التحذير من داء الإسراف والهدر في الغِذَاء

عايد القزلان التميمي
1445/03/13 - 2023/09/28 14:47PM

الحمد لله الذي يَأمرُ بالقَصدِ في الإنفاقِ ولا يحبُّ المسرفين، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، صلاةً وسلامًا نرجُو أجرَهما عند الله يومَ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
أيها المؤمنون :
حديثي إليكم اليوم عن
ظاهرة في مجتمعنا المسلم تراكمت الديون على بعض الناس بسببها وبعضهم وقع في محظور شرعي بسببها .
إنه الإسراف، في المطعم والمشرب بل هو الهدر في الطعام والشراب .
والإسراف هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان أو قول،
والإسراف كما يكون من الغني، فقد يكون من الفقير أيضًا؛ لأنه أمر نسبي ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «من أنفق درهمًا في غير حقه فهو سرف»
ولقد جاءتْ نصوصُ كثيرةٌ تُحذِّرُ من الإسرافِ والتبذيرِ، وتأمرُ بالتوسُّطِ في النَّفقةِ والاعتدالِ فيهَا،

ومِنْ ذلكَ: قَولُه تعَالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} وقَولُه تعَالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} وقَولُه جلَّ وعلا:{وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}
وقَولُه تعَالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}،

وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قيلَ وَقالَ، وإضاعَةَ المالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤالِ) رواه البخاري ومسلم ،
وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:(كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ)رواه النسائي وابن ماجه وحسنه الألباني.
عباد الله إن الإسراف والهدر في الغذاء داء فتاك يهدد الأمم والمجتمعات، ويبدد الأموال والثروات، وهو سبب للعقوبات والبليات العاجلة والآجلة

.
واعلموا أن الإسراف في الطعام والشراب فيه مفاسد كثيرة:
منها: أن الإنسان كلما تنعم بالطيبات في الدنيا قَلَّ نصيبه في الآخرة.
روى الحاكم عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
ورواه ابن أبي الدنيا وزاد : فما أكل أبو جحيفة ملءَ بطنه حتى فارق الدنيا.
صححه الألباني في السلسلة الصحيحة .
وفي تفسير قول الله تعالى ((أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُون َ)).
ذكرالطبري في تفسيره أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول: لَو شِئْت لَكُنْت أطيبكُم طَعَاما وألينكم لباساً وَلَكِنِّي أستبقي طَيِّبَاتِي .
عباد الله
وللإسراف والتبذير أسباب و منها
جهل المُسْرِف بِتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره، فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة ((وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)).
وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد (( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ)) ، ومن نتيجة جهل المسرف بتعاليم الدين مجاوزة الحد في تناول المباحات .
ومن أسباب الإسراف حب الظهور و الشهرة والتباهي أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم .
عباد الله إن صناديق القِمَامة أعزكم الله تشهد أطناناً من الغذاء المُهْدَر من المنازل والمطاعم وغيرها أشبه بالتلال نتيجة الاستهلاك الزائد عن الحاجة،
وقد كَشَفَ مديرُ برنامجِ الحدِّ من الهدْرِ في الغذاءِ، أنَّ الأَرزُّ يَتصدَّرُ قائمة الأطعمةِ المهدرة ، ويليه الدَّقيقِ والخُبزُ .
عباد الله ومن علاج الإسراف والهدر في الغذاء :
الاقتصاد في المأكل، ففي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (( ما مَلَأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا من بطن، بِحَسْبِ ابن آدم أُكُلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَه،ُ فإن كان لا مَحَالةَ، فَثُلُثٌ لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لِنَفَسِهِ)) صحيح الجامع الصغير .
ومن علاج الإسراف البعد عن الزيادة في طبخ الطعام ، فما يكفي الواحد من الطعام المبارك فيه، يكفي غيره معه، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( طَعامُ الرَّجُلِ يَكْفِي رَجُلَيْنِ، وطَعامُ رَجُلَيْنِ يَكْفِي أرْبَعَةً، وطَعامُ أرْبَعَةٍ يَكْفِي ثَمانِيَةً )) .
فاتَّقوا اللهَ تعالى في نِعَمِه، وحافظوا عليها قَبْلَ أن تذهبَ عنَّا ولا ترجعُ، واقتصدوا في أكلكم وشُربكم وجميعِ أمورِكم واقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم في الاقتصاد في الأكل والشرب .
بارك الله لي ولكم .....
الْحَمْدُ للهِ النَّاهِي عَنِ التبذير والإِسْرَافِ وَالعُدْوَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
إننا على خطر عظيم إذا لم نُحَاِفظ على النِّعَم التي بين أيدينا، ونَشْكُر الله تعالى عليها، ونُغَيِّر من حالِنا في السَّرف والبَذْخ ورَمْي الأَطْعِمة، والمباهاة بالحفلات والولائم.
ولا يَخْفَى عَلَيْـكُمْ عَاقِبَةُ الإِسْرَافِ وَنِهَايَةُ الْمُسْرِفِينَ،

قال الله تعالى (وكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)

وقال اللهُ تَعَالَى:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) ،

فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ وَاهتَدُوا بِهَدْيِ خَيْرِ العِبَادِ (صلى الله عليه وسلم) الَّذِي دَعَا إِلَى الْبُعْدِ عَنْ مَظَاهِرِ الإِسْرَافِ والهدر في الغذاء ، (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّـهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) .
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا:(إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

.  

المرفقات

1695901606_التحذير من الإسراف والهدر في الغذاء.docx

المشاهدات 1339 | التعليقات 0