التدخين وصوره وأضراره – خطب مختارة
الفريق العلمي
إن العاقل لا يفعل ذلك بنفسه أبدًا، وهل يقتل العاقل نفسه بيده؟! نعم؛ إن العاقل لا يشتري بماله -الذي به قوام حياته- سمًا وأذى، ثم يدخله مختارًا محبًا داخل صدره... وإن هذا تمامًا ما يصنعه المدخن بنفسه حين يدخن "المعسل" أو "السجائر" أو "التنباك" أو "الشمة" وكذا كل ما يُدخَن مهما اختلف اسمه أو وصفه أو حالته أو طريقة تعاطيه.
وهل يدرك المدخن ماذا يفعل بنفسه؟ إنه القتل البطيء والانتحار التدريجي، هل يعلم المدخن أن الدخان الذي يتناوله يحتوي على غاز أول أكسيد الكربون، وعنصر الرصاص الثقيل السام، ومادة "البنز وبيرين" المسببة للسرطان، و"النيكوتين" وهي المادة الشديدة السمية؛ فلو حقن إنسان بخمسين ملي جرام منها دفعة واحدة في شريانه فإنها تقتله فورًا، وعنصر "البولونيوم" المشع الذي يتركز في رئة المدخن ويفتك بها، ومادة القطران وكفى منه اسمه، وعنصر الزرنيخ الذي يستعمل كمبيد حشري... وغيرها من السموم الأخرى المختزنة جميعًا داخل تلك الأدخنة.
ولك أن تتخيل ماذا تصنع هذه السموم بالجسد إذا ما دخلت فيه؟! لقد أثبت العلم التجريبي أن التدخين بجميع أنواعه سبب مباشر في الإصابة بسرطان الرئة، وسرطان الحنجرة، والذبحة الصدرية، وتصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، ومرض السل والربو وحساسية الأنف، وقرحة المعدة والاثني عشر والقولون، ونزيف وجلطة المخ، وضعف البصر، وفقدان الشهية للطعام... وأمراض أخرى كثيرة كالأمراض العصبية مثل القلق والاكتئاب ووهن الإرادة وضعف الذاكرة، والتدخين بأنواعه مسبب كذلك للأرق والكسل والخمول... وهذا قليل من كثير...
ولعل أحد قصيري النظر يقول: إنني أعرف فلانًا وفلانًا يدخنون منذ أعوام ولم يحدث لهم شيء مما ذكرت، ولهذا أقول: إن لغة الأرقام لا تكذب ولا تجامل، فتعالى نرى سويًا ما تقول الدراسات والإحصائيات، تقول الإحصائيات التي أجريت منذ عقدين من الزمان أن عدد من مات بسبب سرطان الرئة الناتج عن التدخين: مليون ومئتي ألف قتيل... وأن عدد قتلى التدخين بكل صوره سنويًا أكثر من خمسة ملايين نسمة! ولو قارنا هذا العدد المهول بمرض خطير كالإيدز مثلًا، فإنه ما قتل خلال العشرين عامًا الماضية إلا عشرة ملايين إنسان، وهو العدد الذي يقتله التدخين في عامين اثنين!
وهل بلغك أن القنبلتين النوويتين اللتين ألقيتا على "هيروشيما" و"نجازاكي" في اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية قتلتا ربع مليون نسمة، وهو جزء من عشرين جزء مما يقتله التدخين في العام الواحد!
***
أخي المدخن: ما ذنب أولادك وزوجتك أن يستنشقوا دخان سجائرك رغمًا عنهم، بل ما ذنب الرضيع في حجر زوجتك أو الجنين في بطنها؟ هل تؤذي أحب الناس إليك بيديك! هل تجني على فلذات كبدك عامدًا متعمدًا؟!
أيها العاقل: أتبعث ولدك يشتري لك الدخان فتعوده وتربيه على ذلك! أما تخشى أن تكون ممن قال رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- فيهم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول"(رواه النسائي في الكبرى).
