفاً بالفضل ذاكر..  فَيُطْرِقُ حَيَاءً مِنْ ربه وحُباً..  حياءً من الله أن يراه حيث نهاه، أو يفقدَه حيث أمره.  حياءً من الله أن يعصي له أمراً، أو يتجاوزَ له حداً. أو يقتحم له حُرمةً.. وهو الذي صب عليه النعمَ صباً.

يظل الكريمُ.. يشاهدُ نِعَمَ المنعِمِ عليه.. فيستحيي أن يقابِل نعمةً بكفران، وأن يقابل إحساناً بعصيان.  وما اقترفَ عبدٌ ذنباً.. إلا بنقصِ حيائه من ربه،   ومَن عمَر الحياءُ قلبَه لم يتمادى في اقتراف السيئات.. ولم يُصِرَّ على فعل الخطيئات. {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} ما جرأك على حرماتِه وهو الذي بكرمِه هداك وأغناك، وأطعمك وسقاك، وأَمَّنك وآواك، ومن كل نعمِه آتاك وحباك؟  أما في القلب حياءٌ من الكريمِ أن يقابلَ كرَمُه بعصيان؟    قال ابن القيم رحمه الله : (فَمَنْ لَا حَيَاءَ فِيهِ فَهُوَ مَيِّتٌ فِي الدُّنْيَا شَقِيٌّ فِي الْآخِرَةِ،  وَبَيْنَ الذُّنُوبِ وَبَيْنَ قِلَّةِ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ الْغَيْرَةِ تَلَازُمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي الْآخَرَ وَيَطْلُبُهُ حَثِيثًا،   وَمَنِ اسْتَحَى مِنَ اللَّهِ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ، اسْتَحَى اللَّهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَحِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ لَمْ يَسْتَحِ اللَّهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ)ا.هـ

ورب قبيحة ما حال بيني  ** وبين ركوبها إلا الحياءُ

وإذا قلَّ حياءُ العبدِ من رَبِه.. لن يستقيم له دينٌ، ولن يَكْمُلَ له في الناسِ حياء،   ومن لم يكن له في الحياءِ سهمٌ..  تلطخ بالنقائصِ والعيوبِ

إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً  ** تقلَّب في الأمور كما يشاء

وقولُ رسولِ الله r أبلغُ وأصدقُ وأتم..: «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ». رواه البخاري

اللهم املأ قلوبنا.. بك إيماناً ومنك حياءً وبك حباً.. واجعلنا من المهتدين. قول قولي هذا..


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المؤمنين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون

عباد الله:  وحياء المرء من الناس.. يُكسِبُهُ جلالاً وبهاءً.  إن جلسَ في قومٍ أحبوه وأكرموه، وإن قام عنهم مدحوه وحفظوه.  

* والحيي.. ليس كما يتصوره من لا يدرك معنى الحياء،  بأنه.. رجلٌ خجولٌ صموتٌ مطرقٌ لا يتكلمُ منطوٍ على نفسه.. إن حضر لم يُعْلَم بِحضوره، وإن غاب لم يفقد مكانُه،  يُسلَب حقُه ولا يردُه، وتنتهكُ كرامتُه ولا يحفظها، ينعقدُ لسانُه عن الحديث مع الناسِ ولا يطيل البقاء معهم.

* ولكن الحييَ حقاً.. مًن يحجبُه حياؤه عن أن يكون فاحشاً أو متفحشاً،  أو خائناً أو مخادعاً، أو كاذباً أو مختالاً.   يمنعُهُ حياؤه.. عن أن يكون مغتاباً أو نماماً، أو مُحرِّشاً بين الناسِ أو مفسداً.

* الحييُ حقاً.. من يحجبه حياؤه عن كلِ عملٍ يَخرِمُ عليه مروءتَه، أو يدنسُ عليه سُمعًتًه، أو ينقص بين الناس مكانته.     * الحييُ حقاً..  مَنْ يَحجبُهُ حياؤه عن أن يشهد مجالسَ السوء، أو أن يغشى أماكن المنكر، أو أن يخالطَ من ليس لهم في الفضائلِ ذكرٌ وقول.

* الحييُ حقاً.. من يأمر بالمعروفِ برفقٍ، وينهى عن المنكر بلينٍ، ويصلح بين الناس بحكمة،  * الحييُ حقاً.. مَن يُغضيِ عن زلةِ صاحبِه كرماً، ولا يستقصي له حقاً في كل موقف، يُصَرِّحُ بما يريد إن كان التصريحُ خيرٌ.. ويُعَرِّضُ بالأمرِ إن كان في التعريضِ غُنْيَة.

* الحييُ حقاً.. من تربى في الحياءِ حتى ارتوى واطمأن، فربى على الحياءِ زوجةً وأهلاً وولداً . أدبهم على الحياءِ ونَشَّأهم عليه، فلم يَرْمِ بِهِمْ في مواطنِ التُّهَم، ولم يَتَخَلَّ عنهم في زمن الفتن.

ولئن كان الحياءُ في حقِّ الرجال جلالٌ..  فهو في حقِّ النساءِ جمالٌ وكمالٌ وطُهْرٌ.    ولئن كانَ ضَعْفُ الحياءِ في حقِّ الرجالِ نَقِيْصَةٌ.. فَلَضَعْفُهُ في حقِّ النساءِ سُفْلُ.

وإذا ما الحياءُ في النساء تلاشى **  شَبَّ بين الأنامِ جيلٌ وضيعُ

لا قيمةَ للمرأةِ.. إن انحلَّت رِبْقَةُ الحياءِ من عُنُقِها.. ولا جمال للمرأةِ إن لم يكن الحياءُ لها خِمار {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}

وما قُضيَ على الحياءِ في النساءِ.. بمثل كثرةٍ مخالطتهنَّ للرجالِ، ومتابعتهن للمفتوناتِ عبر وسائل التقنيةِ وغيرها.

ومن باع الحياءِ بجلبِ مالٍ **  تًنًكَّسَتِ المكاسبُ في حِماهُ

اللهم أربح تجارَتنا.. واحفظ عورتنا.. وأتمم فضلك علينا.. واهدنا صراطك المستقيم..

المرفقات

1615434758_الحياء.doc

المشاهدات 1151 | التعليقات 0