التشاؤم

طلال شنيف الصبحي
1443/02/02 - 2021/09/09 21:36PM
الْتَّشَاؤُمُ 3 / 2 / 1443
(منقولة من موقع خطب الجمعة على الواتساب بتصرف يسير)
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا
مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
عِبَادَ الله: في الخطبة الماضية تكلمنا عن التمائم والتولة، وقلنا أنها أمور تقدح في العقيدة والتوحيد ووسيلة إلى الشرك، قال عليه الصلاة والسلام (إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ)، وفي هذه الخطبة سنتكلم إن شاء الله عن أمر له علاقة بالعقيدة ويقدح في التوحيد، إِنَّهً حَبْلٌ مِنْ الوَهْم؛ يَخْنِقُ المَرْءُ بِهِ نَفْسَه، وَسَوْطٌ يَجْلِدُ بِه ظَهْرَه! وهو مَرَضُ الجَبَانِ والرِّعْدِيد، وقَدْحٌ في التّوكُّلِ والتّوْحِيْد؛ إنَّه التَّشَاؤُم!
والتَّشَاؤُمُ هو التَّطَيُّر؛ لأنَّ العَرَبَ كانُوا يَتَشَاءَمُون بالطَّيْرِ! فَإِنْ أَخَذَتْ ذاتَ اليَمِين؛ مَضَوا في حاجَتِهِم، وإنْ أَخَذَتْ ذاتَ الشِّمال؛ رَجَعُوا عن حاجَتِهِم؛ فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ ذلك؛ قال ﷺ: (لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ)، وقال ﷺ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ).
وَأَصْلُ التَّطَيُّر: هو التَّشَاؤُمُ بِمَرْئِي، أو مَسْمُوْعٍ، أو مَعْلُوْمٍ، واعْتِقَادُ أَنَّها تَضُر، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَشَاءَمُ بِبَعْضِ الأَمْكِنَةِ والأَزمنة، أو بَعْضِ الأرقامِ والمخلوقات، أو بِأَصْحَابِ العاهَاتِ والحاجات! وَقَدْ قال ﷺ: (لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَلا هَامَةَ، وَلا صَفَرَ)(7).
والهَامَة: هي البُوْمَة، وصَفَر: هو شَهْرُ صَفَر الذي نحن فيه الآن، وكان العَرَبُ يَتَشَاءَمُونَ بهما!
والتَّشَاؤُمُ شِرْكٌ أَصْغَر، يُنَافِي كَمَالَ التوحيدِ الواجِب؛ لما فِيهِ مِنْ تَعَلُّقِ القَلْبِ بِغَيْرِ الله؛ قال ﷺ: (الطِّيَرَةُ شِرْك).
والتَّشَاؤُمُ مِنْ عَمَلِ الجَاهِلِيَّةِ! وَقَدْ ذَكَرَهُ اللهُ عن أَعْدَاءِ الرُّسُل، كما قالوا لِرُسُلِهِم: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾.
والتَّشَاؤُمُ جَالِبٌ للهُمُومِ والأَحْزان؛ لأنَّه مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَان! ﴿ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
والمُتَشَائِمُ عُرْضَةٌ لِلْبَلاء؛ لأَنَّ مَنْ خَافَ شَيْئًا غَيْرَ الله؛ سُلِّطَ عليه! وهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ في خَلْقِه؛ ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾.
والتَّشَاؤُمُ دَاء، وَدَواؤُه بالتَّوَكُّل؛ قال ﷺ: (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَا مِنَّا إِلَّا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ)، أي: مَا مِنْ أَحَدٍ إلا وَيَقَعُ في قَلْبِه تَشَاؤُم، ولكنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بالتَّوَكُّلِ عليه، قال ابن القيم: (النَّفس لَا بُدَّ أَن تَتَطَيَّر، وَلَكِن الْمُؤمن الْقوي الإيمان، يَدْفَع مُوجِبَ تَطَيُّرِه بالتوكل على الله، فإنَّ مَنْ تَوَكَّلَ على الله وَحْدَه؛ كَفاهُ مِنْ غَيْرِه).
وَمِنْ صَفَاتِ الذَّيْنَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ: أَنَّهُمْ لَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ!
وَمِنْ أَدْوِيَةِ التَّشَاؤُم: الذِّكْرُ والدُّعَاء، والإيمانُ بالقَضَاء: قال ﷺ: (مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَتِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ)، قالوا: (يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟)، قال: (تَقُولُ: اللهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ). بارك الله لي ولكم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
عبادَ الله: الشُّؤْمُ الحَقِيْقِي، هو شُؤْمُ المَعْصِيَة! قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾، قال السِّعْدِي: (مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ في الدِّيْنِ والدُّنْيا، فَمِنْ نَفْسِكَ: أيْ بِذُنُوْبِكَ وكَسْبِكَ، فالمعاصي مانِعَةٌ مِنْ فَضْلِ الله؛ فإذا فَعَلَهَا العَبْدُ فَلَا يَلُوْمَنَّ إلا نَفْسَه!)، وقال ابنُ رجب: (لا شؤم إلا المعاصي والذنوب؛ فإنها تُسْخِطُ الله، فالعاصي مشؤوم على نَفْسِه وغيرِه، فإذا كَثُرَ الخَبَث؛ هَلَكَ الناسُ، وكذلك أماكن المعاصي يتعيّن البعد عنها؛ خشيةَ نزول العذاب).
والمؤْمِنُ المُتَفَائِل: يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّه؛ ويَرْضَى بِقَدَرِه، (إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).
وبهذا المَنْهَج؛ يَعِيشُ المُسْلِمُ في سَكِينَةٍ وأَمَان، بَعِيْدًا عن التَّشَاؤُمِ والأَحْزَان، وَوَسَاوسِ الشيطان، وَخُرَافَاتِ الكُهَّان! ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
هذا وصلوا وسلموا
المرفقات

1631223257_296481

المشاهدات 1008 | التعليقات 0