***
أخي: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال لمن أكل بعض الحلال الطيب المباح: "من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته"(متفق عليه)، فحرمه -صلى الله عليه وسلم- من صلاة الجماعة، وكره أن يجتمع به في مكان واحد، فما بالك بمن أفسد رائحة فمه بالدخان الذي هو أخبث وأسوء رائحة من الثوم والبصل؟!
***
أيها اللبيب العاقل: ماذا تقول فيمن أخرج من جيبه ورقة نقدية؛ دينارًا أو ريالًا أو جنيهًا ثم أشعل عود ثقاب وحرقها في غير ما فائدة؟! وبما تصفه؛ هل بالسفه أم بالحمق؟!
وأخشى أن تكون قد حكمت على جميع المدخنين بهذا الحكم؛ فلو فرضنا أن شابًا بدأ التدخين من عمر الخامسة عشر وامتد عمره إلى الستين، وأنه يدخن كل يوم عشرين سيجارة، فإن مجموع ما يدخنه هو ثلث مليون سيجارة تقريبًا، أي أكثر من ستة عشر ألف علبة سجائر، وأترك لك أن تحسب كم يساوي هذا من الأموال التي تُحرق! ولو كان يدخن أكثر من علبة واحدة يوميًا لتضاعفت هذه الأرقام... وليت المدخن إذ يحرقها يحرق أمواله فقط؛ لكنه يحرق ماله وصحته ودينه وقيمه ومبادئه معها!!
وماذا لو علمت أن بدولة واحدة كمصر مثلًا أكثر من ثمانية مليون مدخن، يقول وزير الصحة هناك -وذلك عام ألفين ميلادية-: أن مصر تستهلك: (85) مليار سيجارة في السنة، وأن عدد المدخنين يزداد بنسبة (2%) سنويًا... فكم يكون عدد المدخنين في الدول العربية كلها؟! وكم من الأموال تهدر وتحرق كل عام على المدخنات بأنواعها! فتخيل حجم الكارثة.
وإن كان الله -عز وجل- قد قال عن الحلال الطيب: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31]، فما بالك بالتبذير في النفقة على الحرام الخبيث؟!
***
أرجع فأقول: وليت أضرار الدخان تتوقف عند ذلك؛ فإن الأخطر أن التدخين بشتى أنواعه هو البوابة الرئيسية لشتى أنواع المخدرات والمسكرات، فسل كل متعاطٍ للمخدرات أو المسكرات فقل له: كيف كانت بداية إدمانك عليها؟ فسيجيبك بلا شك: كانت البداية بالدخان، أيًا كان نوعه.
فالتدخين بأنواعه إذن هو أول درجات السلم المشئوم الموصل إلى السقوط في هاوية الخمر والمخدرات.. فالجرائم والموبقات.. فنسأل الله العافية لنا وللمسلمين أجمعين.
ولما كان الأمر بهذه الخطورة فقد تحتم علينا في ملتقى الخطباء التحذير والتنبيه والتخويف والإنذار من جميع أنواع المدخنات وعواقبه وما يؤدي إليه من موبقات وكبائر وكوارث.. لذا فقد عقدنا هذه المختارة لنجمع فيها شمل عدد من الخطب حول هذا الموضوع الخطير، فلعلها تكون سببًا في إقلاع مدخن عن صنيعه وتوبته إلى ربه.
خطورة الخمر والمخدِّرات على الأفراد والجماعات - صلاح بن محمد البدير.
التدْخِين: الْوباء الْقاتِل - محمد بن مبارك الشرافي.
التدخين أضرار وأخطار - محمد بن سليمان المهوس.
يا طيب: التدخين خبيث - راشد بن عبد الرحمن البداح.
التدخين داء وعيلة - عبد الله بن محمد البصري.
نصائح للإقلاع عن التدخين - محمد بن إبراهيم السبر.
التبغ صوره وحكمه ومظاهره - ملتقى الخطباء - الفريق العلمي.
جريمة صناعة التبغ - عبد العزيز بن عبد الله السويدان.
التدخين وشيء من آفاته - عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري.
مخاطر التدخين - سالم بن محمد الغيلي.